صخب الحياة وضجيج الحرب الذي مرت به عائلة ندى، (اسم مستعار لشابة عشرينية) لم يمنعها من خلق حياة هادئة لعائلتها في قرية صغيرة بريف حلب الشمالي، إلا أن هذا الهدوء لم يدم طويلاً، وحلّت المشاكل ضيفاً ثقيلاً على الأسرة نتيجة إدمان زوجها على مادة الإتش بوز، ووصوله إلى مرحلة الشراهة في التعاطي، ما فتك بالعائلة وفكك تماسكها.
قبل عامين، لاحظت ندى تغيراً كاملاً في طبيعة جسد زوجها ومعاملته معها ومع أبنائهما، فبعد أن كان يحرص على العمل لتوفير قوت عائلته في ظل الوضع المعيشي الصعب، تحول فجأة لرجل بجسد نحيل يتمتع بطاقة جسدية غريبة يزداد تعنيفه اللفظي والجسدي لندى و أطفالهما يوماً بعد يوم.
لم يكن وصولنا لندى سهلاً، واستغرق إقناعها بمقابلتنا عبر شبكة الأصدقاء عدة أسابيع، كما لم يكن من السهل عليها الحديث بأمور خاصة، فباعتقادها أن العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع قد تحولانها من مظلومة إلى مذنبة كونها فضحت سراً عائلياً ما يجعل من قصتها وسيدات أخريات طيّ الكتمان، إلا أنها كسرت أخيراً حاجز الرفض طالبةً ذكر تجربتها تحت اسم مستعار بهدف تسليط الضوء على حالتها.
لم يقتصر التغير على تصرفات زوجها غير المنضبطة فحسب، بل ازدادت فترات غيابه عن البيت لأيام، وعند عودته صار يجلب أصدقاءه دون إذن، كما أن الطاقة الجسدية الغريبة التي لا يمكن توقعها من جسده النحيل و عينيه الحمراوتين الجاحظتين والرائحة الكريهة التي تنبعث عنه يجعلها تطلب منه الاغتسال وتغيير ملابسه مراراً، ما يعرضها للتوبيخ كلما دخل وخرج من المنزل.
بحياءٍ تواري ندى نظراتها حين أكملت سلسلة التغيرات التي وصلت إلى تمتعه بطاقة جنسية مضاعفة حتى لو كان متعباً نهاية يوم عمل شاق، “رغم ذلك كان الأمر مقبولاً إلى حد ما، لكنه وصل حدّ الإزعاج بعد استخدامه ألفاظاً نابية، وعدم مراعاته للأوقات المناسبة لتلبية رغباته أو لحالتي الصحية وظروفي الجسدية حتى وصل به الحد لضربي إذا حاولت ممانعته” تخبرنا ندى.
لا تعتمد العائلة على مصدر دخلٍ ثابت، وفي حال حصل الزوج على فرصة للعمل فإنه بالكاد يجني 100 ليرة تركية (أقل من 4 دولارات أمريكية) ليوم واحد، ولا يغطي مبلغ المال ثمن المخدرات التي يتعاطاها، ما أجبر الابن الأكبر (12 عاماً) على الالتحاق بأعمال قاسية بهدف تأمين قوت يوم أمه وإخوته الأربعة (أختين وأخين) بعدما تحول والده لمدمن شره.
طريق أوله تجربة ونهايته أسرة متورطة
بدايةً انجرّ الزوج لتعاطى المادة رفقة أصدقائه ليرضي فضوله بتجربة ما يشعر به المتعاطي، لكنه صار يشعر بحاجة جسده لتعاطيه أثناء وجوده مع عائلته في المنزل، بغرابة راقبت ندى مشهد زوجها وهو يتعاطى مادةً شفافة موضوعة في غليون ( قلم من الزجاج والبلاستيك ممدود إلى جزء من زجاجة لمبة توفير كهربائية ملصوقة بلاصق متين)، يضع في قطعة الزجاج مادةً يشعل تحتها ناراً حتى تصل إلى مرحلة الذوبان ويصبح لونها مائلاً إلى البني، ثم يبدأ بسحب الدخان منها و يكرر العملية عدة مرات في كل حرقة.
ولتبرير العملية أكد لندى أنه مخدر عادي يطلق عليه “الإتش بوز” وطلب منها تجريب لذة آثاره فهو سيجعلها تشعر بطاقة جسدية وانتعاش وسعادة غريبين، قادها تمهيد زوجها لتذوق المخدر، لأكثر من مرة حتى بات جسدها يطلبه، تصف ما يحدث معها: “شعرت بتوسع كبير في قصبات صدري، ونشوة وسعادة غريبة أكسبتني رغبة جنسية أنا الأخرى، ولم أرغب بالنوم إلا بعد ساعات شعرت بعدها بتعب شديد جعلني أنام بعمق”.
ندى ليست الضحية الوحيدة التي انجذبت لتناول المخدر في ظل انتشاره وأنواع أخرى في الشمال السوري، بعد توجه أزواج لتناول المادة داخل منازلهم، فالعديد من الجرائم التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي تشير لوقوع الزوجة والأطفال ضحية الإدمان بعضها انتهى بالقتل أو الانفصال، وكون النساء هم الحلقة الأضعف في المجتمع يضطررن لمسايرة أزواجهن وتنفيذ مطالبهم أياً كانت.
تتعرض زوجات مدمني مواد مخدرة وعلى رأسها مادة “الإتش بوز” للاستغلال من قبل أزواجهن بهدف توفير الجرعة التي تحتاجها وزوجها في ظل انعدام توفر الإمكانيات المالية لديهم، تكون الزوجة فيها وسيلة تربط بين التاجر والمتعاطي لتوفير المخدر، ولا تكون تنازلات الزوجة للتاجر ثمناً لعدد من الغرامات وإنما مقابل المماطلة في حال انقضت فترة الدين.
الإتش بوز شمالي سوريا وجهود تطوعية لمكافحته
الباحثة في مركز الحوار السوري كندة حواصلي كشفت خلال استضافتها على إحدى القنوات للحديث عن انتشار المخدرات في سوريا أن واحداً من كل خمسة أشخاص في مناطق المعارضة عُرضت عليه المخدرات.
حسن جنيد مؤسس المركز السوري لمحاربة المخدرات SCDC يقول لفوكس حلب: “إن الإتش بوز ظهر للمرة الأولى في مناطق شمال غربي سوريا مطلع عام 2020، قادماً من معابر تهريب واقعة على خطوط التماس، في منطقة نبل والزهراء وعفرين والباب ومارع وأخرى بريفي حلب الغربي وإدلب، وذلك عبر تجار داخل فصائل المعارضة وأفراد متورطين بعمليات توزيع المادة، وكان تعاطي المخدر مقتصراً على المقاتلين العسكريين في صفوف الجيش الوطني، ومع مرور الوقت توسع انتشاره ليطال شباباً وطلاباً ونساءً وأطفالاً من شرائح اجتماعية مختلفة.
ولعناصر الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المرتبطة بها دور في إدخال مادة الكريستال إلى سوريا عبر العراق ودير الزور بحسب تقارير إعلامية، حيث تهرب إلى مناطق شمال غربي سوريا، كما تدخل إلى المنطقة من تركيا عبر الحدود، وتشكل مصدر تمويل مهم تغذي الميليشيات والتجار، في حين لم تكن المادة معروفة في شمال غربي سوريا قبل عام 2020.
تختلف تسميات المادة من منطقة إلى أخرى، فيطلق عليها التجار في شمال غربي سوريا، “الإتش بوز”، ويطلق عليها في العراق “كريستالات الكبتاجون”، أما في مصر والخليج، فيطلق عليها “الشبو”، في حين لها مسميات أخرى مثل “الثلج”، و”الآيس”.
اكتشف الميثامفيتامين عام 1893 ويشير المصطلح إلى مادة كيميائية تشمل خليطاً متجانساً من اليوفو ميثامفيتامين والديكستر ميثامفيتامين بشكلهما الأميني النقي، يعبر الأول حاجز دم دماغ الإنسان بمثابة ناهض يعمل على تضيق الأوعية الدموية، وتتراوح فترة تخلص جسم الإنسان منه بين 13 و15 ساعة، أمّا التركيب الثاني فيستغرق طرحه أكثر من عشر ساعات.
مخدر الكريستال ميثامفيتامين ينتج عن خلط المادتين السابقتين إضافةً إلى تراكيب كيميائية أخرى في مختبرات خاصة، وهو مخدر منشط يؤدي استخدامه إلى ارتفاع سريع في مستويات الدوبامين والسيروتونين والنورادرينالين في الجسم، مما ينتج عنه شعور بطاقة جسدية وفرط يقظة وحدة ونشوة وزيادة في ممارسة الجنس لساعات، وثقة بالنفس مما ساهم في تزايد انتشاره.
المعلومات التي حصل عليها “المركز السوري لمحاربة المخدرات تشير” إلى وجود مصانع إنتاج مادة الكريستال في مناطق سورية مختلفة أبرزها في محافظة دير الزور شرقي البلاد، ويشرف عليها عناصر من الحرس الثوري الإيراني، وفي شمال غربي سوريا، ضبط مصنعاً في بلدة الباسوطة بريف عفرين، يهدف إلى إنتاج مادة الكريستال وحبوب الكبتاجون.
المركز السوري يعمل على محاربة المخدرات في مناطق شمال غربي سوريا، ضمن خطة استراتيجية تهدف إلى نشر الوعي والوقاية الذاتية في المجتمع للحد من انتشار وتعاطي المخدرات، ولدى المركز السوري أربع وحدات أساسية تعمل بشكل تطوعي في ظل غياب التمويل، وهي وحدة العلاج والتأهيل، وحدة التعليم والتدريب الوقائي، وحدة التواصل والتوعية، ومركز المعلومات – الخط الساخن.
بحسب حسن جنيد مدير المركز، فإن استبياناً أجريَ في مدن إعزاز وعفرين والباب، يهدف إلى معرفة سهولة وصعوبة الحصول على المواد المخدرة، أظهر أنَّ 21 % من المشاركين أكدوا أن الحصول على المخدرات سهل جدًا، في حين قال 37 % إنه سهل، و22 % وصفوه بأنه صعب قليلاً، و6 % أبدوا أنه صعب، و14 % قالوا إنه صعب جدًا.
تلقى المركز خلال خمسة أشهر (من آذار حتى تموز) من العام الحالي 72 اتصالًا من أشخاص مدمنين في شمال غربي سوريا، أعربوا عن رغبتهم بالعلاج، بعدما تجاوزت نسبة تعاطي مواد مخدرة 25 % من الشباب تشمل الأشخاص الذين قاموا بالتعاطي لمرة واحدة أو مرتين على الأقل وفق تقديرات مركز محاربة المخدرات، الذي أوضح أنها إحصائية تقديرية غير دقيقة.
الإدمان يستنزف الجيب
أمام صالة بلياردو يجلس محمود (31 عاماً) يراقب المارة بعينيه الجاحظتين الحمراوتين، يطيل الشرود ويقضي ساعات يومياً على هذه الشاكلة، تلك الحالة السوداوية وصل لها الرجل بعد إدمانه مخدر الإتش بوز. يعمل محمود مقاتلاً عسكرياً في صفوف إحدى فصائل الجيش الوطني، ويُكلّف أسبوعياً بمناوبات في إحدى النقاط الواقعة على خطوط التماس بين مناطق سيطرة نظام الأسد وقسد ومناطق سيطرة الجيش الوطني بالقرب من بلدة طوحينة وعبلة بريف حلب الشمالي.
مضى على إدمانه للإتش بوز أكثر من عام ونصف العام، ولا يستطيع الاستغناء عنه رغم ارتفاع سعره عقب حملة قادها الجيش الوطني منتصف العام الحالي ضد مروجي المخدرات، وصل حينها سعر الغرام الواحد إلى 1200 ليرة تركية، انخفض بعدها إلى 800 ليرة تركية بعدما كان حوالي 400 ليرة تركية مطلع عام 2023.
يتقاضى محمود 600 ليرة تركية شهرياً لقاء ست مناوبات في نقطة الرباط، وفي بعض الأحيان يحصل على مناوبات إضافية عوضاً عن زملائه، فيرتفع المبلغ الذي يتقاضاه إلى 1000 ليرة تركية إذا ما أتم أربع مناوبات إضافية.
كان الرجل معيلاً لزوجته وبناته الثلاث لكن إعالتهنّ بعد إدمانه وقعت على عاتق والد الزوجة الذي يستقبل ابنته وأطفالها معظم أيام الشهر فترة غياب محمود بسبب الرباط، بينما يصرف محمود كل دخله الشهري ثمن غرام واحد من مادة الإتش بوز، ويضطر للعمل في تجارتها إذا لم يستطع توفيرها لباقي أيام الشهر. في مراحل الإدمان الأولى كان محمود يشتري المخدر عبر أحد أصدقائه، ولكنه لاحقاً تعرف على مروج عرض عليه إعطاءه 5 غرامات من المادة لبيع أربعة منها مقابل منحه الغرام الخامس مجاناً لقاء مساهمته بالتوزيع والترويج.
المتعاطون يتمسكون بالحياة
يميل المتعاطون لشرب الإتش بوز في أماكن تجمعهم بأصدقائهم، وتستهلك الحرقة الواحدة ربع غرام، كما توفر ستة باصات حسب ما يطلق عليها بين المتعاطين، لكل شخص باص أو باصين تبعاً لعدد الأشخاص، وعندما تنتهي يقع تجديدها على صاحب آخر باص. بعد تناول مادة الإتش بوز يشعر محمود بطاقة جسدية وجنسية كبيرة مع رغبة بالسهر لساعات طويلة، ولتخفيف بعض آثاره كفرط النشاط و قطع الشهية لتناول الطعام يضع في جيبه حشيش “معجونة” فيمنحه شربها استرخاءً كاملاً لجسمه ورغبةً بالأكل.
يحرص المتعاطون على توفير الحشيش/المعجونة، صحبة الإتش بوز، فهو ضروري لاستمرار المدمنين على قيد الحياة حسب تعبير من قابلناهم، فلكل منهما تأثير معاكس على جسم الإنسان، ما يساهم في تقليل مخاطر قلة النوم والغذاء بحسب اعتقادهم، كما لا يقتصر التعاطي على هذا النوع فقط، إذ تنتشر أنواع أخرى مثل هيروين وكبتاجون وترامادول.
“أشعر أن أكبر رأس أمامي ذبابة” يقول محمود، فهو يدرك بعد زوال تأثير الجرعة أن الهلوسة والنظرات العدوانية تجاه الآخرين هي علامات تفضحه كمتعاطي، ورغم ذلك لا يستطيع التحكم بإرادته عندما يحين موعد الجرعة، ويكون مستعداً لفعل أيّ شيءٍ لتأمينها.
كذلك قال أحد المتعاطين الذين قابلناهم (يرفض ذكر اسمه) إنه في حال انقطع عن التعاطي بسبب نفاد الكمية وعدم امتلاك المال، يضطر لبيع الأدوات الكهربائية من منزله ثم سرقة كل ما تقع عليه عينه مثل المال والدراجات النارية وبطاريات السيارات، ويضطر البعض لاستخدام الزوجة بعد إدمانها كوسيلة للحصول على المخدر من تاجر المخدرات.
يوفر تجار ومروجو مواد مخدرة شمالي سوريا نوعين من مادة الإتش بوز، فالأول شفاف مائل للبياض يشبه قطع الكريستال، والثاني مائل للزهري يغلب استخدامه لأغراض جنسية، لكن الأكثر استخداماً من نوع الأول. ولا تسلم المواد المخدرة من الغش إذ يعمل تجار ومروجون على خلطها بالسكر الأبيض وسكر النبات والملح والنفثالين، ولا كفالة حقيقية تلزم استرجاع الكمية في حال كانت مغشوشة، إذ تنتهي العلاقة كلياً بين الأطراف حتى شراء جرعة ثانية.
ويمكن الحصول على مخدر الإتش بوز بسهولة إذا حصل المتعاطي على ثقة تامة إما من قبل متعاطين أو مروجين، بينما يصعب على غيرهم ذلك، فالثقة هي المعيار المتعارف عليه بين الأطراف، وأثناء إعداد المادة باءت محاولتنا لمعرفة طريقة تفصيلية لتأمين المخدر بالفشل نتيجة المخاطر المحيطة، بسبب تشديد بعض المتعاطين فيما بينهم على مصادر حصولهم عليه.
راحة مؤقتة وطبع مضطرب
يستخدم الكريستال لإزالة تعب وإنهاك وإرهاق أو خسارة وزن، توجد المادة على شكل قطع بلورية شفافة اللون ويتم تعاطيها عن طريق حرقها، كما يمكن أن تذاب وتؤخذ عن طريق الوريد، لكن حرقها أكثر شيوعاً، وهي مادة تؤدي للإدمان بسرعة، و يرتبط الأمر بعوامل عديدة منها عمر الشخص المتعاطي، تاريخه المرضي، كمية التعرض للمادة، وزن الشخص وكتلته، هل سبق وأن تعاطى، وعوامل كثيرة مرتبطة.
يعاني المتعاطي من البارانويا Paranoia جنون ارتياب واضطهاد وأوهام وهلوسات واضطرابات رؤية وسمع، فيرى ويسمع أصواتاً غير موجودة، ويشعر أنه إنسان مُضطهَـد من الجميـع، فيبدأ بمهاجمة محيطه وتخريب ممتلكات عامة وخاصة، كما يصاب بإحساس وجود حشرات تزحف تحت جلده ما يدفعه إلى خدش نفسه مسبباً قروحاً والتهابات جلدية، لكن عندما ينتهي مفعوله، تنقلب الأعراض فيصاب بخمول وصداع واكتئاب ورغبة انتحار، ويبحث المتعاطي عن جرعة ثانية تزيل هذه الحالة.
تعاطي الإتش بوز يقود إلى التفكك الأسري وتبذير الأموال والعطالة عن العمل ينتج عنها وقوع حوادث وجرائم جنائية منها اغتصاب وقتل وطلاق وخصومات وتفرقة دون سابق إنذار، بسبب فقدان المدمنين للاتزان في تصرفاتهم أو في مشاعرهم ما يعكس حالة اجتماعية سيئة فرضتها ظروف اقتصادية وأمنية وسياسية تعيشها البلاد.
المحامي صلاح السليمان وهو قاضٍ عسكري سابق رصد حالات ترتبط بإرغام زوجات على تعاطي مادة الإتش بوز ما يؤدي إلى إدمانهنّ وبعد الإدمان فإن عدم توفر المخدر أو توفر ثمنه يؤدي إلى علاقات جنسية خارج إطار الزواج وارتكاب جرائم إطلاق نار واستخدام زوجات مقابل الحصول عليها.
حملات لمكافحة المخدرات ومحاكمات غير مجدية
نفذ الجيش الوطني السوري التابع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة حملات اعتقال طالت متورطين بتجارة وترويج المواد المخدرة في مناطق سيطرته في ريفي حلب الشمالي والشرقي، فضلاً عن اعتقال عدد من المتعاطين والمروجين على مستوى ضيق، وتعد تلك الحملات الأمنية غير مدروسة على نطاق أوسع ويفلت كبار التجار المدعومين عسكرياً (النافذين) من العقاب، بحسب شهادات لمُطلعين.
وفي أواخر يوليو/تموز الماضي نفذ الجيش الوطني في مدن مارع واعزاز وأخترين وعفرين والباب حملة لمكافحة المخدرات اعتقل خلالها عشرات التجار والمروجين، بينهم عسكريّون يخضعون للمحاكمة في المحكمة العسكرية، أما المدنيون في المحكمة المدنية.
وتؤكد مصادر متطابقة الغياب الكلي أو الجزئي للعقوبات الرادعة إذ يحكم المتعاطي بالسجن لستة أشهر، بينما يمكنه دفع كفالة مالية للخروج من السجن، أما المروج فيسجن مدة ست سنوات، لكن الحكم يختلف بين عسكري ومدني، وفي حال كان لدى المتعاطي بعض العلاقات مع مسؤولين يخرج من السجن براءة بعد دفع المال للتلاعب وتعديل تهمته من مروّج إلى متعاطي، ويكون المبلغ حسب القضايا المتهم بها.
ويحاكم متعاطي مادة الإتش بوز والمخدرات الأخرى مثل الكبتاجون والحشيش بعد إلقاء القبض عليهم وإحالتهم للنيابة العامة والتحقيق وصولاً إلى محكمة الجنايات بصورة علنية، وأحياناً يخلى سبيله لعدة أشهر بكفالة نقدية مع مراعاة مدة التوقيف وماهية المادة المخدرة من حيث العدد والكمية والحجم إذا كان المجرم متعاطي لأول مرة.
قانون المخدرات السوري رقم 2 لعام 1993 يقر بإيقاع شديد العقاب على المتعاطين والمروجين والتجار للمواد المخدرة حيث تتراوح العقوبة بين الاعتقال المؤقت حتى المؤبد والإعدام، حسب المحامي صلاح السليمان. يحاكم متهمون بحيازة مواد مخدرة سواء كانوا متعاطين أو تجار وفق أحكام قانون المخدرات رقم 2 لعام 1993 المادة 43 منه إذا كان حائزاً للمواد المخدرة بقصد التعاطي، أما إذا كانت بقصد الإتجار يحاكم وفق المادة 40 منه.
تتعامل محاكم مع المدعى عليهم بتعاطي الإتش بوز بوضعهم في السجون مثل باقي الموقوفين مع حراسة مشددة عليهم بهدف منع وصول المخدرات إليهم، في ظل غياب المصحات الطبية الخاصة في علاج هذا النوع من الموقوفين ويعتبر توفر مصحات ورعاية لهم أهم من سجنهم بهدف إصلاحهم وتنظيف أجسامهم من هذا الوباء.
آثار سلوكية ونفسية
تظهر على محمود آثار تعاطي الإتش بوز تتجلى في خلل وعدم انتظام نبضات قلبه، وتوسع بؤبؤ عينيه، قلة شهية، تعرق، غثيان وإقياء، ووهن عضلي وقصور تنفسي وألم صدري، ونقص وزن، هياج حركي ونفسي، إحساس بنشوة وعافية، وثقة غير مبررة وطاقة جسدية تمنعه من النوم لأكثر من يومين متتاليين ما يعزز استمرار تعاطي المادة في العمل.
وتنعكس آثاره على صحة المتعاطي نفسياً وعقلياً، إذ يغلب على المتعاطين الإصابة بالذهان العقلي وفقدان قدرتهم على تمييز واقعهم، فضلاً عن أنها تسبب قلق شديد وتخلق إحساساً مشوهاً (أنا قوي، أنا عظيم، أنا أملك قدرات عالية)، ومن الاضطرابات العقلية المحدثة بواسطة تعاطي الإتش بوز هوس واضطرابات جنسية وثنائي قطب وطيف واسع من اضطرابات نوم وتغير مزاج.
يخلق المخدر إمكانية التعرض لاضطرابات ومضاعفات جسدية تصل إلى موته، لكنها أعراض تختلف من شخص لآخر، إذ تسبب جرعة زائدة زيادة في ضغط دمه ونبضات قلبه وتشكل تهديداً للحياة وسط إمكانية تمزق الأوعية الدموية في الدماغ مما يسبب سكتة دماغية.
وعند انقطاع أو نقص جرعته المعتادة تظهر عليه علامات تعكر مزاج وتعب وأحلام مزعجة وأرق أو فرط نوم، زيادة شهية، خمول وبطء حركي، واضطرابات جنسية، كما تعرضه إلى نوبة اكتئاب، تخلق منه شخصاً عنيفاً تجاه نفسه والآخرين، وتعرضه إلى سلوك عنفي تجاه زوجته وأطفاله، بحسب المعالج النفسي بلال ناصر.
مبادرات خجولة وسبل للعلاج
مع تزايد تعاطي المخدرات يعد توافر مراكز تقديم خدمات علاجية نفسية وصحية وتأهيل اجتماعي لمعالجة مدمني المخدرات أمراً في غاية الأهمية، بهدف تقليل نسبة التعاطي ومكافحة آفة صحية خطيرة تنهش بالمجتمع السوري.
في خطوة متأخرة، افتتح أول مصح لمعالجة إدمان المخدرات شمالي سوريا مطلع أكتوبر/تشرين الأول بالتعاون مع الهلال الأخضر السوري ومديرية صحة إعزاز، من المتوقع أن يستقبل المركز أعداداً تتراوح بين 20 و25 شخصاً شهرياً لمعالجتهم من الإدمان. المصح خطوة محفزة أمام متعاطي المخدرات الذين فقدوا أمل الشفاء بعد وصولهم حد الشراهة، استنزفوا خلالها حياتهم أسرياً واجتماعياً، وموارد دخلهم وممتلكاتهم سيما أن بعضهم بات يفكر جدياً بتلقي العلاج بدفع من عائلاتهم ومن بينهم عمر فاروق (23 عاماً).
اضطرت عائلة الفاروق لبيع عدد من عقاراتهم وممتلكاتهم خلال فترة إدمانه بعد تراكم الديون عليه وطلبوا من “قوات الشرطة والأمن العام” سجنه وعدم إطلاق سراحه حتى يقلع عن المخدرات، في ظل غياب مصحات علاجية، ومع افتتاح مركز إعزاز تفكر عائلته بإخضاعه للعلاج فيه.
طبيب الجراحة العصبية فادي عثمان يرى أن مراحل الإدمان تبدأ بالتجربة مروراً بالتعاطي غير المنتظم ثم التعاطي المنتظم وصولاً إلى الإدمان، في المرحلة ما قبل الأخيرة يشعر الجسم بقوة وسعادة وشعور بطاقة زائدة لكن عندما يصل إلى مرحلة الإدمان يصبح لديه رغبة بفعل كل شي مثل القتل والاغتصاب والتعنيف.
بعد تناول الإتش بوز لمرة واحدة أو اثنتين على الأقل يبلغ متعاطون شعور الإدمان، لأنه مسبب للإدمان ثلاثة أضعاف الكوكائين كما أنه يسبب إدماناً سريعاً وقوياً على الرغم من أنه يبدو خفيفاً ويمكن التخلص منه، لكن التخلص منه غاية في الصعوبة ويحتاج إلى مراحل علاجية لابد من الالتزام بها حتى تحقيق الغاية المرجوة.
في حال قرر الفاروق الخضوع للعلاج لا بد من اتخاذ قرار جدي مع مساندة كلية من عائلته كونه غير قادر على اتخاذ الالتزام بسبب سيطرة المخدر على مراكز المخ، بينما لا بد من تجنب معاملته مثل مدمن وعدم استخدام العنف من قبل عائلته مع إظهار حبهم وإبعاده عن الأماكن المشبوهة وعدم منحه المال.
سيخضع الفاروق لفحص طبي وتشخيص دقيق حتى يبدأ لاحقاً باستخدام برنامج دوائي بهدف سحب سموم دون ألم، وتبدأ بعد 48 ساعة من امتناعه عن التعاطي وتصل إلى الذروة بعد سبعة أيام، مع علاج أعراض انقطاع المخدر التي تظهر على سلوك المريض فضلاً عن تطبيق برنامج غذائي صحي.
بعد تجاوز فترة انقطاع صعبة يأتي دور علاجه نفسياً وتغيره سلوكياً حيث يلزم إقامة كاملة لفاروق داخل المركز نتيجة هشاشة حالته نفسياً من اضطرابات خطيرة تحتاج إلى رقابة مستمرة وعلاج سبب الإدمان، وتغيير سلوكيات مرتبطة بالمخدر والرغبة الشديدة التي تدفع للتعاطي وعلاج تلك الاضطرابات النفسية.
ثم تأتي مرحلة تأهيله اجتماعياً وهنا لا بد من تجنب انتكاسته، مع إعادة دمجه في الحياة العامة، من خلال التدرب على التعامل مع ضغوط ومشاعر الاكتئاب، ثم العودة إلى العمل أو مقاعد الدراسة، وتحسين علاقاته اجتماعياً بينه وبين أفراد عائلته ومجتمعه ومحيطه، مع تحديد خلفياتهم وعلاقاتهم.
قرار العلاج الذي يتخذه مدمنو كريستال ميثافيتامين يصطدم بتحديات كبيرة كونهم معرضين للانتكاسة بسبب إمكانية وصولهم إلى الإتش بوز بسهولة مع عودة علاقاتهم القديمة، وهامش الخطورة كبير إذا لم تضبط المنطقة بإجراءات أمنية مشددة لمنع تمريره إلى شمالي سوريا حتى لا تقع نساء في فخ الانجرار كما حصل مع ندى وكي لا يبقى فاروق ومئات المدمنين غيره دون فرصة نجاة بعد تلقيهم العلاج.