فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

فيزا الأدوية إلى الشمال السوري 

درغام حمادي

تمرّ الأدوية في رحلتها إلى مرضى الشمال السوري بحدود ومعابر وتخضع لتحكم قوى الأمر الواقع ما يحوّلها من خدمة إلى وسيلة ترّبح ومصدر للإتاوات يدفعها من لا يملك ثمن علاجه

تدفع السيدة نوال المحمود نحو سبعة أضعاف الثمن لتحصل على علبة دواء “إلتروكسين” لعلاج مرض الغدة الدرقية الذي تشكو منه منذ نحو خمس سنوات، وبزيادة ضعفين عما كانت تدفعه قبل ثلاثة أشهر.

تشتري المحمود دواءها من مدينة الدانا بريف إدلب حيث تسكن منذ تهجيرها في عام 2020 من معرة النعمان، وتدفع لقاءه 250 ليرة تركية (نحو 10 دولارات) للعبوة الواحدة، علماً أن سعر الدواء المنتج محلياً في مناطق النظام لشركة ابن زهر حدّد بعد الزيادة الأخيرة بـ 21 ألف ليرة (1.5 دولاراً) وسعره المحدد في إدلب 3,7 دولار في حال توفره.

وكانت وزارة الصحة في حكومة النظام قد أصدرت في 8 آب الماضي نشرة أسعار جديدة تضمنت زيادة في أسعار أكثر من 13 ألف صنفاً دوائياً، وبنسبة تراوحت بين 50 إلى 60%، لكن هذه النسبة لا تراعى في الشمال السوري، إذ تخضع لعوامل عديدة أهمها الأتاوات والرشى على الحواجز والرسوم الجمركية وأجور النقل والحمولة، يضاف لها فارق التصريف وتغيراته.

وتحمّل علبة الإلتروكسين التي لا يزيد وزنها عن خمسين غراماً ما يفوق طاقتها، حالها حال معظم الأدوية التي تصل إلى مناطق الشمال السوري والتي يقدّر من تحدثنا معهم فارقها السعري عن مبيعها في مستودعات النظام بين ضعفين إلى خمسة أضعاف، ويحدد هذا الفارق وزن العلبة وتوفرها أو انقطاعها، خاصة مع توقف العديد من معامل الأدوية في مناطق النظام عن تصنيع أدوية محددة بحجة الخسارة وارتفاع سعر صرف الدولار، العملة التي تشترى بها المواد الأولية للأدوية، مقارنة بالليرة السورية، كذلك إغلاق المعابر وفتحها والطرق التي تسلكها سيارات الشحن والقوى العسكرية التي تمرّ بها قبل الوصول إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وما يفرض فيها من رسوم وأجور تنقل، مروراً بمعابر المعارضة السورية والنقل إلى أرياف حلب ومنها إلى إدلب مروراً بعفرين، حيث تفرض إتاوات جديدة، إلى أن تصل إلى المستودعات التي تضع أرباحها قبل أن يقتطع الصيدلاني حصته من حبة الدواء التي يغصّ المريض بثمنها قبل أن يتداوى بها.

وفي مقارنة أجراها فوكس حلب لمعرفة أسعار أدوية محددة لمرضى السكر والضغط وخافضات الحرارة والالتهاب من الشركات ذاتها عبر تطبيق صيادلة متحدون المعتمد من نقابة صيادلة إدلب بالنشرة السعرية الصادرة من وزارة صحة النظام كانت النتائج على الشكل التالي: 

اسم الدواءثمنه في إدلب بالدولارثمنه في مناطق النظام بالليرة السوريةثمنه في مناطق النظام بالدولارالفارق السعري بالدولارالنسبة المئوية 
ميتفورال منظم سكر
عيار 850
1,31 4500 0,320,99409%
ايمبا خافض سكر عيار 102,3190000,641,67360%
ايمبا خافض سكر عيار 25 4.60165001,173,43393%
غلبتين عيار 50 خافض سكر1,285000,60,6200%
لوسارتيك خافض ضغط 1.660000,420,98380%
فالسارتان 80 خافض ضغط 1,1350000,350,78322%
كابوتال عيار 25 ، 50 خافض للضغط135000,250,75400%
هيبو بروسور عيار 50 خافض للضغط280000,571,43350%
إلتروكسين عيار 100 دواء للغدة الدرقية 3,7210001,58,5246%
لينكومايسين إبر عيار 600 1,555000,391,11384%
أوكمنتين عيار 1000 2,6120000,851,75300%
أوكمنتين شراب عيار4571,7124000 1,71
فلاجيل عيار 500 مطهر معوي 0,5860000,420,16138%
بروفين شراب 1,1880000,57061207%
روسيفلكس 1 غ 1,2590000,640,61195%
سيتامول حب خافض حرارة0,3120000,140,17221%

يمكن القياس على مختلف الزمر الدوائية الأخرى بالنسب ذاتها، لكن مع زيادة عن التسعيرة المحددة التي لا تلتزم بها الصيدليات خاصة في الأدوية المفقودة أو تلك التي يصعب تحصيلها، تقول نوال المحمود إنها تشتري إلتروكسين على سبيل المثال غالباً بـ 250 ليرة تركية (10 دولارات)، والفلاجيل بأكثر من سعره المحدد بنحو عشر ليرات تركية (0,4 دولار تقريباً)، إضافة لأدوية السكر إذ تشتري دواء إيمبا بـ 7 دولارات بزيادة نحو 2,5 دولار عن السعر المحدد، و شراب بروفين بنحو دولارين بزيادة 80 سنتاً عن السعر المحدد، وتختلف هذه الأسعار بين صيدلية وأخرى وبين يوم وآخر أيضاً.

أبو حسين، خمسيني يعاني من انخفاض الضغط بعد إجرائه لعمل جراحي في القلب بإدلب يقول “هي معاناة مستمرة، الفارق كبير في الأسعار بين المنطقتين ما يحمّل المريض أعباء إضافية”، ويضرب أبو حسين مثالاً عن صنفي دواء يستخدمهما منذ سبع سنوات، تضاعف سعرهما في السنة الأخيرة، يقول ” أدفع ثمن علبة ونصف علبة من دواء كابوتال وعلبة هيبوبروسور ثلاثة دولارات ونصف الدولار، علماً أن ثمنهما في الحقيقة لا يتجاوز دولار واحد” ويتساءل عن السبب وراء هذا الفارق السعري؟

مرض أبو حسين أقعده عن العمل ويعيش على ما تقدمه بناته له من نقود تحصلن عليها من عمل المياومة، ويحتاج لنحو عشر دولارات شهرياً للحصول على أدويته المعتادة، هذا إن استثنينا أدوية الحرارة والمسكنات والالتهابات وغيرها من الأمراض الطارئة.

يبرر الصيدلاني خالد في مدينة الأتارب اختلاف سعر الأدوية باختلاف سعر الصرف، إذ يتم تحديد السعر بالدولار والبيع بالليرة التركية، وينقل شكوى أصحاب الصيدليات برفع الأسعار من قبل مستودعات الأدوية، خاصة الأدوية المستوردة سواء من مناطق النظام أو من الخارج، ويؤكد أن ربح الصيدلاني محدد ولا يمكن تجاوزه.

ويقول الصيدلاني ابراهيم في إدلب إن التسعيرة المحددة من قبل التطبيق تختلف باختلاف أجور الشحن وارتفاع الأسعار من مناطق النظام، كذلك بسبب التحميل، ويشرح عملية التحميل بإجبار الصيادلة على شراء أدوية من أنواع غير مطلوبة أو بتواريخ قريبة للحصول على الأدوية التي يزيد عليها الطلب، وهو ما يضطر الصيدلاني بدوره لتحميل سعر تلك الأدوية عليها ما يؤدي لاختلاف سعرها.

ويضيف ابراهيم أن البيع بالظرف يزيد من سعر الدواء، إذ تضاف نسبة 20% على الدواء في حال بيعه بهذه الطريقة، ولا ينكر وجود احتكار من بعض الصيادلة لأصناف معينة وبيعها بأسعار مضاعفة عند فقدانها من الأسواق.

سلاح الصيدلاني اليوم لم يعد التركيز على الدواء على حد قول إبراهيم، بل الآلة الحاسبة والتسعير اليومي تجنباً للخسارة. ويضيف أبو مصطفى، صاحب صيدلية الجينة، سبباً آخر لارتفاع الأسعار، يرجعه لاحتكار مستودعات الأدوية وتحكمهم بأسعاره.

وتمرّ الأدوية القادمة من النظام، وتغطي بحسب الصيدلاني ابراهيم نحو 40% من الاحتياجات، خاصة من الأدوية النوعية أو غير المصنعة في معامل الشمال السوري، بعدة مناطق وقوى قبل الوصول إلى إدلب، يقول على سبيل السخرية هناك “فيزا للأدوية، كل علبة تحتاج لجواز سفر قبل مرورها”.

الأدوية في الشمال السوري
الصورة من صيدلية في مدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت

تتبعنا طرق وتكاليف وصول الأدوية من مناطق النظام إلى إدلب عبر وسطاء شركات الشحن، وتحدثنا إلى شركتي شحن مختلفتين لتحديد متوسط سعر التكلفة.

من حلب إلى قسد 

تبدأ رحلة شحن الأدوية من تأمين سيارة شحن (تك) تصل إلى المعمل أو مستودع الأدوية المحدد في حلب وتحميلها بالأدوية ومن ثم توجهها نحو معبر جب الخفي أو أبو كهف قبل مدينة منبج بنحو عشرة كيلو مترات، بحسب أبو أحمد، صاحب مكتب شحن من مناطق النظام إلى الشمال السوري.

السيارة التي تسلك هذا الطريق تحتاج لنحو  2,5 مليون ليرة سورية (178 دولاراً) توزع على الشكل التالي 800 ألف ليرة  (57 دولاراً) ترفيق، 200 ألف ليرة (14,2 دولار) لكل حاجز على الطريق. عند الوصول إلى معبر أبو كهف يستقبلك حاجز للفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، ويعمل هذا الحاجز على تقاضي رسوم على كل سيارة تمر من المكان!

التسعيرة واحدة وتعتمد على القياس بالمتر المكعب، يقول أبو أحمد، إذ يقوم عناصر الحاجز بقياس طول وعرض وارتفاع السيارة ونوع البضائع المحملة، وتختلف التسعيرة بين وقت وآخر وبحسب إغلاق أو فتح المعبر، آخر التسعيرات كانت نحو 900 دولار عن كل متر مكعب عوضاً عن 700 كانت تدفع بداية العام.

وتبلغ قياسات سيارة التك النظامية (طول 7,40، عرض 2,40، ارتفاع 3,6) أي نحو 64 متراً مكعباً، لكن أغلب الحمولة لا تتجاوز 62 مكعباً. وفي حال تحميلها يعني دفع 55,8 ألف دولار كرسم للفرقة الرابعة فقط. يضاف إلى ذلك أجرة السيارة والتي تبلغ من حلب وحتى المعبر نحو 800 دولاراً، ما يعني أن وصول سيارة محملة بـ 62 متراً مكعباً من الدواء من حلب حتى مناطق سيطرة قسد يتطلب دفع 56778 دولاراً.

في مناطق قسد الوزن محدود والترسيم بالدولار

يقدّر أبو أحمد و عبد الهادي صاحب شركة شحن وتخليص جمركي في مدينة منبج، الرسوم المدفوعة لقوات قسد بين 2200 دولاراً إلى 2500 دولاراً عن سيارة التك الواحدة، يشرحها وفق التالي:

تدخل السيارة إلى مناطق قسد في معبر جب الخفي، ويطلب من المخلص الجمركي وزن ونوع البضاعة قبل دخولها إلى القبان الموجود في المعبر.

تفرّغ السيارة في جبّ الخفي وتنقل إلى سيارة أخرى لتوصلها إلى معبر أم عدسة ليعاد الكشف عليها من حيث الوزن والنوع مرّة أخرى.

ويدفع لأجل ذلك 200 دولاراً للسيارة و 30 دولاراً أجرة عمال نقل البضاعة. ويبلغ الرسم المفروض على الأدوية في مناطق قسد 50 دولاراً للطن الواحد من الشرابات والمراهم والكريمات، و نحو 125 دولاراً للأقراص والكبسولات و 75 دولاراً للحقن والفيالات، بحسب عبد الهادي. 

في حال اختلاف الوزن لأكثر من 300 كيلو غراماً يفرض معبر أم عدسة مخالفات تتراوح بين 200 إلى 1000 دولار على كل حمولة. وتصبح تكلفة سيارة الأدوية عند وصولها إلى معبر الحمران، أول معابر مناطق المعارضة الذي تديره الجبهة الشامية، إن لم يكن هناك أي مخالفات 58978 دولاراً.

الجبهة الشامية فرقة رابعة أخرى

عند الوصول إلى معبر الحمران تدفع السيارة كرسوم جمركية بعد تقديم أوراق بنوع ووزن البضاعة نحو 50 دولاراً عن كل طن من الأدوية تزيد بحسب نوع الدواء، وتقدّر رسوم السيارة السابقة بنحو 2700 دولاراً إن كانت تخلو من المقويات الجنسية والاكسسوارات.

ورغم عدم وجود نشرة أسعار في المعبر إلا أنه يتقاضى مثلاً على الشاش الطبي والاكسسوارات والكحول 200 دولاراً عن كل طن، وفي حال دواء فياغرا (مقوي جنسي) فيدفع عن كل طن 4000 دولار. تضاف إلى ذلك 20 دولاراً رسم قطع، إذ لا يسمح إلا للسيارات الخاصة بالمعبر بنقل البضائع، و 30 دولاراً أجرة ورشة التحميل.

ولا يسمح معبر الحمران بتحميل السيارة أكثر من 20 طناً، وفي حال زيادة الوزن عن ذلك يفرض على صاحب البضاعة نقلها في سيارتين. ويدفع المخالف للوزن 500  دولاراً عن كل طن زائد في الحمولة، وتبلغ تكلفة السيارة الواحدة حتى مدينة إعزاز 300 دولاراً، إضافة لـ 50 دولاراً تدفع للحواجز على الطريق.

وتصبح تكلفة السيارة السابقة إلى مدينة إعزاز 62,078 دولاراً قبل وصولها إلى إدلب 

عفرين وإدلب ممنوع المرور إلا برسم الدولار  

المرور من عفرين وإدلب يخضع لإجراءات معقدة أخرى ورسوم إضافية، كذلك تحاليل وعينات وتراخيص.

ويبلغ رسم الطن من الأدوية في عفرين نحو 35 دولاراً، ما عدا الإتاوات على الطريق، أما في معبر الغزاوية إلى إدلب فتفرض 125 دولاراً عن كل طن من الأدوية البيطرية والإكسسوارات، وبين 50 و 75 للأدوية البشرية

وتبلغ تكلفة السيارة نحو 200 دولاراً. ما يعني دفع نحو  2500 دولاراً بالحد الأدنى للوصول إلى إدلب، لتصبح تكلفة السيارة 64,578، يضاف لها 50 دولاراً عن كل متر مكعب لشركات الشحن، ليصبح المبلغ الإجمالي 67.578 دولاراً.

الأدوية المحلية والمستوردة من الخارج أغلى ثمناً

يقدّر الصيدلاني إبراهيم ومن تحدثنا معهم من صيادلة وأطباء حجم الإنتاج المحلي في معامل مناطق المعارضة بنحو 35% من احتياجات المرضى في المنطقة، وبنحو 1000 زمرة دوائية، بينما تغطي الأدوية المستوردة نحو 15% منها، وتبقى الأدوية النوعية مفقودة وغير متوفرة.

الصورة من صيدلية في مدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت
الصورة من صيدلية في مدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت

تتبع أسعار الأدوية المحلية والمستوردة عبر تطبيق صيادلة متحدون يظهر مقاربة في سعر الأدوية المحلية بتلك القادمة من مناطق النظام أو ارتفاع في أسعارها بنسب تصل إلى أكثر من 50% على الأدوية المسكنة والالتهابات وبعض الأدوية النوعية، وإلى أضعاف هذه الأسعار في الأدوية المستوردة سواء من تركيا أو دول أخرى مثل الهند والصين وبعض الأدوية الأوروبية.

يقول الصيدلاني إبراهيم “رغم التكلفة العالية للشحن يبقى الدواء القادم من مناطق النظام أقلّ سعراً من غيره، ويرغبه السكان بثقة أعلى من غيره من الأدوية”.

يقول وائل إبراهيم، والد طفلة في السابعة من عمرها تشكو من ضمور دماغي في ريف حلب الغربي، إنه يضطر لشراء دواء “ديباكين” المتوفر بنوعيه التركي والفرنسي بنحو 30 دولار شهرياً، علماً أن سعره في مناطق النظام لا يتجاوز 2 دولاراً. فقط لثمن الديباكين يدفع وائل خمس راتبه من عمله كحارس ليلي في مشتل زراعي بالأتارب، ويزيد هذا المبلغ ليقضم ثلث راتبه إذا أضفنا ما تحتاجه الطفلة من أدوية أخرى للالتهابات والمسكنات وخافضات الحرارة.

يبقى حال طفلة وائل أفضل من شكوى عبدالرحمن الحسن والذي لم يعثر على أدويته بأي ثمن في إدلب، إذ يشكو من مرض التصلب اللويحي، تزيد حالته سوء يوماً بعد يوم بعد توقفه عن العلاج منذ عام 2019 وانقطاع الطرق إلى مستشفيات مدينة حلب حيث كان يتعالج في مستشفى الرازي داخل المدينة.

المستوصفات والصيدليات المجانية في تراجع

تشكو الصيدليات المجانية والمستوصفات والنقاط الطبية هي الأخرى من العجز عن تلبية احتياجات المرضى المتزايدة، ويقدّر موظف في منظمة آيدا إن المراكز الصحية التابعة لهم تغطي نحو 70% من أدوية المرضى المزمنين مثل السكر والضغط وغيرها، لكنها تنقطع أحياناً ما يضطر المريض لشرائها من الصيدليات ريثما تتوفر من جديد.

ويقول أبو علي بلوري من جمعية البر التي تؤمن أدوية في صيدلياتها الخيرية إن شح الدواء وارتفاع ثمنه دفعهم لإنشاء صندوق خيري مصغر لتأمين الأدوية لقسم من المرضى المزمنين أو أصحاب الإعاقة واليتامى والأرامل.

ويصف بلوري ما يحدث بـ “العبء الكبير”، إذ كانت الجمعية تحصل على الأدوية سابقاً من جهات تدعمها ومن صيدليات خيرية تؤمنان معاً نحو ثلثي حاجة المرضى المسجلين في الجمعية، لكن الأدوية في هذه الجهات والصيدليات بدأت تتناقص، أغلق قسم منها وشحّ الدواء في أكثرها ما شكل عجزاً عن تأمين احتياجات المرضى.

ويضيف بلوري إنهم اليوم يقدمون جزء من الأدوية عبر تعاونهم مع صيدليتين إحداهما تقدم الأودية بسعر التكلفة والأخرى تقدمه بحسم 20% عن كل وصفة، وهو ما زاد من الأعباء على الجمعية وقلل عدد المستفيدين منها.

الطبيب خالد شيخوني مدير مستوصف ميزناز سابقاً قال إن أسعار الدواء ارتفعت ثلاث مرات منذ عام 2021، إضافة لارتفاع تكاليف الشحن الداخلي والعالمي بعد وباء كورونا

ويقدر الارتفاع في الأدوية بأكثر من 100% في إدلب، إذ ارتفع على سبيل المثال مضاد الالتهاب ماكسيسللين من نصف دولار إلى دولار وحقنة لينكومايسين من ربع إلى نصف دولار، كذلك المراهم الجلدية وأدوية المرضى المزمنين. وأضاف الطبيب شيخوني أن المستوصفات تقدم نحو 60% من احتياجات المرضى الأساسية، لكن هناك انقطاع دائم وتأخر في وصول الأدوية لها.

وزارة الصحة لضبط الجودة والتسعير

للحصول على أجوبة واستفسارات حول الفارق السعري وآلية التراخيص والدعم المقدم من وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ يقول الدكتور قاسم وهوب، مدير مديرية الرقابة الدوائية، إن دور وزارة الصحة يكمن في “تأمين الأدوية وضبط الجودة والسعر”.

ويضيف الدكتور وهوب أن الوزارة تعمل على تأمين الأدوية كافة وتسعى لمراقبتها وضبط مصادرها، إذ تتوفر الأدوية من مصدرين: المصنعة محلياً وتشرف فيه الوزارة وتدعم الصناعات الدوائية المحلية وتسهل عملها لتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، و المستوردة سواء من مناطق النظام، إذ تعمل الوزارة بحسب الدكتور وهوب على تجفيف هذا المصدر لدعم الأدوية المحلية واحتكار النظام لبعض الزمر الدوائية ورفع سعرها إضافة لما يعود على النظام من مردود اقتصادي من هذه التجارة، كذلك صعوبة ضبط جودة الأدوية المستوردة وتعمد النظام إرسال أدوية “متخربة” إلى الشمال السوري. والمستوردة خارجياً من (تركيا والصين والهند)، وتقوم الوزارة بإجراءات للحد من وصولها مع نمو الصناعات الدوائية المحلية.

الصورة من صيدلية في مدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت
الصورة من صيدلية في مدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت

ويعدّ تأمين الأصناف النوعية التي لا يمكن تصنيعها في المعامل المحلية التابعة لوزارة الصحة، ولا يمكن تحليلها والتأكد منها (مثل الأصناف المناعية والسرطانية وبعض الأصناف الهرمونية) أبرز معوقات صناعة الأدوية في الشمال السوري، بحسب الدكتور قاسم الذي قال إن الشركات الأم المصنعة للدواء تطلب التواصل مع المستورد حصراً وترفض التواصل معنا لأسباب سياسية.

ويخضع الدواء المحلي بحسب الدكتور وهوب إلى عدة إجراءات قبل ترخيصه أهمها خضوعه لعملية تحليل قبل طرحه في السوق، ثم يطبق عليه برنامج التيقظ الدوائي الذي يعتمد على سحب عينات عشوائية من السوق. بينما يخضع الدواء المستورد من مناطق النظام إلى برنامج التيقظ الدوائي فقط.

ويخضع باقي الدواء المستورد إلى عدة إجراءات عند دخوله إلى الشمال السوري أهمها : “تحليله في مديرية المخابر، مع التنويه إلى أن بعض الأصناف وخاصة الأصناف النوعية لا يمكن تحليلها في إدلب  لافتقار مخابرها إلى تقنيات حديثة، مثل الأدوية السرطانية والمناعية”، لذلك تقوم وزارة الصحة بتوجيه المستوردين إلى شرائها من شركات عالمية معروفة وتراقب سلسلة التوريد وطرق نقل الدواء.

أما بخصوص اختلاف سعر الأدوية فيقول الدكتور قاسم إن الوزارة أصدرت برنامجاً الكترونياً يحتوي أسعار الأدوية كافة، وهو متاح للجميع للتأكد من سعر الدواء ورفع شكوى من المرضى في حال مخالفة الأسعار، إضافة إلى الجولات الميدانية التي تقوم بها وزارة الصحة على الصيدليات والمستودعات والتي تراقب من خلالها عدة أمور أهمها شروط الحفظ والتخزين والسعر.

وزارة الصحة هي المنوطة بتسعير جميع أنواع الأدوية في المنطقة المستوردة والمصنعة محلياً وتختلف طريقة التسعير باختلاف المصدر، إذ تسعر الأدوية المصنعة محلياً بعد حساب التكلفة من “ثمن المواد الأولية الداخلة في تركيب الدواء ومواد التعبئة والتغليف وأجور العمال والمصاريف التشغيلية ونسبة مربح المعمل.

أما الأدوية المستوردة من مناطق النظام فيتم التسعير عبر “حساب ثمن الدواء بالليرة السورية ثم تقسيمه على سعر الصرف وإضافة الرسوم التي تفرضها حواجز النظام الأمنية والتي استقرت في الآونة الأخيرة على سعر 900$ للمتر المكعب ثم إضافة نسبتي ربح المستودع والصيدلي”، وبحسب الدكتور وهوب فإنه ومع  “كل انهيار لليرة السورية توقف معامل النظام البيع أو تقوم بتحميل بعض الأصناف أو رفع سعر الدواء بالليرة السورية بحيث يواكب ارتفاع سعر الدولار” وهو ما يفسر تغير سعر هذه الأدوية.

وتسعر الأدوية المستوردة بناءً على فواتير الشراء من المصدر ثم حساب أجور الشحن وإضافة نسبة المستودع ومقارنة السعر النهائي بالأصناف المحلية مع الأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للمواطن. واعتمدت وزارة الصحة أخيراً على الدولار في التسعير عوضاً عن الليرة التركية التي تتغير أسعار صرفها بسرعة خلال الأشهر الأخيرة ما يسبب خسارة للمعامل والمستودعات.، بحسب الدكتور وهوب.

وتؤمن المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة قسماً من الأدوية توزعها على المرضى كذلك تؤمن الأدوية والمستلزمات الخاصة لعدد من المستشفيات التابعة لها.

لا تعتبر  الحلول المطروحة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتج الدوائي المحلي ناجعة إلا إن درست بشكل جاد قدرة المرضى على شراء الأدوية، خاصة وأن أسعارها تفوق تلك المستوردة من مناطق النظام رغم تكاليف شحنها العالية، وهو ما يدعو وزارة الصحة للبحث عن حلول من شأنها دعم القطاع الصحي ومراقبة ربح المعامل وتسعير الأدوية بما يتوافق مع الدخل الشهري لأكثر من أربعة ملايين شخص لا يمكنهم تأمين الدواء بالأسعار الحالية، كذلك يطرح السؤال الدائم حول أحقية دفع الرسوم و الإتاوات على الأدوية من جميع الجهات، وإن كنا لا نستطيع التحكم بسلوك القوى العسكرية في مناطق النظام وقسد، فهل من الطبيعي أن تفرض الرسوم بين إعزاز وإدلب!