فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

2023 في سوريا.. زلزال وقصف وترحيل ومظاهرات

هاني العبدالله

شهد العام 2023 ظروفاً قاسية على السوريين مثّل الزلزال والقصف والنزوح وتراجع الدعم الأممي والقوة الشرائية وتعويم النظام السوري أبرز فصولها.

يودع السوريون عامهم المنصرم وفي جعبتهم مئات الإحصائيات الجديدة عن تزايد في عمليات القصف والقتل والتهجير وارتفاع في الأسعار يقابله انخفاض في الدعم والقوة الشرائية والتجاهل الدولي الذي ظهر بشكل أوضح خلال حادثة الزلزال، والجدل الدائر حول إدخال المساعدات الأممية يرافقه تعويم عربي للنظام السوري.

بدأ السوريون عامهم بكارثة زلزال السادس من شباط الذي ضرب مناطق شمال غربي سوريا بقوة وصلت إلى 7.8 أعقبه زلزال آخر بالقوة ذاتها تقريباً، وتسبب الزلزالان بواحدة من أكبر الكوارث في المنطقة.

وقدّرت لجنة الاستجابة الطارئة في سوريا آنذاك، تأثر من 207 قرية وبلدة ومدينة في محافظة إدلب وريف حلب الشمالي بالزلزال الذي أسفر عن مقتل 4256 مدنياً، بينهم 1529 ضحية لسوريين مقيمين في تركيا نقلت جثامينهم عبر معبر باب الهوى، إضافة لإصابة 11774 آخرين، ونزوح 311662 نسمة، في مناطق شمال غرب سوريا، وفق إحصائية “منسقو استجابة سوريا”.

وقُدّرت الخسائر الاقتصادية في الشمال السوري بنحو 1.95 مليار دولار أمريكي شملت (القطاع العام، القطاع الخاص، ومنشآت أخرى)، إضافةً لتضرر 22359 مبنى منها 2171 تدمرت بشكل كامل و 5344 أصيب بأضرار جسيمة غير قابلة للتدعيم و 14844 مبنى بأضرار متوسطة، كذلك تعرضت 433 منشأة تعليمية و 73 منشأة صحية ومنشآت أخرى من خزانات مياه ومخيمات لأضرار متفاوتة.

الصورة من قرية بسينا- تصوير: نور الشامي
الصورة من قرية بسينا- تصوير: نور الشامي

كما توفي جراء الزلزال نحو  1414 شخصاً وأصيب نحو 2357 آخرين في مناطق النظام، وفق إحصائية وزارة الصحة في حكومة النظام . وقدّرت الأضرار المادية الناجمة عن الزلزال في مناطق النظام بنحو 5.1 مليار دولار، وفق تقرير البنك الدولي.

الأشهر التي تلت الزلزال شهدت تصعيداً عسكرياً من قوات النظام وحلفائها بلغت ذروتها في تشرين الأول الماضي والذي شهد أكبر حملة تصعيد ضد مناطق شمال غربي سوريا منذ أربع سنوات، إذ تم تسجيل نحو 300 هجوماً، وفق تقرير الدفاع المدني.

أسفرت هجمات  النظام السوري وروسيا عن مقتل 162 شخصاً بينهم 46 طفلاً و23 امرأة، وجرح 684 آخرين خلال الفترة الممتدة بين مطلع 2023 وحتى 17 من كانون الأول الحالي. وسجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في شهر تشرين الثاني الماضي وحده مقتل 72 مدنياً، بينهم 14 طفلاً و7 سيدات (أنثى بالغة)، من بين الضحايا 1 من الكوادر الطبية و1 من الكوادر الإعلامية.

الصورة من قرية عزمارين- تصوير: مصطفى الساروت
الصورة من قرية عزمارين- تصوير: مصطفى الساروت

ووثق الدفاع المدني السوري منذ بداية العام الحالي وقوع 24 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا، أدت لمقتل 7 أشخاص وإصابة 29 آخرين، كما نفذت فرق الإنقاذ المائي 93 عملية تم فيها إنقاذ 115 شخصاً وانتشلت 50 شخصاً توفوا غرقاً. كما استجابت فرق الدفاع المدني أيضاً لـ 1487 حادث سير، وتمكنت من إطفاء نحو  2700 حريقاً، أنقذت فيها 124 شخصاً وانتشلت 20 وفاة.

مؤشرات الحدود الاقتصادية للسكان في الشمال السوري التي رصدها منسقو الاستجابة في سوريا أظهرت  تراجعاً إلى مستويات قياسية خلال العام، إذ ارتفعت نسبة العائلات الواقعة تحت خط الفقر إلى 91.10%، والعائلات الواقعة تحت حد الجوع إلى 40.78%. وازدادت معدلات البطالة بين المدنيين إلى 88.74%.

أوضح هذا التراجع عجزاً واضحاً في القدرة الشرائية، إذ زاد  سعر السلة الغذائية المعيارية الكافية لإطعام أسرة مكونة من خمسة أفراد إلى نحو 98 دولاراً (2793 ليرة تركية)  بعد ارتفاع نسبة التضخم إلى 75.04%، خاصة مع تدهور سعر الليرة التركية مقابل الدولار وارتفاع الأسعار بنسب متفاوتة تتراوح بين 100  إلى 200% وثبات الأجور أو زيادتها بنسب لم تتجاوز 45%. ما رفع حد الفقر المعترف به إلى قيمة 7318 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع إلى قيمة 5981 ليرة تركية.

الصورة من قصف قوات النظام لمدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت
الصورة من قصف قوات النظام لمدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت

على صعيد الدعم الدولي انخفضت كميات المساعدة الإنسانية الواردة عبر الحدود بسبب ضعف مصادر التمويل، و وصلت نسبة العجز حتى نهاية تشرين الثاني الماضي إلى 67%، إذ لم تستطع الأمم المتحدة، على سبيل المثال، تأمين سوى 6% فقط من الاحتياجات اللازمة لتأمين الاستجابة الإنسانية لفصل الشتاء الحالي، في الوقت الذي ارتفعت نسبة المخيمات التي تشكو من انعدام الأمن الغذائي إلى 88,7%،  ووصول عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية لنحو 4.4 مليون مدني في الشمال السوري.

لم يكن حال الليرة السورية المتداولة في مناطق النظام بأفضل حالاً من الليرة التركية خلال العام الحالي، إذ فقدت خلاله أكثر من 110% من قيمتها، حيث بلغ سعر صرف الليرة السورية مطلع العام الحالي 6500 مقابل الدولار، بينما وصل مع نهاية هذا العام إلى أكثر من 14 ألف ليرة.

انهيار الليرة السورية تزامن مع تدهور كبير في الواقع المعيشي، عقب سلسلة من القرارات التي أصدرها النظام السوري خلال عام 2023، والتي تسببت في خنق السوريين، بينما حاول النظام تعويض خسائره بتوسيع تجارة المخدرات.

ففي منتصف آب الماضي، رفع النظام السوري رواتب الموظفين بنسبة 100%، تزامناً مع قرار آخر يقضي برفع أسعار المحروقات بنسبة تتجاوز 200%، ما أدى لغلاء فاحش في الأسعار، ليصل متوسط تكلفة المعيشة للأسرة في سوريا شهرياً إلى 10 ملايين ليرة، بعد أن كان 4 ملايين ليرة عام 2022، علماً أن متوسط دخل الموظف الحكومي لا يتجاوز حدود 300  ألف ليرة سورية، حسب مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة.

الصورة من قافلة مساعدات اممية الى الشمال السوري- تصوير: نور الشامي
الصورة من قافلة مساعدات اممية الى الشمال السوري- تصوير: نور الشامي

حكومة النظام رفعت سعر البنزين المدعوم (أوكتان 90) 7 مرات خلال عام 2023، ليصل سعر اللتر إلى 8500 ليرة عوضاً عن  2500 مطلع العام الحالي، بينما وصل سعر ليتر البنزين الحر إلى 13 ألف ليرة.

كما رفع النظام سعر الخبز للمستبعدين من الدعم بنسبة 140%، إذ قفز سعر الربطة من 1250 إلى 3 آلاف ليرة سورية، إضافةً لرفع أسعار الأدوية 3 مرات خلال العام بنسبة تزيد عن 100%.

مآسي السوريين في عام 2023 لم تقتصر على الموجودين في الداخل، بينما طالت حتى الموجودين في دول اللجوء. إذ شنت تركيا حملة ترحيل واسعة ضد اللاجئين السوريين المخالفين بلغت ذروتها عقب فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية منتصف العام الحالي. وأعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، ترحيل 42 ألفاً و 875 مهاجراً غير نظامي، بين الأول من حزيران و22 أيلول من العام الجاري.

معبر باب الهوى- تصوير: مصطفى الساروت
معبر باب الهوى- تصوير: مصطفى الساروت

تضييق تركيا على السوريين وتراجع قيمة الليرة التركية، دفع الآلاف للعودة إلى سوريا أو الهجرة إلى أوروبا، وبحسب آخر إحصائية لإدارة الهجرة، بلغ عدد السوريين الخاضعين “للحماية المؤقتة” في تركيا، 3 ملايين و226 ​​ألفاً و141 شخصاً، ما يعني أن عدد السوريين في تركيا انخفض بمقدار 309 آلاف شخصاً منذ مطلع العام الحالي.

وشهد عام 2023 ارتفاعًا في أعداد طالبي اللجوء والمهاجرين هو الأعلى منذ عام 2016، وتصدّر السوريون أعداد طالبي اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، كما فقد الآلاف منهم حياتهم أثناء محاولة اللجوء.

وأعلن المركز الإحصائي للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، أن السوريين شكلوا أكبر مجموعة من طالبي اللجوء منذ مطلع 2023 حتى نهاية تشرين الثاني الماضي، وسجل أيلول الماضي أكبر عدد من طالبي اللجوء منذ 2016، بواقع 19220 طالب لجوء سوري.

كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أن عدد المهاجرين الذين قضوا أو فقدوا خلال عبورهم في البحر المتوسط خلال صيف 2023، ارتفع ثلاث مرات مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022.

الصورة لمظاهرة في مدينة السويداء
الصورة لمظاهرة في مدينة السويداء

الموت والفقر والفساد دفع أهالي محافظة السويداء، منذ منتصف شهر آب الماضي، للخروج في مظاهرات حاشدة طالبت في البداية بتحسين الواقع المعيشي وارتفع سقف مطالب المظاهرات المستمرة حتى اليوم  لاحقاً من تحسين الواقع المعيشي إلى مطالب بإسقاط الأسد.

لاقت الاحتجاجات الشعبية في السويداء تضامنًا من السوريين في محافظة إدلب وريف حلب شمالًا، وفي الرقة ودير الزور شرقًا، والذين دعموا مطالب أهالي السويداء بالتغيير السياسي وإسقاط النظام.

ولم تنجح إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية مطلع أيار الماضي، والتي قوبلت برفض شعبي في مناطق الثورة السورية، في تعويم نظام الأسد، ولم ينفذ الأخير الاتفاق الذي تضمّن إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين والسعي لحلّ سياسي، كذلك توقف تجارة الكبتاغون المتدفقة عبر الحدود، وهو ما ظهر جلياً للمرة الأولى في تنفيذ الطائرات الحربية الأردنية هجمات جوية داخل الحدود السورية في أرياف درعا والسويداء ضد من قالت إنهم تجّار مخدرات، أسفرت عن مقتل مدنيين بينهم أطفالاً.

السمة الأهم التي ألقت بثقلها على عام السوريين 2023 كانت البحث عن لقمة عيش أو وسيلة للبقاء على قيد الحياة في ظل تراجع أهمية القضية السورية عن أولويات دول العالم والداعمين والمنظمات الإنسانية.