المناخ القاسي وغياب الشمس أو احتجابها خلف الغيوم خلال أشهر الشتاء وتناقص فترة السطوع الشمسي في نصف الكرة الأرضية الشمالي (سوريا جزء منه)، تؤثر في كفاءة ألواح الطاقة الشمسية، الحل البديل لإنتاج الكهرباء الغائبة منذ سنوات في المنطقة، إذ تتراجع الطاقة المتولدة عنها والتي تختزنها مدخرات (بطاريات) ليعاد استخدامها لإنارة خيامهم أو منازلهم وتشغيل أدوات كهربائية رئيسية مثل الغسالة والثلاجة وراوتر شبكة الانترنت.
يمضي أبو أمين، ستيني يسكن في قطاع الوحدة ضمن مخيمات القلعة بالقرب من سرمدا، وقته في مراقبة شاشة الدارة الإلكترونية التي تقرأ كمية الكهرباء الواردة من ألواح الطاقة خاصته، وتلك الصادرة عن البطارية. يقول إن مراقبته للشاشة أصبحت هاجسه اليومي خوفاً من استهلاك الكميات القليلة الواردة من الكهرباء أو تفريغ البطارية بالكامل ما يسبب غياب الكهرباء ليلاً وخللاً في عمل المدخرة.
يقرع جرس الإنذار لأفراد أسرته عند وصول المؤشر إلى رقم 7 فولط، ويطلب منهم إطفاء كل شيء باستثناء المصباح الكهربائي في غرفة الجلوس. وفي الوقت الذي يمضي فيه أبو أمين وقته في المراقبة يخصص محمد العبدو، مهجّر من سهل الغاب ويسكن بجوار أبي أمين، الجزء الأكبر من ساعات النهار وهو يغير اتجاه لوحي الطاقة خاصته من الشرق إلى الغرب ليلاحق جهة الشمس، وفي حال غيابه عن المنزل تتولى زوجته هذه المهمة.
يقول محمد أن هذه المهمة تلازمه خلال فصل الشتاء فقط، أما في الصيف فتتكفل ساعات سطوع الشمس الطويلة بهذه المهمة، إذ يكتفي بتوجيه الألواح إلى الجهة الجنوبية. يرجع محمد الحمود، صاحب محل لبيع وتركيب شبكات الطاقة الكهربائية البديلة ومستلزماتها في مدينة سرمدا، سبب تراجع إنتاج ألواح الطاقة الشمسية للكهرباء شتاء لقصر ساعات الشمس وطبيعة الألواح المستخدمة في المنطقة.
ويشرح الحمود أن أن كميات الطاقة التي تولدها الألواح تختلف بحسب نوع الألواح وقياسها وفترة استخدامها، إذ يشيع في المنطقة استخدام نوعين من الألواح (150 فولت بنظام 12 واط و 250 فولت بنظام 24 فولت يعدّلها الفنيون لنظام 12 واط المستخدم في المنازل).
يمنح اللوح الجديد من النوع الأول قدرة شحن تصل لحدود 9 أمبير، أما النوع الثاني المعدل فتصل حدود قدرته إلى 17 أمبيراً، وتحتاج الاستخدامات المنزلية المتوسطة إلى ثلاثة ألواح من النوع الأول ولوحين من النوع الثاني، إضافة لمدخرة بحجم 200 أمبير فما فوق. وتنخفض هذه الاستطاعة شتاء لقصر ساعات السطوع الشمسي، وميل الشمس جهة الجنوب، بينما تتضاعف تلك الفترة صيفاً حيث تكون الشمس بوضعية شبه عمودية، يقول الحمود.
تناقص استطاعة ألواح الطاقة دفع أصحابها للبحث عن حلول قسم منها أثبت كفاءته أما الحلول الأخرى فكانت قاصرة، لكن الحلول جميعها تتطلب دفع تكاليف إضافية عالية، بحسب الحمود الذي قال إن قسماً من السكان لجؤوا لتركيب جهاز يسمى m p p t يعمل على توفير تيار شحن للمدخرات بنسبة تبلغ ربع الكمية المولدة من الألواح الشمسية، وهو حل بديل في أوقات الشتاء مع عجز الألواح عن توفير الشحن اللازم، لكن هذا الجهاز لا يعمل إلا على شبكات تعمل بنظام 24 فولت، ويعزف السكان عن تركيبه لسعره المرتفع نسبياً، الذي يبلغ أكثر من 140 دولارا أمريكياً.
أما القسم الآخر فلجأ إلى تركيب قاعدة معدنية يصنعها الحدادون، لتثبيت الألواح أمام الرياح القوية وتسهيل عملية تدويرها والتحكم باتجاهاتها يدوياً، إذ تحول طبيعة الخيام و أسقفها المصنوعة من الشوادر البلاستيكية دون تركيب قواعد معدنية متحركة كهربائياً أسوة بأسقف المنازل الإسمنتية.
تتألف القاعدة اليدوية من محور معدني ( قسطل بقطر يتراوح بين 2 إلى 3 إنش، تبعاً لعدد الألواح التي يحملها)، تعلوه شبكة من الأضلاع المعدنية المفرغة التي تشكل مربعات تثبت الألواح عليها يراعى فيها الميلان بزاوية تقارب 45 درجة (لتحقيق أكبر قدر من مواجهة قرص الشمس نهاراً)، و قضيب معدني قصير على جانب القسطل يعمل كذراع توجيه وتحكم لتدوير الألواح، بجانبه برغي يستخدم لتثبيت القاعدة ومنعها من الدوران بفعل الرياح. يقول محمد أبو فيصل، صاحب ورشة حدادة في مخيم قسطون بالقرب من سرمدا.
يقدر أبو فيصل تكلفة القاعدة المخصصة لحمل لوحي طاقة بـ 35 دولاراً، وبـ 50 دولاراً للقاعدة المخصصة لحمل ثلاثة ألواح، مع إمكانية إضافة وصلات معدنية لاحقاً لمن يرغب بزيادة عدد ألواح الطاقة لديه لحدود 6 ألواح. يقول أبو فيصل: “معظم سكان مخيمنا والمخيمات المحيطة لجؤوا لاستخدام هذه القواعد كحل جيد، رغم شكواهم من التكلفة العالية، والتي لا يد لي فيها، فالحديد الصناعي مرتفع الأسعار من مصدره”.
وشكلت القواعد المعدنية اليدوية حلّاً جزئياً لمشكلة تراجع أداء ألواح الطاقة الشمسية شتاء في المخيمات، تقول آمنة المصطفى، تعمل خياطة في مخيم الإخاء بالقرب من بلدة باتبو بريف حلب الغربي إن حال الكهرباء تبدّل بعد تركيبها للقاعدة، سواء من حيث توافر الكهرباء أو سهولة تدوير الألواح وثباتها أمام الرياح، إذ كانت تشكو في كل مرة من صعوبة في استخدامها والخوف من خسارتها خلال العواصف. وتضيف: “عملي كخياطة يحتاج لكهرباء، في الشتاء الماضي كنت أتوقف عن العمل قبيل ساعات الغروب، القاعدة التي ركبتها أتاحت لي القدرة على السهر لساعات أطول”.
زكريا المحمود، يدير شبكة إنترنت في مخيم قسطون، لمس هو الآخر زيادة في كمية الكهرباء المخزنة بمدخرات العمل، وتحسناً في أداء شبكته وتأمين خدمة جيدة للمستخدمين بعد تركيب القاعدة المعدنية الدوارة، يقول زكريا: “تسبب ضعف الشحن وكثرة الاستهلاك المتواصل بعطب البطاريات سابقاً، إذ يشترط في عمل المدخرات أن لا يفرغ شحنها بالكامل”.
يدعم مصطفى الجرك، فني صيانة وتركيب الطاقة البديلة في مخيم الخربة ضمن تجمع مخيمات القلعة بمدينة سرمدا، فكرة تركيب القاعدة اليدوية الدوارة، فهي، بوجهة نظره، تؤمن الثبات والميلان الجيد للألواح وتوجيهها بصورة أمثل. ويؤكد من خلال عمله أن “القواعد المعدنية تزيد شحن المدخرات بمقدار الضعف في فصل الشتاء، وأن لوحي طاقة بقياس 150 واط لن يمنحا أكثر من 10 أمبيرات في ساعة الذروة (ما بين ساعات الظهيرة لقريب زوال الشمس)، بينما من المفترض أن يعطي اللوحان بحدود 17 أمبيراً “.
وينفي الجرك ما يجري تداوله اليوم بين السكان عن وجود ألواح ضوئية في الشمال السوري، يقول “يوجد ألواح تدعى بألواح ليلية يمكن أن تنتج الكهرباء مع الضوء المنخفض، لكنها غير متوفرة في الأسواق هنا، وجميع الألواح المتوفرة في المنطقة تعمل على أشعة الشمس وليس على حرارتها كما يظن البعض”.
لم تصل الكهرباء المستدامة عبر الشركات المخدمة في الشمال السوري إلى المخيمات التي يقطنها أكثر من مليون شخص، وإلى ذلك الوقت لا يجد أكثرهم سوى ألواح الطاقة الشمسية كحل بديل يتطلب دفع مبالغ كبيرة لا يقوون على تحملها في ظل غياب الدعم وندرة فرص العمل، لذلك يلجؤون إلى تركيب لوح واحد من الطاقة الشمسية لتأمين الضوء وشحن هواتفهم وفي الشتاء يغرقون في العتم بانتظار أشعة الشمس لشحن مدخراتهم وتدفئة عظامهم في آن معاً.