فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

مجرى الصرف الصحي في قرية بابتكة بريف إدلب ما بعد القسم المغطى

مشروع تغطية مجرى الصرف الصحي جنوب سرمدا يرسم نهاية لقصة المجرى القديم

 محمود يوسف السويد

مشروع منفذ ووعود بمشاريع آجلة ومحطة لتنقية مياه الصرف الصحي على مجرى نهر الصرف الصحي الممتد لعشرات الكيلو مترات في ريفي إدلب الشمالي وحلب الغربي، وما تسبب به من أضرار على صحة السكان والتربة الزراعية

تنفّس قسم من سكان الشمال السوري الصعداء بعد تغطية قسم من نهر الصرف الصحي الذي يمرّ مجاوراً لمنازلهم وخيامهم، يقطع الشوارع الرئيسة والأراضي الزراعية من سرمدا وحتى معرتمصرين في ريف إدلب الشمالي، ومن الأتارب حتى التقائه بكفرنوران ومصبه في منطقة السيحة بريفي حلب الغربي والجنوبي.

المشروع الذي انتهى قسمه الأول في منتصف أيلول الماضي شمل تغطية قسم من المجرى بطول 2,2 كيلو متر في المنطقة الممتدة من قصور سرمدا في إدلب وحتى جنوبي بلدة باتبو بريف حلب الغربي.

يقول محمد علي العزيز، رئيس بلدية المنطقة الشمالية، “استمر تنفيذ المشروع نحو ثلاثة أشهر ونصف الشهر من قبل إحدى المنظمات العاملة في المجال الخدمي والإنساني، وبإشراف ومتابعة من إدارة المنطقة الشمالية، التابعة لحكومة الإنقاذ”.

ويشرح العلي أن المنظمة استخدمت لتغطية النهر أنابيب بلاستيكية بقطر 120 سم من مادة “بولي إيتيلين” المقاومة للتلف و الصدأ والعوامل الجوية، مع توفير فتحات للصيانة يفصل بين الواحدة والأخرى مسافة مئة متر لتسهيل تنظيف الأنابيب من الأوساخ المتراكمة أو فتحها في حال انسدادها، كما تمت تغطية الأنابيب بـطبقة من “البحص” لحمايتها، يعلوها طبقة من التراب لتجانس البيئة الترابية المحيطة بها.

بلغت تكلفة المشروع التقديرية وفق دفتر الشروط المقدم من المنظمة المنفذة نحو نصف مليون دولار أمريكي، بحسب العلي الذي قال إن دور البلدية اقتصر على المتابعة والإشراف واختيار  مكان التنفيذ.

الحزء الاخير  من مجرى الصرف الصحي في القسم المغطى مع فتحات الصيانة شرق مدينة باتبو
الحزء الاخير من مجرى الصرف الصحي في القسم المغطى مع فتحات الصيانة شرق مدينة باتبو

وأرجع العلي سبب اختيار مكان تنفيذ المشروع جنوبي باتبو إلى وجود تجمعات سكانية كبيرة في هذه البقعة مثل ضاحية الشهباء وقصور سرمدا، إضافة لعدد كبير من المخيمات التي أنشئت على طرفي المجرى، مثل مخيمات الكمونة والإخاء، والتأثير الكبير الذي تركه نهر الصرف الصحي سواء على صحة السكان أو على الأراضي الزراعية المحيطة به.

يقول عبد الله الأحمد من سكان مدينة سرمدا إن تغطية هذا القسم من مجرى النهر ساهمت في حل مشكلة مروره باوتستراد (باب الهوى -إدلب)، إذ كان مضطراً مثل غيره للمرور فوق مجرى النهر لمسافة تزيد عن مئتي متر خلال ذهابه وعودته إلى عمله في مدينة إدلب. ويضيف عبد الله أن رائحة النهر الكريهة و الواخزة كانت تنغص رحلته اليومية، “كنت أشعر بها عالقة في ثيابي وأنفي” يقول، وهو ما لم يعد يشعر به اليوم بعد تغطية المجرى.

خالد رحال، موظف يسكن في ضاحية الشهباء التي كانت تطل على مجرى النهر المكشوف، قال إنه ولسنوات مضت كان ومعظم سكان الضاحية مضطرون لإغلاق جميع النوافذ، خاصة في الصيف، بسبب الرائحة التي وصفها بـ “المقززة”، وبعد تغطية المجرى بات خالد قادراً على استخدام شرفة منزله التي هجرها منذ سكنه فيه.

ويقول الحاج حسين، مربي أغنام في قرية باتبو، إن تغطية مجرى النهر خفّفت من خوفه على أغنامه التي فقد إحداها لسقوطها في المجرى، خاصة وأن طرفيه كانا منبتاً للأعشاب التي تجذب الأغنام.

تبدي أم علي فرحها بتغطية المجرى، تقول إنه كان يشكل مشكلة لقاطني مخيم الإخاء الذي تسكنه، خاصة وأن مجراه كان مكاناً للعب ولهو الأطفال من أبناء المخيم والمخيمات الأخرى. وتضيف “منعت أطفالي من اللعب بجوار المجرى، لكن قلبي كان يسقط في كل مرة أشاهدهم يلهون بالقرب منه خوفاً من سقوطهم فيه أو إصابتهم بالأمراض”.

جزء من القسم المكشوف من مجرى الصرف الصحي في مدينة سرمدا بالقرب من ضاحية الشهباء
جزء من القسم المكشوف من مجرى الصرف الصحي في مدينة سرمدا بالقرب من ضاحية الشهباء

بعيداً عن الرائحة والخوف من السقوط في مجرى النهر، تترك مياه الصرف الصحي المكشوفة آثاراً سلبية على الصحة والبيئة في آن معاً، إذ يشكو معظم الساكنين بجوارها من انتشار أمراض مثل اللشمانيا التي تجد ذبابة الرمل التي تنقلها في سبخات الصرف الصحي مكاناً ملائماً لتكاثرها، إضافة لانتشار الذباب والبعوض، والأمراض المعوية مثل وباء الكوليرا الذي تفاقم في شمال غربي سوريا خلال السنتين الماضيتين، كذلك تخريب التربة الزراعية إثر فيضان مجرى النهر شتاء ووصوله إلى الأراضي المجاورة أو ري بعض المزارعين لمحاصيلهم من مياهه ما يسبب تخريباً للتربة وأضراراً على صحة السكان الذين يتناولون هذه المنتجات.

يقول علي الحسين، يسكن في مخيم الإخاء في بلدة باتبو بريف حلب الغربي، بالقرب من مجرى النهر إن تغطية النهر خطوة إيجابية وإن كانت متأخرة، إذ أصيب الحسين وزوجته وأفراد عائلته الخمسة بمرض اللشمانيا منذ ما يزيد عن سنة، وهم حتى الآن يتلقون العلاج. ويضيف الحسين أن طبيب المركز الصحي في البلدة أخبره أن مياه الصرف الصحي المكشوفة بيئة مناسبة لتكاثر ذبابة الرمل الناقلة للمرض، وهو ما يفسر إصابة كثر من سكان المخيم باللشمانيا.

لم يصب عبد القادر جنيد من مدينة سرمدا باللشمانيا، لكن تأثير الصرف الصحي أفقده مساحة واسعة من أرضه التي تحاذي مجرى النهر، يقول جنيد “حرمت من زراعة قسم كبير من أرضي، في كل عام تفيض المياه الملوثة بعد ارتفاع منسوبها شتاءً لتغطي أجزاء منها تزيد عن عشرة أمتار عرضاً ما يجعلها غير صالحة للزراعة”.

ويضيف ” أحرث الأرض و أزودها بالسماد بشكل دوري ومكثف، على أمل المحافظة على حيوية التربة وخصوبتها بعد أن دمرها الكبريت والأحماض الآتية من مياه الصرف الصحي، ناهيك عن الجراثيم والأمراض التي يمكن أن تسببها زراعة محصول موسمي داخلها، خاصة الخضراوات”.

تؤكد دراسة علمية، أجراها الدكتور خليفة عبد الكريم مصباح ونشرتها مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية، ما يقوله الجنيد حول الآثار السلبية لمياه الصرف الصحي على التربة، إذ تؤثر، بحسب الدراسة، مياه الصرف الصحي على الخصائص الفيزيائية والكيميائية للتربة مثل التوصيل الهيدروليكي ، ومعدل الترشيح واحتباس الماء والكربون العضوي. كما و تحتوي مياه الصرف على كمية عالية من المواد السامة المعادن الثقيلة (الكادميوم والكروم والرصاص والنيكل) والتي لها تأثير سلبي على التربة وكذلك النبات.

القسم المكشوف المتبقي من مجرى الصرف الصحي في مدينة سرمدا
القسم المكشوف المتبقي من مجرى الصرف الصحي في مدينة سرمدا

ما يزال الضرر قائماً رغم تغطية قسم من المجرى، إذ يمتد النهر لعشرات الكيلو مترات في المنطقة ويسكن بالقرب منه مئات آلاف السكان، خاصة في المخيمات التي أنشئت على طرفيه.

يقول المهندس حمزة حمد، رئيس مكتب الأشغال والخدمات في بلدية سرمدا إن “ما نفذ من مشروع تغطية المجرى حتى اليوم لا يشكل حلّاً نهائياً للمشاكل الناجمة عن النهر بطوله الكلي، وإن هناك وعود باستكمال تغطية الأقسام المكشوفة تلقتها بلدية المدينة عبر مشاريع قادمة”. ويضيف : “أعددنا دراسات هندسية مسبقة لتغطية القسم المكشوف من مجرى الصرف الواقع ضمن نطاق المدينة الإداري، وراسلنا منظمات خدمية عدة وتلقينا وعوداً بمشاريع قادمة في حال توفر الدعم المادي اللازم لتنفيذها”.

يعطي محمد علي تغطية بداية مجرى الصرف الصحي في مدينة سرمدا  الأولوية، يقول إن “بقاءه مكشوفاً أدى إلى تراكم المخلفات التي يحملها على الشبك المعدني الموضوع في بداية فتحة أنابيب الصرف الصحي المنفذة، والموضوعة لمنع دخول تلك المخلفات مثل أكياس النايلون والكرتون والأغصان لداخل تلك الأنابيب، ما شكل مستنقعاً على مدخل الأنابيب، قامت ورش الصيانة في البلدية بتعزيل المخلفات وتصريف المياه عبر الأنابيب الجديدة، لكن ذلك سيتكرر في كل مرة إن لم يغطى القسم الأولي من المجرى”.

وكشف محمد علي لفوكس حلب أن هناك وعد من قبل إحدى المنظمات بإقامة محطة تنقية لمياه الصرف الصحي على بداية مجرى التصريف جنوبي مدينة سرمدا، وأن هذا المشروع، إن تم، سيسهم في تخفيف الآثار الناجمة عن مياه الصرف الصحي، ويفسح المجال لاحقاً للاستفادة منها في ري الأراضي الزراعية بعد تنقيتها.