دعا، علي غصن، الموظف في منظمة آفاد التركية ضمن إدارة مخيم المحمدية بريف جنديرس غربي عفرين، قبل ثلاثة أيام، سكان مخيم المحمدية المهجّرين من القرى والبلدات المتاخمة للطريق الدولي M4 والراغبين بالعودة إلى قراهم التي سيطرت عليها قوات النظام قبل ثلاث سنوات، تحت الحماية الروسية بتسجيل أسمائهم لدى المخاتير لتأمين عودتهم وما تتضمنه من تكاليف النقل إضافة لمبالغ مالية تقدّم لهم.
الدعوة التي نشرت على غرفة مخاتير المحمدية في 15 تشرين الثاني الحالي، تضمنت قائمة تضم 497 اسماً قيل إنها لأسماء الأشخاص الذي هجّروا من المنطقة.
سبق الدعوة الأخيرة، وفي التاسع من الشهر الحالي، إرسال علي غصن، وهو المسؤول عن إيصال التعليمات من الإدارة التركية في آفاد إلى إدارة المخيم، “صوتيات” عبر مجموعة المخاتير ذاتها، تطلب من المخاتير تسجيل قوائم بأسماء العائلات المهجرة من القرى المحيطة بالطريق الدولي M4، وتسكن في مخيم المحمدية الذي أنشئ في منتصف عام 2018 لإيواء مهجري جنوب دمشق والقلمون وتوسع في العام الذي يليه ليشمل مهجرين من ريفي إدلب وحماه على خلفية المعارك التي جرت بين عامي 2019 و 2020 وخسارتهم لقراهم. ليتكرر الطلب مرة ثانية في 11 من الشهر ذاته.
يقول أحد المخاتير الذين تحدثنا معهم أن الأسماء التي وجدت في القائمة حصلوا عليها بعد نشرهم الطلب عبر مجموعات الأهالي، دون معرفة السبب في ذلك الوقت، وقدوم من تنطبق عليهم الطلبات إلى المخاتير وتسجيل أسمائهم.
الدعوة “الصادمة” كما وصفها من تحدثنا معهم من أهال وجدت أسماؤهم ضمن القائمة، تسببت بردة فعل غاضبة رافقها تساؤلات كثيرة دفعت علي غصن، بعد يومين من نشرها إلى التبرير بأن المقصود كان عودة الأهالي إلى مناطق خاضعة لسيطرة الجيش التركي وأن ورود اسم روسيا كان بـ “الخطأ”!
يقول حسين مقداد” اسم مستعار” مهجر من ريف حماة: “كيف يمكن القبول بالعودة إلى حضن نظام قام بقتلنا و تهجيرنا؟ وكيف يطلب منا الضامن التركي العودة أساساً؟”.
واعتبر المقداد أن تلك الدعوة لم تأت من فراغ وأن التبرير الذي قدم على أنها أرسلت بالخطأ غير مقبول، خاصة مع انتشار دعوات سابقة من شخصيات رسمية في تركيا للصلح بين المعارضة والنظام السوري، وهو ما رفضه الأهالي وتظاهروا في عموم مناطق شمال غربي سورياً رداً عليها وتعبيراً عن موقفهم.
ضمن القائمة أسماء قالوا إنهم لم يراجعوا المخاتير ولم يسجلوا أسمائهم لعدم توفر الشروط، إذ ينحدرون من جنوبي دمشق، و تفاجؤوا بوجود أسمائهم ضمن القائمة!
يقول الصحفي فادي شباط إنه تعرض للصدمة عند إبلاغه من قبل أصدقائه أن اسمه موجود ضمن قوائم الأسماء التي عممتها إدارة المخيم للأشخاص الراغبين بالعودة لمناطق يسيطر عليها النظام، كذلك سامر عوض المهجّر من جنوبي دمشق والذي أكد أن أسماء أخرى في القائمة لا تنطبق عليها الشروط ولم يتجه أصحابها إلى المخاتير لتسجيل أسمائهم و فوجئوا بوجودها ضمن القائمة.
يقول الشباط المهجر من جنوبي دمشق “سألت بعض الموظفين السوريين في منظمة آفاد عن مصدر الأسماء فقالوا إنهم حصلوا عليها من مخاتير القطاعات، توجهت إلى مختار القطاع الذي أقطن فيه ونفى أن يكون قد رفع أي اسم!”.
وأكد الشباط وأحد مخاتير المخيم أن الأسماء المنشورة لا تضم كل قاطني المخيم وإنما شملت أسماء أشخاص تم تسجيل اسمائهم قبل 15 يوماً ظناً منهم أن التسجيل يرتبط بتوزيع حصص إغاثية عليهم بعد انقطاعها منذ أربعة أشهر.
يربط خليل الحسين، مهجر من ريف إدلب الجنوبي منذ عام 2019 ، بين إيقاف المساعدات عن قاطني المخيم والدعوة للعودة، واعتبر قطع المساعدات وسيلة لإجبار السكان في مرحلة ما للقبول بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام، خاصة وأن الدعوة تضمنت ما أسماها “مغريات”، تتكفل بالنقل وتقديم مبالغ مالية ودعوى الحماية من ما يسمى الضامن الروسي الذي قال إنه الشريك الرئيس للنظام السوري في تهجير السكان.
وكانت إدارة الشرطة العسكرية في جنديرس قد استدعت، على خلفية الدعوة، فريق آفاد العامل بالمخيم، بحسب الرائد إبراهيم الجاسم قائد الشرطة العسكرية في جنديرس، الذي قال لفوكس حلب “توصلنا إلى أن التعميم نشر بشكل خاطئ جراء خطأ في الترجمة”.
أعقب استدعاء الفريق من إدارة الشرطة العسكرية مباشرة ارسال موظف آفاد رسائل على مجموعة المخاتير ذاتها وضح فيها أن “التعميم السابق كان خاطئاً بما فيه ملف الأسماء المرفق”.
يرفض من تحدثنا معهم من قاطني المخيم التبرير الذي قدم على أنه خطأ في الترجمة رغم تأكيده عبر عدة رسائل على مجموعة المخاتير، ويتساءلون كيف يمكن لمنظمة آفاد التي من المفترض أنها منظمة إنسانية أن تقحم نفسها في ملف سياسي شائك مع وجود جهات محلية يجب أن تدير تلك الملفات مثل الائتلاف والحكومة المؤقتة.
ويرى الناشط السياسي عبد الكريم العمر إن كل تصريح أو قرار يتسبب بردة فعل غاضبة أو يقابل برفض من الأهالي يعزى إلى خطأ في الترجمة، واعتبر أن الدعوة يمكن أن تكون “جس نبض” من قبل تركيا لإمكانية عودة الأهالي إلى مناطق النظام.
“العودة الطوعية” كما يسوق مصطلحها الجانب التركي لا تراعي حقوق المهجّرين الذين فقدوا كثيراً من ذويهم على يد قوات النظام وروسيا خلال السنوات الماضية، أو حقهم في ممتلكاتهم وتحمّلهم العيش في ظروف خانقة بالغة القسوة، يقول من تحدثنا معهم من أشخاص أكدوا عدم قبولهم بأي حل يعيدهم إلى حكم قوات النظام ولو بضمانة روسية أسوة بما حدث من مصالحات في غوطة دمشق ودرعا.
النشر بالخطأ أو الخطأ في الترجمة لم تعد مبررات يقبلها السكان الذين يخشون أن تكون هذه الدعوات طريقاً إلى فرض المصالحات مع قوات النظام، خاصة حين يصبح ملفهم ومصيرهم مرتبطاً برسالة عبر واتس آب يصدرها موظف من آفاد التركية.