الصبر هو كل ما يحتاجه الراغبون بزراعة الزعفران لتحقيق جدوى اقتصادية من مواسمهم بتكاليف قليلة ومردود عال. يشبه المزارعون الزعفران بـ “الذهب الأحمر” إن توفّرت الشروط والرعاية المناسبة لإنتاجه. وزراعة الزعفران غير تقليدية في الشمال السوري الذي شهد في السنوات الأخيرة توجهاً لزراعته رفقة مواسم أخرى مثل الورد الجوري، غالباً ما حملها إلى المنطقة نازحون اعتادوا زراعتها في مناطقهم التي هجّروا منها.
قبل ست سنوات بدأت تجربة زراعة الزعفران تشق طريقها إلى شمال غربي سوريا في كل من مدينتي بنش بريف إدلب وكلجبرين بريف حلب الغربي. حسين حسن العلي كان أول من بدأ بزراعة الزعفران في ريف حلب، وشجع باقي الفلاحين على زراعة “الذهب الأحمر”، لتزيد أعدادهم تدريجياً من 25 مزارعاً في العام الماضي إلى أكثر من 100 مزارع في العام الحالي، دون احتساب الفلاحين الذين يزرعون الزعفران على سبيل التجربة ثم يعزفون عنه، على حدّ قوله.
يقول العلي إن الجدوى الاقتصادية من زراعة الزعفران وانخفاض تكاليف زراعته، إذ لا يحتاج لكميات كبيرة من المياه والأسمدة ويمكن زراعته في مساحات صغيرة مثل حدائق المنازل أو الأحواض بالقرب من المخيمات ساهمت في انتشار هذه الزراعة وتوجه المزارعين نحوها.
ويضيف العلي أسباباً أخرى لرواج زراعة الزعفران منها التخلص من تبعية النظام السوري الذي كان يشرف على هذه الزراعة، وانتشار تفاصيل هذه الزراعة وطرق الرعاية بها على وسائل التواصل الاجتماعي.
يزرع العلي الزعفران في كلجبرين، وقام ومن معه بإنشاء مجموعة على واتس آب تضم المهتمين بهذه الزراعة للإجابة عن استفسارات من يود خوض هذه التجربة، كما تضم المجموعة مهندسين زراعيين يقدمون نصائح حول كيفية رش المبيدات ومكافحة الأمراض التي قد تصيب الزعفران.
تعتبر السنة الأولى هي الأصعب على مزارعي الزعفران، إذ يكون الإنتاج فيها قليلاً جداً، وهو ما يدفع كثر من المزارعين للعزوف عن زراعة الزعفران لما يحتاجه من وقت طويل يصعب انتظاره.
ويشرح مزارعون تحدثنا معهم التكلفة والوقت الذي يحتاجه الزعفران لتحقيق الجدوى الاقتصادية بقولهم: “السنة الأولى هي الأسوأ والأصعب والأكثر تكلفة، إذ يحتاج المزارع لشراء البصيلات، باهظة الثمن، حيث يبلغ سعر الكيلو غرام الواحد منها بين 25 إلى 35 دولار، حسب نوعها”.
تقل التكلفة في السنوات اللاحقة إذ “لا يحتاج المزارع لشراء البصيلات مجدداً كونها تتكاثر في التربة، وتتكاثر كل بصيلة لتنتج من 3 إلى 15 بصيلة جديدة”. وتتطلب زراعة دونم واحد من الزعفران، شراء 100 كيلو بُصيلات من النوعية الجيدة بسعر 3500 دولار، 100 دولار ثمن السماد العضوي، و200 دولار تكلفة الري، و50 دولار أجرة الأرض، و100 دولار مصاريف جانبية.
زراعة الزعفران في السنة الأولى خاسرة، إذ تبلغ تكلفة زراعة الدونم نحو أربعة آلاف دولار، ويبلغ الإنتاج نحو 100 غرام فقط، يباع بـ 900 دولار إن كان من النوع الجيد.
تزيد إنتاجية الزعفران وتقل تكلفته في السنوات اللاحقة، خاصةً في السنة الثالثة والرابعة، إذ تبلغ تكلفة الزراعة نحو 450 دولار فقط، كون الفلاح لا يحتاج لشراء البُصيلات، في حين يبلغ الإنتاج وسطياً حوالي كيلو ونصف كيلو غرام ويباع بـ 15 ألف دولار، ما يحقق أرباحاً يصفها من تحدثنا معهم بالكبيرة مقارنة بغيره من المحاصيل، وبنحو عشرين ضعف عن التكلفة.
يقول أبو محمد الخطيب الذي يزرع الزعفران في ريف إدلب: “الزعفران مشروع رابح بامتياز إذا طبقت الشروط المناسبة لرعايته وتحليت بالصبر، فالربح لا يقتصر على بيع الزعفران فقط، بل يمكن للمزارع أن يبيع بعد سنوات البُصيلات لمزارعين جدد، حيث يُباع الكيلو منه بـ 25 دولار، وهذا مصدر ربح آخر”.
وتعتبر البُصيلات المستوردة من تركيا وإسبانيا وهولندا من أفضل الأنواع لزراعة الزعفران، أما البُصيلات القادمة من إيران فهي الأقل جودة، إذ يبلغ سعر كيلو الزعفران التركي نحو 9 آلاف دولار، بينما لا يتجاوز سعر الزعفران الإيراني 2500 دولار.
أحمد السعيد، مزارع في أخترين بريف حلب، قرر هذا العام زراعة الزعفران للمرة الأولى، لكنه اكتفى بزراعة دونم واحد فقط على سبيل التجربة، وفي حال حقق مردوداً جيداً، سيزيد من المساحة المزروعة بالزعفران في الأعوام المقبلة.
يقول السعيد لفوكس حلب: “ازرع منذ سنوات المحاصيل البعلية كالشعير والقمح والعدس والكمون، لكن بسبب كساد المحصول وكثرة المزارعين وضعف التصريف وقلة الأمطار والخسائر التي تعرضت لها، قررت الاتجاه نحو الزراعات البديلة والنادرة مثل الزعفران، لما سمعته عن جدواها الاقتصادية و تكلفتها المنخفضة”.
تبدأ زراعة الزعفران في شهر أيلول من كل عام، ويحتاج لسقاية متوسطة إلى خفيفة، حيث يمكن الري عن طريق التنقيط مرتين في الأسبوع، ويعتبر من الزراعات المعمرة في الأرض لست سنوات. يقول حسين العلي: “الدونم الواحد يحتاج من 100إلى 150 بصيلة زعفران متوسطة الحجم، ويتطلب سماد عضوي من مخلفات الحيوانات خصوصاً الأغنام، إضافةً إلى سقاية متوسطة، وفي مطلع تشرين الثاني يبدأ القطاف ويستمر لمدة شهر”.
ينصح العلي المزارعين الجدد بعدم قطاف الزعفران حتى مضي 4 سنوات على بدء زراعة البُصيلات، لأن إنتاج الأزهار في السنة الأولى يكون قليلاً ولا يصل الإنتاج لأكثر من 100 غرام من الزعفران، بينما يمكن أن يحصل الفلاح على كيلو ونصف كيلو غرام إلى 2 كيلو غرام من الزعفران بعد مضي 4 سنوات.
يُفضّل قطاف المياسم الحمراء من زهور الزعفران بشكل يدوي وفي الصباح الباكر قبل سطوع الشمس، ثم توضع على أقمشة بيضاء ضمن غرفة مظلمة وغير رطبة لمدة 24 ساعة حتى تجف بشكل جيد، وبعدها تحفظ داخل أوعية محكمة الإغلاق.
كذلك ينصح العلي بعدم التأخر في قطاف الزعفران كيلا يؤثر على جودته، ومن الضروري أن تكون نوعية البُصيلات جيدة، إضافةً إلى تجفيف المياسم بشكل جيد، وعدم تعريضها للضوء والرطوبة بعد قطافها.
المهندس الزراعي موسى البكر، يشرف على زراعة الزعفران في ريف إدلب، قال إن من أهم شروط نجاح زراعة الزعفران أن يكون المناخ شبه جاف، والري منتظم ونوعية البُصيلات جيدة، وأن تكون التربة جيدة التصريف مثل التربة الرملية”. ولفت البكر إلى أن زهور الزعفران قد تصاب ببعض الأمراض الفطرية والتي من السهل مكافحتها بالمبيدات، إضافةً إلى احتمال تعفن البُصيلات في حال كثرة الري أو الزراعة في تربة سيئة الامتصاص.
والزعفران من النباتات العطرية التي تدخل في الصناعات الدوائية والمنكهات، ويعتبر من أكثر التوابل غلاءً في العالم، حيث يستعمل كـ منكه وملون للأطعمة.
ويستخدم الزعفران مع مشروبات مثل الشاي والقهوة العربية، أو مشروب الزعفران بالحليب، إضافة إلى دخوله في صناعة الصابون والبخور والعطور ومستحضرات التجميل، ويمكن استخدامه كصبغة ملونة للملابس. كما أن البتلات البنفسجية التي تبقى بعد استخراج الشعيرات الحمراء منها، يمكن الاستفادة منها في صناعة المربيات.