يتفاقم تفشي الأمراض، خاصة الجلدية، في عدد من مخيمات شمال غربي سوريا، إذ وصل تأثيرها لمعظم قاطني هذه المخيمات لا سيما الأطفال سواء من خلال الإصابة المباشرة أو العدوى.
ويرجع السبب الرئيس لتفشي الآفات الجلدية إلى مجاورة مخيمات في المنطقة لمكبات نفايات سبق وجودها إنشاء المخيمات، أو المكبات البديلة التي أوجدت فيما بعد لحلّ مشكلة القمامة المنتشرة في المنطقة، مع تضاعف عدد السكان إلى أضعاف ما كانت عليه قبل سنوات، إذ يبلغ عدد سكان محافظة إدلب اليوم أكثر من أربعة ملايين شخص.
السكن بالقرب من مكبات النفايات إضافة لظاهرة العمل في “نبش هذه المكبات” والتي باتت مصدر رزق لكثر من السكان، لا سيما الأطفال، بحثاً عن مواد بلاستيكية أو خردوات تباع لتجار في المنطقة لإعادة تدويرها، كذلك ضعف النظافة الشخصية وصعوبة الحصول على العلاج واستحالة الحجر لمنع العدوى، من أهم أسباب انتشار الآفات الجلدية التي تزيد يوماً بعد يوم، وتستعصي في حالات كثيرة عن العلاج.
في قرية الغزاوية التي تتبع لمدينة عفرين في ريف حلب الشمالي وبالقرب من مكب نفايات الإسكان أنشئ مخيماً للنازحين تقطنه اليوم 350 عائلة. يشكو معظم سكان المخيم من انتشار مرض الجرب بين قاطنيه، خاصة بين الأطفال، المصدر الرئيس للمرض، قبل أن ينتقل إلى فئات عمرية أخرى نتيجة العدوى والمخالطة واستحالة حجر المصابين، إذ تسكن كل عائلة خيمة واحدة.
يرجع أبو رستم، مدير مخيم الغزاوية، انتشار مرض الجرب بين قاطني المخيم إلى قربه من مكب نفايات الإسكان الذي وصفه بـ “المكب المركزي لكامل المنطقة المجاورة”، وعمل كثير من أبناء المخيم بنبش النفايات ما أدى إلى إصابتهم بالمرض ونقلهم العدوى إلى أسرهم داخل الخيمة قبل أن يبدأ المرض بالانتشار في خيم وعائلات أخرى نتيجة المخالطة.
ويقول أبو رستم إن هناك “جملة من العوامل ساهمت في تعزيز المرض وانتشاره بسرعة، منها طبيعة السكن المكون من خيم قماشية ونقص المياه وبعد المراكز الطبية عن المخيم، إلا أن السبب الرئيسي يكمن في مكب الإسكان القريب من المخيم”. ويضيف ” تواصلنا مع الدائرة الخدمية في دارة عزة لإيجاد حل لمشكلة النفايات لكن الحال لم يتغير، فما تزال أكثر من عشر ضاغطات تفرغ النفايات يومياً داخل المكب بشكل يومي”.
تبرر شعبة النظافة في دارة عزة وريفها ما يحدث بأن مكب الإسكان هو أحد المكبات الرئيسة في المنطقة والذي أوجد منذ ما يزيد عن عشرين عاماً، وهناك صعوبة بنقله إلى مكان آخر في الوقت الراهن، وذلك لكونه مكباً مركزياً لعدد من البلدات والمدن الكبرى القريبة منه مثل الدانا وترمانين ودارة عزة والأرياف المجاورة، كما أنه من الصعب والمكلف إنشاء مكب مشابه بعد اكتظاظ المنطقة بالسكان والمخيمات العشوائية.
ويقول إبراهيم عرب رئيس شعبة النظافة في دارة عزة “جميع المخيمات التي استحدثت كانت ضمن فترة وجود المكب، ونتعامل مع الأمر حالياً عن طريق التجريف المستمر لتجنيب سكان المخيمات الأضرار والأوبئة الناتجة عنه”. ويضيف ” الحل الأنسب في الوقت الحالي يكمن في نقل الخيم العشوائية المجاورة للمكب إلى أماكن أخرى لتفادي انتقال العدوى بين الأهالي”.
ليس مكب الإسكان المكب الوحيد الذي بات مصدراً للأوبئة وانتشار الأمراض في المخيمات المجاورة، إذ أن هناك عشرات المكبات، أغلق عدد منها بسبب الشكاوى الواردة، بينما لا يزال قسم منها قائماً.
الإدارة الخدمية للبيئة النظيفة المسؤولة عن الكتلة الشمالية وفي ردّها على أسئلتنا حول مكبات النفايات والأضرار التي تسببها على سكان المخيمات، أجابت “وردتنا شكاوى من عدد من المخيمات عن مجموعة مكبات، مثل مكب الدانا ومكب التوامة ومكب دير حسان، جرى التعامل معها وإغلاقها وتحويل نفاياتها إلى مكبات مركزية، والإبقاء على ستة مكبات مركزية في عموم المنطقة في كل من دارة عزة وبلدة حزرة وتلعدة وتل الكرامة والبرد قلي ودير حسان”.
وجاء في ردّ الإدارة إنها ” أغلقت أربعة مكبات رئيسية في المنطقة الواقعة جنوبي مدينتي الدانا وسرمدا، منها مكب باتبو وحزانو وتم إلغاء مكب سرجيلة بالرغم من تصنيفه ضمن المكبات المركزية بعد تسببه بأضرار على المخيمات المجاورة، كما أوقفت مكب الأتارب المركزي القريب من خطوط التماس مع النظام بعد رصد الآليات واستهدافها من قبل قوات النظام”.
وتحوي المنطقة في ريف إدلب الشمالي وريف حلب الغربي، و التي تحولت مساحات كبيرة منها إلى مخيمات للنازحين، مكبات مركزية سبق وجودها إنشاء المخيمات أو مكبات فرعية تتبع لبلدات وقرى ضمن المنطقة.
وبحسب المؤسسة الخدمية للبيئة النظيفة فإن المنطقة كانت تحوي أكثر من ثلاثين مكباً قسم منها مكبات مركزية استحدثت قبل أكثر من عقدين إضافة للمكبات العشوائية التي تتبع لمدن وبلدات المنطقة، ومع تضاعف عدد السكان وانتشار المخيمات ألغيت المكبات العشوائية ورحّلت نفاياتها إلى مكب الهباط الموجود ما بين مدينة إدلب ومعرة مصرين بالرغم من الصعوبات والتكلفة الكبيرة على المؤسسة التي أبقت على عدد من المكبات الرئيسة ويجري التعامل معها حالياً من خلال التجريف المستمر للمكبات و تسويرها، إضافة لحملات الرش الدورية بالمبيدات الحشرية وتشجيرها وحرق النفايات فيها بشكل دوري.
وأضافت المؤسسة في ردها أن هناك عدة مشاريع حالية لحل مشكلة النفايات، منها مشروع إعادة التدوير، ومشروع تحويل النفايات العضوية والمنزلية إلى أعلاف، وتعمل على مشروع آخر لتحويل النفايات إلى كهرباء من خلال حرقها والاستفادة منها في تشغيل محطات كهرباء يجري العمل عليها، كما فتحت المؤسسة خطوطاً لفرز النفايات داخل المكبات.
لا تبدو الحلول لمشكلة النفايات وما تتركه من آثار على صحة السكان جذرية في الوقت الحالي، بينما ينتظر مئات المصابين بالجرب في مخيم الغزاوية من يمدّ لهم العون لتلافي تفاقم هذه الأمراض، حالهم كحال آلاف السكان في المخيمات الذين لم يختاروا أماكن سكنهم بل أجبرتهم الحرب على النزوح من منازلهم، آملين بترحيل هذه المكبات أو نقلهم إلى أماكن ملائمة وتقديم العلاج المناسب لهم.