تراجعت نسبة البيع في محطة وقود أحمد الشيخ إلى النصف بعد نقلها إلى أطراف مدينة سلقين، في حين توقفت محطات أخرى عن العمل بشكل كامل وخسر أصحابها مكانهم ورؤوس أموالهم بعد حزمة القرارات الملزمة التي فرضتها المديرية العامة للمشتقات النفطية في حكومة الإنقاذ بإدلب.
القرارات التي تضمنت شروطاً عدّة والتي رأى فيها أصحاب محطات الوقود شروطاً مجحفة أو غير قابلة للتنفيذ، أجبرت أحمد الشيخ على نقل محطته من وسط مدينة سلقين إلى أطرافها تلبية للشروط التي يصعب تنفيذها داخل المدينة، إذ تضمنت بنداً بالابتعاد عن التجمعات السكنية في المدن والبلدات المكتظة بالسكان.
واشترطت المديرية في كافة فئات الترخيص “أ” و”ب” و”ج” ضمن بند “المساحات والأبعاد” أن لا تقام المحطات في الساحات العامة، وأن يبعد محور المحطة مسافة لا تقل عن مئة متر عن تقاطع الطرق الفرعية مع الرئيسية سواء كان التقاطع بمستوى واحد أو بمستويين مختلفين.
كما اشترطت ألا تقام محطات وقود ضمن مراكز المدن أو بالقرب من المدارس والمساجد والمستشفيات والجامعات بمسافة لا تقل عن خمسين متراً.
يقول الشيخ إن محطته كانت من أكثر المحطات عملاً في البلدة إذ تقع في أحد الشوارع الرئيسة للبلدة، إلا أن المديرية أبلغته بضرورة نقلها تجنباً للازدحام الحاصل من تجمع الآليات أمام المحطة ما يعيق حركة المرور، خاصة وأن شوارع المدينة ضيقة. يقدّر الشيخ تراجع نسبة البيع في محطته بنحو 50% مع تلك الخطوة، “إلا أننا مضطرون لاتخاذها كي نستمر في العمل وفق الشروط الجديدة التي وضعتها المديرية”.
حال الشيخ كان أفضل من حال أربعين كازية أغلقت خلال الأيام الماضية بحجة عدم الترخيص، إضافة لمحطات وقود أنذرت من قبل المديرية للإسراع بتطبيق شروط الترخيص بما فيها المحطات القديمة التي اشترط عليها مجموعة من البنود لاستمرار عملها، بحسب أحمد السليمان، مدير العلاقات العامة في مديرية المشتقات النفطية.
يصف أصحاب محطات وقود تحدثنا معهم الشروط التي وضعتها المديرية للترخيص في السابع من حزيران الماضي بـ “التعجيزية”، نظراً للتكلفة العالية التي تحتاجها لتطبيقه، في الوقت الذي ترى فيها المديرية شروطاً محقة تهدف إلى تحقيق مبادئ الأمن والسلامة لمحطات الوقود والسكان المجاورين لها، إضافة لكونها بوابة لتنظيم عملها.
وتختلف تكلفة ترخيص محطات الوقود بحسب الفئة التي تنتمي إليها، إذ تشمل الفئة “أ” المحطات المنشأة والموجودة على الأوتوسترادات الرئيسية في المنطقة وتكون الأكثر تكلفة عن باقي الفئات. أما الفئة “ب” : فتشمل المحطات المنشأة والموجودة على أطراف المدن والبلدات وتكون خارج المخطط التنظيمي وتكون أقل تكلفة من الفئة “أ”.
وتشمل الفئة “ج” المحطات المنشأة والموجودة داخل المدن والبلدات وتكون ضمن المخطط التنظيمي وتعتبر هذه الفئة الأقل تكلفة عن باقي الفئات “أ” و”ب”.
وتتضمن القرارات إلزام محطات الوقود كافة بالترخيص وفق عدة شروط أجملت في ستة بنود منها، بند” الأبعاد والمساحة” ويتضمن شروطاً أهمها أن لا تقل مساحة العقار في الفئة “أ” عن 1500 م2 وفي حال وجود مغسل أو مشحم فيجب أن لا تقل المساحة عن 1700 م2، وأن لا يقل عرض واجهة المحطة عن 40 م.
أما في الفئة “ب” فيشترط أن لا تقل مساحة المحطة عن 900 م2، وفي حال وجود مغسل أو مشحم فيجب أن لا تقل المساحة عن 1100 م2، وأن لا يقل عرض واجهة العقار عن 30 م مع وجيبة على أطراف المحطة لا تقل عن خمسة أمتار. وتتراجع المساحة في الفئة “ج” لتصل إلى 650 م2 كحد أدنى وفي حال وجود مغسل أو مشحم تكون مساحة العقار 750 م2 وعرض واجهة المحطة 25 م كحد أدنى.
يحول هذا الشرط من وجود محطات وقود داخل المدن والبلدات، إذ يصعب تحقيق وجود مثل هذه المساحة على الشوارع الرئيسة، أو يجبر أصحابها على شراء مساحة واسعة من المنازل لتحقيق هذا الشرط، وبالتالي دفع تكلفة بأضعاف ما كانت عليه محطاتهم السابقة، ما أجبر قسم منها على إغلاق محطته.
يقول زياد العمر، يملك محطة وقود في بلدة باريشا بريف إدلب، إنه لم يستطع تلبية الشروط الصادرة عن مديرية المشتقات النفطية لترخيص محطته العاملة منذ أكثر من ست سنوات، خاصة شرط المساحة الذي حدد وفق القرار “ج” بأن لا تقل عن 650 م2، في حين أن محطته موجودة على عقار لا تتجاوز مساحته 200 م2 .
أغلق العمر محطة الوقود خاصته، يقول إن شراء عقار جديد يحتاج إلى ما يزيد عن 15 ألف دولار، كما يحتاج بناء المحطة من جديد لتلبية شروط الترخيص ما يزيد عن 40 ألف دولار أخرى، وهو ما لا يستطع تحمل تكلفته.
ويضيف العمر أن قرار الإغلاق لم يشمل تعويض أصحاب المحطات المغلقة، ما تسبب بخسارته لإشغال المكان من جهة، إضافة لبيع المعدات بنصف السعر نتيجة زيادة عدد محطات الوقود التي أغلقت أبوابها وعرضت معداتها للبيع بما فيها فرد التعبئة والخزانات ولوحات العرض والقساطل والشاشات الرقمية والمفاتيح الخاصة بها.
يحدّد بند المساحة والأبعاد أيضاً المسافة بين العدادات والأرصفة وطول هذه الأرصفة وعرضها وارتفاعها، كذلك عرض الشوارع أمام المحطة والذي يختلف بين المدن والقرى ويتراوح بين 6 إلى 18 متراً.
يقول أصحاب محطات تحدثنا معهم إن هذا الشرط يجبر أصحاب المحطات التي تحقق الشرط الأول على هدمها وإعادة بنائها وفق الشروط الجديدة، خاصة وأن هذا البند فرض أن لا تزيد مساحة البناء عن 25% من مساحة العقار، وأن تكون أبنية المحطة ومنشآتها كافة مبنية من مواد غير قابلة للاحتراق، ووجوب إحاطتها بسور من مواد غير قابلة للاحتراق أيضاً يتراوح ارتفاعه بين متر ومتر ونصف المتر، مع إنشاء مدخل للمحطة يراعي الشكل الجمالي.
أرضية المحطات كان لها نصيب أيضاً في القرار، إذ اشترط أن تغطى بطبقة خرسانية مع فواصل تمدد مناسبة، وتعبيد طرق ممرات الدخول والخروج وتجهيزها بالأرصفة والإنارة، وأن تتكون المظلة من مواد غير قابلة للاحتراق.
الشرط الأكثر صعوبة ضمن هذا البند كان تحديد المسافة الفاصلة بين محطات الوقود بألف متر في الاتجاه الواحد و خمسمائة متر في الاتجاهين المتقابلين، وعدم إشغال المحطة بأي نشاط تجاري كذلك لا يسمح القرار بإنشاء فتحات على الطرق مقابل مدخل المحطة ومنع إنشائها في الساحات العامة أو بالقرب من المدارس والمساجد والمستشفيات والجامعة بمسافة لا تقل عن خمسمائة متر.
الخياران اللذان أتاحهما الشرط السابق لمحطات الوقود المتجاورة، الإغلاق أو الاندماج مع بعضها البعض، فعلى الطريق الواصل بين بلدتي البردقلي ودير حسان، وهو من أكثر الطرق المكتظة بالمخيمات، يوجد ثلاث محطات وقود استدعي أصحابها مع بدء تطبيق القرار إلى المديرية العامة للمشتقات النفطية وبلغوا بضرورة دمج الكازيات الثلاث ضمن كازية واحدة تلبية لشرط المسافة بين المحطات.
رفض الاقتراح من أحد مالكي تلك المحطات ليتم توقيفه عن العمل بشكل مباشر لحين القبول بحل الدمج أو إيجاد حل أمثل يوافق الأطراف كافة فيما لا تزال المحطتان اللتان وافقتا على ذلك الطرح قيد العمل.
يقول أبو حسين صاحب محطة الأخوة التي أوقفت عن العمل ” نحنا ضمن المحطة اثنين أخوة شركاء ومانا متفقين، كيف بدنا نقدر نتفق ثلاث أشخاص وكل شخص من محافظة”. ويتابع ” رفضت ذلك الطرح لأن مبين نهايته الخلاف والفشل، وأنا كازيتي موجودة من خمس سنوات وعندي قدرة أدفع التكاليف كافة وفق الشروط المطلوبة ورخص لحالي بدون ما أدخل شراكة مع أحد”.
ويقول الأستاذ أحمد السليمان مدير المديرية العامة للمشتقات النفطية” إن الهدف من دعوة أصحاب الكازيات غير المرخصة أو الموجودة ضمن مسافات قريبة جاء لكي يستفيد أكبر عدد من أصحاب البسطات العشوائية التي أغلقت، وتأمين فرصة لهم لمتابعة عملهم”.
المادة الثانية والثالثة شملت شروطاً تخص كل من “الخزانات” والمضخات” وتحدد المادة الرابعة من الشروط الواردة تحت مسمى “المضخات”، تسعة شروط منها، وضع عداد إلكتروني حديث للمضخة والتأكد من عملها وصيانتها بشكل مستمر، يُضاف إلى ذلك وضع لوحة تعريفية واضحة بالأسعار، وحيازة مكيال للمعايرة الدورية، كما يحظر إزالة أو تعديل أي مضخة دون الرجوع إلى المديرية العامة للمشتقات النفطية..
وأدرجت المديرية 18 شرطاً إضافياً تحت عنوان: “السلامة العامة والوقاية والإطفاء”، حيث فرضت وضع كاميرات مراقبة في أرجاء المحطة كافة، وتدريب العمال على وسائل الحماية العامة، وعدم بيع أي مشتق نفطي إضافي في المحطة، ووضع إشارات تحذيرية، وعزل منطقة التفريغ بواسطة حواجز نقالة.
كما حددت آلية إفراغ حمولة صهاريج المحروقات في المحطات، وفرضت على المحطات لباساً موحداً للعاملين، حقيبة إسعافية، كمية من الرمل الجاف بحجم 1 متر مكعب، أدوات إطفاء بسعة ونوعية محددة، ومنعت طرح الزيوت المستعملة ونفايات الشحوم وغيرها في الصرف الصحي. يلزم صاحب المحطة بتحقيق هذه الشروط والمسؤولية عن تنفيذها وعن المخالفات المنظمة بحقها بموجب تعهد خطي، حسب شروط المديرية العامة للمشتقات النفطية.
يقول مدير العلاقات العامة في مديرية المشتقات النفطية إن السبب الرئيس في القرار الذي أصدرته المديرية هو تنظيم عمل قطاع المشتقات النفطية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تتمحور حول، تأمين مخزون احتياطي في كل محطة ليكون بمثابة وقاية للمنطقة في حال حدوث أي طارئ، وتحقيق شروط الأمن والسلامة العامة من خلال إلزام المحطات بوضع الخزانات تحت الأرض وتجهيز المحطة بأجهزة إطفاء وإعادة هيكلة المحطات لتتناسب مع التطور العمراني.
و أمهلت المديرية محطات الوقود المخالفة شهرين لاستكمال شروط الترخيص قبل تطبيق قرار الإغلاق الذي بدأت بتنفيذه بشكل تدريجي، يقول أحمد السليمان “نقوم بتنفيذ قرار الترخيص بشكل تدريجي، وكانت البداية من الأوتوستراد الواصل بين إدلب باب الهوى والمنطقة الشمالية كمرحلة أولى، ونعمل على تنفيذ القرار على باقي المناطق خلال الأيام القليلة القادمة”.
انعكاس إغلاق محطات الوقود السلبي لم يقتصر على أصحابها، بل تعدى ذلك إلى المناطق المأهولة لا سيما سكان المخيمات، إذ يدفع أولئك ثمناً أكبر للحصول على الوقود بنحو خمس ليرات تركية لليتر الواحد.
يقول من تحدثنا معهم “بعد إغلاق المحطات اضطررنا لشراء الوقود من البسطات المتنقلة التي يزيد سعر بيعها إضافة لصعوبة مراقبة النوعية، إذ يعمد كثر من بائعي الوقود على خلط أصناف من المحروقات النظامية والمكررة لزيادة الربح، أو قطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب محطة وقود وهو ما يستلزم دفع مبالغ إضافية”.
بين تنظيم عمل محطات الوقود وشكوى أصحابها من صعوبة وتكلفة تنفيذها العالية يخسر مئات العمال باب رزقهم، دون مراعاة لتطبيق هذه الشروط تدريجياً ووفق مهلة زمنية وتسهيلات مناسبة.