فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

قطاف الفتسق الحلبي في ريف حلب الشمالي

الفستق الحلبي “رزق الملوك”.. تكاليف باهظة وأسعار ثابتة تضمن الأرباح

حسين الخطيب

ينبئ شهر آب الحالي بمحصول وافر من الفستق الحلبي الذي تطورّت زراعته في أرياف حلب الشمالية والشرقية، يضمن ذلك جودته وأسعاره الثابتة و السماح بتصديره، ما دفع مزارعون لزراعته عوضاً عن المحاصيل الموسمية.

توسّعت رقعة الأراضي المزروعة بالفستق الحلبي في أرياف حلب الشمالية والشرقية، رغم تكلفتها الباهظة وتأخر سنوات إنتاجها، إلا أن مردودها الجيد والثابت دفع مزارعون للاستعاضة بها عن مواسمهم التقليدية مثل القمح والشعير والبقوليات والحبوب العطرية.

وتبلغ المساحات المزروعة في أرياف حلب بأشجار الفستق الحلبي نحو 19 ألف و149 هكتار، ويحوي الدونم الواحد بين 20 إلى 25 شجرة، ويقدر عدد الأشجار المثمرة بـنحو مليونين و 336 ألف و178شجرة، يبدأ إنتاجها بعد عشرة سنوات على الأقل، وتبلغ تقديرات الإنتاج، نحو 18 ألف و700 طن، حسب ما أوضح حسن الحسن، مدير زراعة حلب في الحكومة السورية المؤقتة.

نوع التربة والمناخ الملائمان في ريفي حلب الشمالي والشرقي دفع مزارعون في المنطقة  لزراعة أشجار الفستق الحلبي التي تتحمل أكثر من 50 درجة مئوية خلال فصل الصيف ودرجات حرارة منخفضة تصل إلى 15 درجة مئوية خلال فصل الشتاء، كونها من الأشجار التي تحتاج إلى الصقيع والرياح المعتدلة من أجل الإزهار.

وتزرع شتول الفستق الحلبي خلال فترة (أربعينية الشتاء)، عندما تكون الجذور متوقفة، وهي الفترة المخصصة لوضع الشتول ضمن التربة، وتكون خلال يناير/كانون الثاني من كل عام، كونها تحتاج إلى ري بشكل متواصل ما يقلل من تكلفتها في حال توافر الهطولات المطرية الشتوية.

قطاف محصول الفستق الحلبي في بساتين ريف حلب الشمالي
قطاف محصول الفستق الحلبي في بساتين ريف حلب الشمالي

 ويبلغ سعر الشتلة الواحدة دولارا أمريكياً واحداً، وتحتاج إلى تطعيم بعد عامين على زراعتها، ومن أبرز أنواع الفستق الحلبي التي تزرع في الشمال السوري: العاشوري والورديني والباتوري.

زراعة الفستق الحلبي تصطدم بتحديات ومصاعب عديدة، أهمها فترة الانتظار الطويلة للإثمار والتي حددها صبحي السليمان (45 عاماً)، بين 10 إلى 15 سنة، تبعاً لتوفير العناية اللازمة.

ويقول السليمان، المزارع الذي ينتظر إثمار أشجاره منذ ثمان سنوات بعد أن حوّل أرضه التي كان يزرعها بالقمح والشعير في قرية كلجبرين إلى بستان من الفستق الحلبي، حاله كحال كثير من المزارعين في منطقته، إن الوقت الطويل الذي تحتاجه شجرة الفستق للإثمار يفرض على زارعيها القدرة على الانتظار وتحمّل التكاليف التي وصفها بـ “الباهظة” لرعايتها وتقديم الخدمات اللازمة لها قبل البدء بجني محصولها.

ويصف مزارعون للفستق الحلبي هذه الشجرة بـ “رزق الملوك”، كناية عن لزوم توفر إمكانيات مالية كبيرة قبل مرحلة الإنتاج، وهو ما يؤدي في حال عدم توفر الإمكانيات إلى فشل الزراعة وبالتالي موت الأشجار. وتحتاج أشجار الفستق، بحسب السليمان، إلى رعاية مضاعفة من الحراثة والتعشيب والتقليم والتطعيم والري، إضافة للأسمدة الكيميائية والعضوية.

ويقول بشير دوبا، صاحب بستان من الفستق الحلبي بين قريتي تلالين وسندف، إن انخفاض منسوب المياه السطحية من أبرز الصعوبات التي تواجه المزارعين في العام الحالي، إذ يضطر معظمهم لشراء الصهاريج لري أشجارهم رغم ارتفاع تكلفتها، كذلك أسهم ارتفاع سعر الوقود في زيادة سعر التكلفة للري عبر الآبار التي تحتاج للوقود في تشغيلها.

ويضيف أن “زيادة التكلفة شملت معظم الاحتياجات الزراعية، إذ ارتفعت أسعار الأسمدة الكيميائية، في مقدمتها سماد اليوريا، الذي يبلغ سعر الطن الواحد منه نحو 900 دولار أمريكي، إضافة إلى ارتفاع سعر الأسمدة العضوية التي تحتاجها الأشجار لتحسين الإنتاجية، مما ضاعفت تكاليف الرعاية في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وأجور النقل والتقليم والحراثة والسقاية والتعشيب”.

تقشير الفستق الحلبي
تقشير الفستق الحلبي

ويحتاج موسم الفستق سنوياً  إلى “الري ثلاث مرات على الأقل، وخمسة حراثات، وأربعة أنواع من الأسمدة، تضاف ضمن خطة زراعية، أهمها الأسمدة العضوية، واليوريا، والمتوازن، والداب، ولا يمكن الاستغناء عن المبيدات الحشرية والعشبية”، وفق ما شرح دوبا.

ويضطر المزارعون إلى دفع تلك التكاليف لأشجار الفستق بهدف تحسين الإنتاجية المنتظرة طوال الموسم، خاصة لما “تحققه من مردود جيد بأسعار مستقرة منذ سنوات  في ظل الطلب الكبير على المحصول السوري، لذلك يقبل المزارعون على زراعته، على عكس المحاصيل الزراعية الأخرى التي تضررت نتيجة العوامل الطبيعية”.

ويبدأ قطاف محصول الفستق الحلبي مع بداية آب من كل عام، وتعد أشجار الفستق من الأشجار المعاومة ( إنتاج محصول أكبر بكثير من المتوسط في عام واحد ومحصول أقل بكثير من المتوسط في العام التالي).

المزارع محمد صبحي يوسف (75 عاماً)، ينحدر من بلدة كفرة شرقي مدينة أعزاز، يملك أرضاً زراعية قرب بلدته تبلغ مساحتها هكتار (10 دونم) تحتوي على 120 شجرة يفوق عمر الأشجار عن 35 عاماً، وأنتجت خلال هذا العام نحو طن و300 كغ من الفستق الحلبي.

يقول “إنتاج الفستق مثل شجرة الزيتون سنة تحمل ثمار وسنة يكون حملها خفيف لكن أسعارها أفضل من الزيتون، لذلك يعد إنتاج طن من الفستق الحلبي إنتاجاً متميزاً عن المحاصيل الزراعية الأخرى، وعندما تكون الإنتاجية قليلة يغطي الكلفة التي يضعها المزارع خلال الرعاية الزراعية”.

وأضاف: “أن الخدمات التي تقدمها للشجرة تميز الإنتاج، بينما لا يمكنها تغطية الكلفة التي وضعها المزارع في حال لم يقوم المزارع بتقديم الرعاية الزراعية المناسبة والتي تتم عن طريق خبرات متراكمة من المزارعين ومهندسين عاملين في المنطقة”.

قطف الفستق الحلبي على ثلاثة مراحل: ففي الأسبوع الأول يقطف الفستق الحلبي الأخضر (يستخدم للبوظة والطعام)، وفي الأسبوع الثاني يقطف الفستق الحلبي الزهري، يخصص هذا النوع من الفستق للاستخدام في الحلويات العربية، بينما يترك المزارعون  الفستق في المرحلة الأخيرة حتى يصبح (أمرج)، وهنا يصل إلى مرحلة النضج التام وتتفتح حبة الفستق خلال تلك المرحلة ويشتري من قبل المحامص لصناعة الموالح.

تعبئة الفستق الحلبي بعد التجفيف
تعبئة الفستق الحلبي بعد التجفيف

ويفضل بعض المزارعين في ريف حلب بيع محصول الفستق الحلبي كاملاً بالعنقود، ويشترى من قبل التجار الذين يقومون بقشر الفستق وعزله عن الشوائب ونشره تحت أشعة الشمس لتجفيفه، وينقل لاحقاً إلى الكسارة التي تكسر القشور الداخلية (العضم) كما يطلق عليها محلياً، قبل عملية التغليف والتصدير.

التاجر أبو إسماعيل من بلدة كلجبرين قال: “إن أسعار الفستق تختلف حسب رغبة المزارع ببيعه، ويتراوح سعر الكيلوغرام من الفستق المقطوف حديثاً مع (العرموش) بين 3 إلى 3.5 دولاراً أمريكياً، بينما يصل سعر الكيلوغرام من الفستق المقشر بين 9 إلى 10 دولارات”.

وأضاف: “أن تكلفة التقشير وإزالة الشوائب والتجفيف تصل إلى 35 دولاراً أمريكياً للطن الواحد، بينما تصل تكلفة تكسير القشور الداخلية وإخراج القلوب إلى 35 دولاراً أمريكياً للطن الواحد أيضاً، وكل ثمانية كيلوغرام من الفستق بدمه تنتج كيلوغراماً واحداً من قلوب الفستق، يتراوح سعره بين 24 إلى 27 دولاراً تبعاً لجودة الفستق وحجمه والنوع الذي يمتاز به”.

وأوضح، أن الفستق الحلبي المزروع في سوريا من أجود الأنواع على مستوى العالم، حيث يصدر أكثر من 90 % من الإنتاج إلى دول الشرق الأوسط والدول الأوروبية، عبر المعابر السورية -التركية، بينما يشكل الاستهلاك المحلي 10 %، لأسباب تتعلق بمستوى الدخل المعيشي لدى المواطنين.