قطع شارع أو السير لمئة متر قد يوفّر على مريض في مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي عشرات الليرات التركية، بعد رصد الفروق الواضحة في أسعار الأدوية بين صيدلية وأخرى، دون وجود إجراءات قانونية من مديرية الصحة أو المكاتب المعنية في المجالس المحلية تنظم عمل الصيدليات ولائحة الأسعار.
يسعّر مرضى أدويتهم في صيدليات مختلفة قبل شرائها، ويشتري القسم الأكبر الأدوية دون المرور على صيدليات أخرى ما يجعلهم عرضة للاستغلال، يقول من تحدثنا معهم “المعروف أن سعر الأدوية ثابت ولا يوجد خلاف بين صيدلية وأخرى، هذا ما ألفناه سابقاً قبل أن نشاهد الفرق بأنفسنا”.
يروي عبد السلام أبو علي، خمسيني يعمل في مهنة البناء في مدينة صوران بريف حلب الشمالي، أنه اكتشف فارق الأسعار بين الصيدليات بعد تعرض طفلته لوعكة صحية وإصابتها بالتهاب في الصدر.
يقول عبد السلام “اشتريت حقنتان مضادتان للالتهاب من نوع روسيفلكس، صناعة معمل ألفا، بسعر 80 ليرة تركية للحقنة الواحدة، وبعد يوم واحد اشتريت من صيدلية أخرى حقنة أخرى بسعر 60 ليرة تركية، الأمر الذي أصابني بالدهشة للفارق الكبير الذي وصل لنسبة 25% بين صيدليتين لا تبعدان عن بعضهما البعض أكثر من 100 متر فقط”.
عدّة أشخاص تحدثنا إليهم رووا لنا حالات مشابهة لما حدث مع أبي علي، يقولون إن “اختلاف سعر الأدوية بين الصيدليات يشمل كل الأنواع، المتداولة والنادرة، المتوفرة والمقطوعة، وأن على المريض البحث في عدة صيدليات قبل شراء وصفة الدواء”.
يصعب الأمر في حال عدم وجود وصفة، إذ يعتمد معظم السكان على ما يصفه الصيدلاني من دواء دون مراجعة الطبيب، وهو الأكثر انتشاراً في الشمال السوري لقلة عدد النقاط الطبية وارتفاع أجور الأطباء. يقول من تحدثنا معهم “في هذه الحالة لا يمكن تسعير الأدوية في صيدليات أخرى، يتجه المريض إلى الصيدلاني الذي يثق به ويشتري الدواء”.
تعدّد الشكاوى حول اختلاف أسعار الأدوية دفعنا لزيارة عدد من الصيدليات في مدينتي صوران ومارع بريف حلب الشمالي والاستفسار عن سعر دواء (سيفيكس) من شركة محددة، ووجدنا أن الفارق السعري تراوح بين 20 و 42%، إذ تراوح سعر الدواء بين (2,5 -2 -1,45 دولاراً).
الأمر تكرّر في أصناف أخرى بحثنا عنها، لكن هذه المرة في مستودعات الأدوية بريف حلب الشمالي، إذ بلغ سعر دواء (زدناد شراب عيار250) في ثلاثة مستودعات 2,94 دولاراً، بينما تراوح السعر في المستودعات الأربعة الأخرى بين 2,5 -2,70 – 2,95، و 4,05 دولارات.
يرجع من تحدثنا معهم من صيادلة وعاملين في الصيدليات وأصحاب مستودعات اختلاف أسعار الأدوية إلى اختلاف مصادرها وتفاوت أسعارها بين مستودعات مناطق النظام وكيفية الحصول عليها، إضافة لندرة أصناف معينة وصعوبة الحصول عليها من معاملها دون دفع مبالغ إضافية، كذلك أجور النقل و الإتاوات المختلفة على الحواجز، وتغير أسعار صرف الليرتان السورية والتركية.
يقول الصيدلاني محمد الحسان في مدينة صوران، إن هذه الأسباب جميعها تفسّر اختلاف أسعار الأدوية بين مستودع وآخر وصيدلية وأخرى. ويضيف “نحافظ في الصيدليات على نسبة ربح تصل إلى 25 % من إجمالي سعر الدواء، تقلّ هذه النسبة في الأدوية مرتفعة الثمن”.
ولا ينكر الصيدلاني محمد “وجود تجاوزات من قبل صيادلة يبيعون الأدوية بأسعار مرتفعة تحت ذريعة اختلاف مصدر الدواء، وهذا ما دفع المكاتب الصحية المسؤولة إلى التحرك لوضع حدّ لهذه التجاوزات”.
عبد الرحمن حيدري، يعمل في صيدلية حلب وسط مدينة مارع، أضاف أسباباً أخرى منها “عدم التزام صيادلة بانخفاض أو ارتفاع أسعار الأدوية، وبقائهم على بيع الأدوية وفق التسعيرة القديمة، ما يزيد من تفاوت الأسعار، إضافة للعروض التي يحصل عليها الصيدلاني من المستودعات وتخفيض بعضهم للأسعار لاستقطاب الزبائن، كذلك لجوء قسم من الصيادلة للبيع الآجل واستغلال المرضى لتسعير أدويتهم دون قدرتهم على البحث في صيدليات أخرى”.
يحمّل سكان تحدثنا معهم مسؤولية اختلاف أسعار الأدوية إلى مديريات الصحة والمكاتب الصحية في المجالس المحلية وعدم اتخاذها إجراءات تحدّ من ذلك. ولا يخضع عمل الصيدليات في معظم مدن وبلدات ريف حلب الشمالي إلى رقابة حقيقية، بحسب من تحدثنا معهم.
يقول حسام نجار، مدير المكتب الصحي في المجلس المحلي بمدينة مارع “في الوقت الحالي لا يندرج عمل صيدليات المدينة ضمن أي قوانين وضوابط من قبلهم، وإن الأمر متروك لضمير الصيدلاني!”.
وأضاف “أن المكتب الصحي يسعى إلى إيجاد آلية تراعي الظروف الحالية وتحافظ على حقوق الصيادلة والأهالي من خلال وضع قائمة أسعار للأدوية والحد من التلاعب بأسعارها وافتتاح مكاتب للشكاوى، إضافة إلى مراعاة تراخيص افتتاح الصيدليات من حيث المعدات اللوجستية وطبيعة المكان ومصادر الأدوية”.
ورغم افتتاح مكتب للشكاوى وتنظيم دوريات على الصيادلة المخالفين في صوران بريف حلب الشمالي من قبل مكتبها الصحي وشرطة المدينة، إلا أن المخالفات ما تزال موجودة.
يقول أحد العاملين في قسم الضابطة في شرطة مدينة صوران، رفض الكشف عن هويته: “إن اللجنة المشكلة للكشف عن عمليات التلاعب بالأسعار قدمت عدداً من الصيادلة للقضاء، دفعوا غرامات مالية وعادوا إلى مزاولة المهنة ولم يلتزموا بالشروط والمعايير تحت ذريعة اختلاف مصادر الأدوية وعدم استقرار أسعارها”.
لا يمكن الاستغناء عن الدواء ومع استغلال الحاجة إليه وسط غياب الرقابة يدفع السكان مبالغ مالية إضافية ترهق كاهلهم ويحوّل الصيدليات إلى ما يشبه محلّات البقالة.