يعيد تضاعف ثمن الفرّوج ( الدجاج المذبوح) بأنواعه في مختلف المحافظات السورية إلى الأذهان ما عرض قبل خمسة عشر عاماً في إحدى لوحات المسلسل السوري “بقعة ضوء”، عن عائلة لم تتذوق لحم الدجاج لسنوات قبل أن يحصل رب الأسرة على “فرّوج” كهدية من صاحب العمل، وما قامت به ربة المنزل من استغلال لأجزائه كافة في أطباق يومية استمرت لأسبوع كامل.
طهي جزء من الفرّوج في كل يوم وتقسيم هذا الجزء على الأسرة، استغلال الجلد والقوانص، تجفيف العظام وطحنها وتحويلها إلى “بودرة” تستخدم لإضافة نكهة إلى الطبق اليومي، هو ما وجدت فيه ربة المنزل في المسلسل حلّاً لضمان استغلال “الفروج” الهدية بأفضل طريقة ممكنة، وهو أيضاً حال سكان معظم ربّات المنازل بعد تضاعف أسعار الفرّوج في مناطق النظام ليصل سعر الكيلو غرام الواحد منه بعظمه إلى ربع راتب موظف حكومي.
وكانت أسعار الفرّوج قد ارتفعت في الشهرين الماضيين إلى أكثر من 300% عما كانت عليه في العام الماضي، إذ وصل سعر كيلو الفرّوج المذبوح إلى 49 ألف ليرة سورية، الوردة 50 ألف ليرة، الدبوس 48 ألف، الفخذ بعظمه 45 ألف، الصدر 77 ألف، السودة 55 ألف، الجوانح 35 ألف.
أسعار الفرّوج في محافظات حلب واللاذقية وحمص تقترب من أسعارها في دمشق وتنقص عنها بنسبة قليلة، إذ وصل سعر كيلو الفرّوج المذبوح إلى 45 ألف ليرة سورية، الوردة 48 ألف ليرة، الدبوس 46 ألف، الفخذ بعظمه 38 ألف، الصدر 72 ألف، السودة 50 ألف، الجوانح 32 ألف.
يقدر من تحدثنا معهم من بائعي فرّوج في المحافظات السورية تضاعف أسعاره في العام الحالي بين ثلاثة إلى أربعة أضعاف، إذ وصل سعر الفرّوج المذبوح نهاية العام الماضي 2022 إلى 15 ألف ليرة، الوردة 18 ألف ليرة، الدبوس 16 ألف، الفخذ بعظمه 14 ألف، الصدر 24 ألف، السودة 20 ألف، الجوانح 11 ألف.
وأكد بائعو فرّوج أن هذه الزيادة تتكرر في كل عام عن سابقه، إذ زادت الأسعار في العام 2022 عن العام الذي سبقه بأربعة أضعاف على الأقل، ليلحق بركب الغلاء في أسعار كل شيء، خاصة اللحوم الحمراء التي يندر وجودها على موائد عائلات سورية كثيرة منذ سنوات.
يقول من تحدث معهم من بائعي فرّوج ومواطنين وأصحاب مطاعم للوجبات السريعة أن ارتفاع أسعار الفرّوج الذي وصفوه بـ “الكبير” انعكس على أسعار الوجبات الجاهزة، إذ وصل سعر كيلو “الشاورما” إلى 150 ألف ليرة سورية، فرّوج البروستد إلى 125 ألف ليرة، الفرّوج المشوي إلى 100 ألف، وسندويشة الشاورما الواحدة إلى 25 ألف ليرة.
وجبة واحدة لعائلة مكونة من خمسة أشخاص تحتاج إلى راتب شهر كامل لموظف حكومي، وأجرة أسبوع لعامل مياومة، ما يفرض التخلي عن وجوده في قائمة الأطعمة التي اختصرت خلال السنوات السابقة لتبقي على أطباق محددة لا تدخل اللحوم والبيضاء في مكوناتها، بعد أن كانت الأخيرة حلّاً خلال السنوات الماضية لتعويض غياب القدرة الشرائية وحيلة لربات المنازل لصناعة وجبات من الفرّوج عوضاً عن اللحوم الحمراء في “الكبة والشاكرية والكبسة والسمبوسك والقائمة تطول..”.
تقول السيدة آمنة المحمود، تقيم في منطقة الباردة بريف دمشق وأم لخمسة أطفال “وهي طار الفرّوج من القائمة، يوم عن يوم عبتزيد حيرتنا وعجزنا، بوقف بالسوق ما بعرف شو بدي اشتري، بجيب شوية حشائش وبرغل وبرجع عالبيت”.
يتقاضى زوج السيدة آمنة ما يشتري أربع كيلوغرامات من الفرّوج كراتب شهري من عمله كمدرس، ومثلها من عمله في أحد المتاجر بعد انتهاء دوامه في المدرسة، ليصبح “الفروج” على سبيل التندر العملة التي يقاس فيها دخل العائلة وحديث نوال مع جاراتها وعائلتها.
“راتب زوجي عشر فرّوجات وفخدين بعضمون ونص كيلو قوانص، نيالك أنا راتب زوجي ما بيشتري غير كيلين جلد وشوية عضام”، هكذا دخل الفرّوج في بورصة الكلام اليومي بعد أن بات بعيد المنال شأنه شأن سلع أخرى كثيرة تنقرض يومياً.
يرجع أبو غياث، صاحب مدجنة في الغوطة الشرقية، سبب ارتفاع أسعار الفرّوج، بشكل رئيسي إلى انتشار مرض “نيوكاسل” أو ما يُعرف بطاعون الدجاج في سوريا.
يقول “المرض انتشر بشكل أكبر في محافظتي ريف دمشق ودرعا، وأدى لنفوق أعداد كبيرة من الصيصان وانخفاض إنتاج الدجاج، وما هو ما يفسر ارتفاع أسعاره في العاصمة مقارنةً بباقي المحافظات”.
“حكمت حداد” عضو لجنة مربي الدواجن في حكومة النظام، أكد لصحيفة “الوطن” الموالية، أن مرض “نيوكاسل” يظهر كل 10-15 عام، وانتشر حالياً في العراق والأردن ولبنان، ووصل إلى سوريا.
وأضاف حداد أن نسبة النفوق عالية، ووصلت في بعض المداجن إلى حدود 90% نتيجة نقص مناعة الطيور فيها، وعدم قدرة المربين على إعطاء اللقاحات اللازمة لمواجهة المرض، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الفرّوج مؤخراً.
بدوره كشف مسؤول في وزارة التجارة الداخلية التابعة للنظام، عن إصابة بين 30-60% من الدجاج بالطاعون في سوريا خلال الشهر الجاري.
الطاعون أسفر عن نفوق أكثر من نصف الدجاج السوري المربى في المداجن، لكن أسباباً أخرى ساهمت في توقف مربي الدجاج عن العمل بعد الخسارات الكبيرة التي منيوا بها وعزوف بائعيه عن الاستمرار وتحولهم إلى بيع منتجات أخرى، بحسب أبو غياث الذي أجمل هذه الأسباب بارتفاع أسعار الأعلاف والمحروقات والأدوية، ما يجعل تكلفة تأمين التدفئة والعلاج للدواجن في فصل الشتاء باهظة جداً.
يقول سامي أبو دان، المدير العام لمؤسسة الدواجن التابعة للنظام، إن 80% من مربي الدجاج في سوريا تركوا المهنة، محذّراً من كارثة قد تطال قطاع الدواجن ما لم يتم إيجاد حلول لارتفاع أسعار الأعلاف والوقود والأدوية. كذلك عزف بعض بائعي الفرّوج عن العمل، بعد تعرضهم لخسائر كبيرة مع الانقطاع الدائم للكهرباء، ما يؤدي لتلف الكميات المخزنة لديهم نتيجة ضعف الشراء من الزبائن.
يقول أبو العبد صاحب محل فرّوج في حي الصليبة بمدينة اللاذقية قرر العزوف عن بيع الفرّوج وبيع المواد الغذائية عوضاً عنه “تصل الكهرباء إلى الحي ساعة واحدة خلال النهار، وتنقطع خلال هذه الساعة عدة مرات، ما يؤدي إلى تلف الفرّوج، وليس لدى المربين القدرة على تشغيل المولدة بسبب غلاء المحروقات”، إذ يبلغ سعر ليتر المازوت أو البنزين في السوق السوداء نحو 16 ألف ليرة، ويكفي لتشغيل المولدة ساعة واحدة..
ويضيف أبو العبد: “تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، تضطرنا لبيع الفرّوج بخسارةخوفاً من كساده ومع ذلك لم نعد نجد من يشتري رغم تراجع الكميات التي تستجرها المحلات إلى النصف أو أقل”.
كل جزء في “الفرّوج” أصبح ثميناً، تقول أم يزن، ربة منزل من مدينة حلب، فما كانت ترميه ربات المنازل في السابق من جلد الفرّوج والقوانص والظهر والعظام بتن يحرصن عليه ويشترينه من المحلات.
وتضيف “لم يعد لدي قدرة على شراء فرّوج كامل أو قطع الصدر أو الفخذ، لذلك قررت شراء قوانص الدجاج (الكيلو بـ 20 ألف ليرة) وجلد الفرّوج (الكيلو بـ 2000 ليرة)، أقوم بطحنها معاً لأحصل على لحم مفروم رخيص الثمن يمكن استخدامه في الطهي عوضاً عن لحم الغنم أو الدجاج”.
عائلات أخرى لم يعد بمقدورها شراء حتى قوانص الدجاج، لذلك تشتري جلد أو عظام الفرّوج فقط وتقوم بسلقهما وتستخدم مرقتهما في إعداد وجبات الأرز والبرغل، لمنحها نكهة الفروج العصي على الشراء.
يقول أبو رضا صاحب محل لبيع الفرّوج في حمص: “معظم الإقبال اليوم يقتصر على شراء الرقبة والجوانح والقوانص والجلد وظهر الفرّوج، كون أسعارها أقل من الصدر أو الفخذ أو الفرّوج الكامل، لذلك أصبحنا نعرضها في واجهة البراد بسبب الطلب الزائد عليها”.
أبو صفوان، خمسيني من مدينة دمشق وأب لأربعة أطفال، نوّه إلى مشكلات أخرى تسبب بها ارتفاع سعر الفرّوج منها لجوء البائعين إلى الغش “يحقنون الفروج بإبر الماء لزيادة وزنه، وبعد طبخه تجد أن أكثر من نصف الفرّوج لم يعد موجوداً”، كذلك بيع “الفرّوج التالف” بأسعار أقل وإقبال الناس على شرائه لرخص ثمنه.
انتشار أمراض الثروة الحيوانية وغياب الحلول المرافق لها وعجز النظام عن دعم هذا القطاع وتأمين الوقود والكهرباء تدفع فاتورته العائلات السورية التي لجأت إلى مكعبات الماجي علّها تحافظ على النكهة التي يتخوفون من غيابها هي الأخرى.