تشهد مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، حالة احتقان وغضب شعبي منذ عدة أسابيع، إثر قرارات وصفها المحتجون بـ “التعسفية وغير المدروسة” أصدرتها الإدارة المدنية في مدينة منبج وريفها التابعة لـ “الإدارة الذاتية شمال وشرقي سوريا”، التي انعكست سلباً على حياة الناس، وخاصة العاملين منهم في القطاعات الصناعية والتجارية.
أغلقت محال تجارية ومنشآت صناعية أبوابها في أحياء طريق حلب وطريق الجزيرة وطريق جرابلس والسندس والحزوانة والسوق الرئيسي والسوق المسقوف إضافة إلى سوقي السلالين والهال، خلال يومي الثلاثاء والأربعاء، الخامس والسادس من كانون الأول الجاري استجابة لدعوات الإضراب الذي وصلت نسبته إلى نحو 90 % حسب ما أفادت مصادر محلية.
فرض ضرائب واحتكار
فعلَّ مكتب النقد والمدفوعات في الإدارة المدنية بمدينة منبج قانون الضرائب الذي شمل معظم القطاعات العاملة في المدينة، خاصة البضائع القادمة من مناطق السيطرة الأخرى مثل مواد البناء والمنتجات الغذائية والزراعية والذهب إضافة إلى الحوالات المالية.
يشرح صاحب متجر بيع مواد غذائية في حي الفتح غربي مدينة منبج، طلب عدم الكشف عن هويته، تضرر عمله نتيجة إضافة ضرائب على البضائع بذريعة التأمين من قبل الإدارة المدنية، ما تسبب بارتفاع أسعار البضائع التي يبيعها في متجره، وانعكاسها على حياة الأهالي في تأمين احتياجات أسرهم. يقول التاجر: إن إدارة المعابر تفرض ضرائب على مختلف البضائع التي تدخل مدينة منبج ما يزيد من أسعار المنتجات الغذائية، وهذا ينعكس بشكل مباشر على المستهلك، ويحد من الأنشطة التجارية التي تشكل مصدر رزق آلاف العائلات”.
يفرض مجلس منبج العسكري التابع لـ”قوات سوريا الديمقراطية” رسوم عبور على كل البضائع التي تدخل من معبري “الحمران” و”عون الدادات” الواصلين بين مناطق سيطرة الأخيرة ومناطق سيطرة الجيش الوطني، وأيضاً البضائع التي تدخل من معبر التايهة المؤدّي إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
إضافة إلى ذلك، خفّضت الإدارة المدنية لمدينة منبج وريفها مخصصات مادة المازوت لأصحاب الآليات والأفران والمنشآت الصناعية والتجارية، تحت بند توفير مادة المازوت المخصصة للتدفئة، ما تسبّب بحدوث أزمات أمام محطات الوقود، دون أن يحصل الأهالي على مخصصاتهم من مواد التدفئة المدعومة لفصل الشتاء والتي توفرها الإدارة كل عام.
حامد العلي صحفي من مدينة منبج، يقول: إن مكتب النقد فرض ضريبة على الصاغة قيمتها 600 دولار لدمغ كل 1 كيلوغرام من الذهب، إضافة إلى سبعة آلاف دولار مقابل منح رخصة لبائع الجملة وثلاثة آلاف لبائع المفرق تدفع بشكل سنوي، ما عدا 600 أخرى تدفع عن كل كيلوغرام معروض على واجهة المحل”.
ويضيف العلي أن مكتب النقد فرض ضريبة على ترخيص العقارات، تفوق سعر الأرض نفسها، قيمتها ثلاثة آلاف دولار لكل 100 متر، دون تقديم أي خدمات، بعكس ما كان معروفاً سابقاً حيث يشمل الترخيص توفير ودعم مادة الإسمنت.
ويحتكر تجارة الإسمنت في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية عدد من الموردين، وهذا انعكس على رفع أسعاره، إذ يبلغ ثمن الطن في مدينة منبج 140 دولاراً بينما في الريف الشمالي 60. كما طاول الاحتكار مادة حديد البناء، الذي يباع الطن منه بأزيد من 1000 دولار أميركي، بينما لا يزيد في ريف حلب الشمالي عن 700 دولار.
المنتجات الأساسية مثل السكر تحتكر هي الأخرى من شركات تابعة للإدارة الذاتية مثل شركة “نيروز” في منبج وريفها، كما تمنع الإدارة إخراج المحاصيل الزراعية إلى مناطق النظام أو إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني، في حين تفرض رسوماً عالية على المنتجات الزراعية، في حال سمحت بتصديرها ما يقلل أرباح المزارعين والتجار ويعرضهم للخسارة.
إضراب محال الصرافة والحوالات
لم تغير الإضرابات المستمرة منذ مطلع شهر تشرين الثاني الفائت والتي نفذتها مكاتب الصرافة والحوالات المالية في منبج، من قرارات مكتب النقد والمدفوعات التي ألزمت مكاتب الصرافة والحوالات بدفع مبالغ مالية تتراوح بين 20 و75 ألف دولار، وفقاً لحجم التداول في كل مكتب من مكاتب الصرافة والحوالات تحت ذريعة التأمين.
يفرض مكتب النقد والمدفوعات المركزي أيضاً على محلات الصرافة موظفاً بصفة “محاسب قانوني” بهدف احتساب الضرائب على المال المحوّل، سواء أكانت حوالات مالية للأهالي أم حوالات مالية تجارية، كثمن البضائع التي يتم تحصيل مبالغ جمركية مقابل دخولها في الأساس.
تدفع هذه المبالغ المالية لمكتب النقد والمدفوعات المركزي، على أنها مبالغ تأمين لكل مكتب، إلا أنها لا توفر أي نوع من الخدمات مثل الحماية واستبدال العملات التالفة وغيرها، وفق ما صرح به عدد من الصرافين، الذين عبّروا عن غضبهم في أعقاب إغلاق مكاتبهم العاملة في المدينة، التي يفوق عددها 100 مكتباً.
دفع التضييق أصحاب محلات الصرافة والحوالات إلى إضراب عام منذ شهر تقريباً، رفضاً لهذه القرارات التي يرونها جائرة، كما توقفت معاملات الأهالي بتحويل واستقبال حوالات من ذويهم، خاصة أن شريحة واسعة من الأهالي يعتمدون في حياتهم على هذه الحوالات الخارجية.
أمجد الحسن صاحب مكتب صرافة وحوالات مالية، أغلق مكتبه منذ نحو شهر بسبب ارتفاع الضريبة التي فرضتها الإدارة، يقول “المبلغ المفروض على مكاتب الصرافة يتجاوز قدرتنا المالية، إذ إن 75 ألف دولار أمريكي هي خمسة أضعاف رأس المال الذي أعمل به وهو لا يتجاوز 15 ألف دولار أميركي”، لافتاً إلى أن “وجود المحاسب القانوني في محلات الصرافة يثقل كاهل الصرافين لأنه يحتاج نفقات إضافية”، وأكد أنه لن يعود إلى العمل حتى إيجاد حل حقيقي لما وصفه بـ”الاستغلال”، وطالب الإدارة المدنية في منبج بتخفيف الضغط على التجار، لأن الوضع الاقتصادي والتجاري في المنطقة سيئ للغاية، وفي حال استمرار هذه القرارات التعسفية لن يبق الشارع صامتاً”.
وبحسب مصدر من المدينة، فإن الإدارة الذاتية أشغلت أهالي المدينة بتأمين احتياجات معيشتهم من خبز ووقود وماء وكهرباء، عقب الاحتجاجات والإضرابات خلال الأعوام السابقة، من خلال تخفيض المخصصات وفرض ضرائب على المحال التجارية والصناعية، في محاولة لإبعادهم عن الاحتجاج”. واعتبر، أن الإدارة تحاول الاستحواذ على الأنشطة التجارية، من خلال التضييق على أصحاب الصيدليات ومستودعات الأدوية ومحلات الصرافة والذهب ومواد البناء وغيرها.
يطالب الأهالي الإدارة المدنية في منبج بتغيير سياساتها، من خلال إلغاء الضرائب وتوفير الكهرباء والمياه، وتوفير المحروقات المخصصة للتدفئة، وتحسين الواقع المعيشي للأهالي وإلغاء التجنيد الإجباري الذي تفرضه بحق الشباب في المدينة، ومع كل تجاهل منها يبقى سلاحهم الوحيد الاحتجاج والإضراب اللذين قد لا ينتج عنهما أي تغيير حقيقي في الوقت القريب.