تدخل زيادة الرواتب التي أقرت بمرسوم تشريعي منتصف آب الجاري في سوريا حيّز التنفيذ يوم غد، في الوقت الذي رفع أو خفض فيه الدعم الحكومي عن الوقود والبطاقة الذكية رافق ذلك ارتفاع في المواد التموينية والغذائية والألبسة والإنترنت والاتصالات والكهرباء بما يصل إلى أضعاف الزيادة المحددة بـ 100% من رواتب العاملين والمتقاعدين في مناطق النظام.
وكان شهر آب قد شهد ارتفاعاً بنسبة وصلت بين 150 إلى 300% على أسعار مختلف المواد في حلب، إذ قفزت سوريا لتحتل المرتبة الرابعة عالمياً بعد زيمبابوي ولبنان وفنزويلا، مقابل وفر بلغ 5400 مليار ليرة سورية لخزينة النظام نتيجة تخفيض الدعم، بحسب وزارة اقتصاده.
الزيادة الجديدة هي الأولى في العام الحالي، سبقها زيادة في العام 2021 على مرحلتين 50 و 30% ليتراوح راتب العاملين في النظام بين 250 إلى 350 ألف ليرة سورية (19 -26 دولاراً) بحسب سعر الصرف الحالي اليوم (13150 ليرة لكل دولار)، والمتقاعدين بين 80 و 150 ليرة سورية (6 -11 دولاراً ) أما العاملين في القطاع الخاص فتتراوح رواتبهم بين 250 إلى 800 ألف ليرة سورية (19 -60 دولاراً).
هذه الأجور لا تكفي ليوم واحد، يقول من تحدّثنا معهم في حلب، ويظهر ذلك في رصد ارتفاع الأسعار في المدينة، خاصة خلال الشهر الحالي، إذ ارتفعت أسعار الإنترنت قبل مرسوم الزيادة، وفي بداية شهر آب بنسبة 60% عبر السورية للاتصالات، و 50% لباقات الإنترنت عبر شبكة الهاتف المحمول، رسوم التأمين الإلزامي للسيارات بنسبة 50%، الدخان الوطني بنسبة 50%، الأدوية وملحقاتها بنسبة 50%، أجور النقل بنسبة 50%.
يقول أبو عارف إنه يتقاضى نحو 500 ألف ليرة من عمله في توصيل طلبات الأطعمة والوجبات على دراجته الكهربائية في حلب “لا يمكن شراء وجبة طعام من المحلّات التي أعمل لديها، إذ يصل سعر الوجبة الواحدة إلى نحو 100 ألف ليرة سورية”.
تخلّى أبو عارف عن تدخين “الماستر” واتجه إلى الحمراء الطويلة، يقول “ارتفع ثمن علبة دخان الماستر إلى 9500 ليرة، أي ثلاثة أرباع راتبي، بينما أدفع ثمن الحمراء الطويلة بعد ارتفاع ثمنها إلى 5500 ليرة نحو نصف راتبي فقط”.
وتشرح سعاد، مدرسة وأم لأربعة أطفال في حلب، “أي طبخة تحتاج بين 25 إلى 50 ألف ليرة سورية، طبعاً دون إدخال اللحم والفروج والاكتفاء بالخضار أو البرغل أو الأرز”، وقدّرت سعاد تكلفة طبق “المجدّرة” بنحو 35 ألف ليرة على سبيل المثال.
“لا قهوة ولا شاي”، تضيف سعاد، فتأمين طبق يومي لأطفالها يزيد عن راتبها في التدريس والذي أصبح بعد الزيادة 280 ألف ليرة سورية، بنحو خمسة أضعاف، هذا إن استثنيا “الأمبير وبدل المواصلات”.
أبو سعيد موظف في البلدية قطاع هنانو ويسكن في حي السكري يقول “قبل أن أقبض الزيادة والتي لا تزيد عن 125 ألف ليرة دفعتها فرق مواصلات، أحتاج إلى وسيلتي مواصلات يومياً ذهاباً ومثلهما إياباً، ما يعني دفع مبلغ 4000 ليرة يومياً للوصول إلى عملي!”
وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد حددت أسعار الوقود بعد الزيادة بـ 14700 ليرة سورية للبنزين أوكتان و 12800 ليرة سورية للمازوت الحرة و 100400 لاسطوانة الغاز. يقول أبو سعيد إنه ليس من المقبول أن لا تشتري الزيادة اسطوانة غاز واحدة، ويرى أن تخفيض أو زيادة الدعم الحكومي على المواد الأساسية أجدى منها، خاصة وأن الحكومة هي المستفيد الوحيد من زيادة الرواتب.
ويقول أبو شريف، يعمل مع متعهد في المدينة الصناعية لترحيل الأنقاض “لا أعلم إلى متى سنصمد في ظل هذا التضخم فأنا هذا العام لم أتمكن من تموين دبس البندورة ولا الفليفلة ولا زيت الزيتون الذي تجاوز سعر التنكة ١٦ كغ مليون وثلاثمائة ألف ليرة سورية، وأصبحت أشتري الزيت بمكيال أصبح معروفاً وهو (كأس الشاي الصغير) بمبلغ 5000 آلاف ليرة من عند محلات البقالة”.
وخلال جولة على دكاكين البقالة ومحلّات الخضار والفاكهة رصد فوكس حلب أسعار المواد الغذائية الأساسية والارتفاع الذي طرأ عليها، إذ بلغ سعر طبق البيض 45 ألف ليرة، كيلو غرام لبن 14 ألف، كيلو غرام زعتر 40 ألف، لتر زيت زيتون 85 ألف، لتر زيت نباتي 30 ألف، أرز صيني 20 ألف، سكر 14 ألف، قهوة 180 ألف، شاي 160 ألف، إضافة لارتفاع طفيف في أسعار الخضار في مواسمها والتي تراوحت بين (2000 -3000) ليرة سورية، أما الفاكهة فتتراوح سعر كيلو غرام منها بين (5000 -15000) ليرة سورية.
لم يقتصر ارتفاع الأسعار على المواد التموينية وطال الألبسة بمختلف أنواعها، إذ تراوح سعر البنطال الرجالي من النوع المتوسط أو أقل بين (80 إلى 150ألف ليرة سورية)، القميص بين (60 -90 ألف)، الحذاء بين (100 -180 ألف)، أما ألبسة الأطفال فيتراوح سعر “البدل الواحد” بين (150 -200 ألف ليرة)، ووصل سعر أقل مانطو نسائي من النوع الرديء إلى 300 ألف ليرة وتجاوز مليون ليرة سورية للأنواع المتوسطة.
ويشهد سوق الألبسة بحسب من تحدثنا معهم كساداً وصفوه بغير المسبوق ما دفعهم لإغلاق محلّاتهم أو تغيير مهنتهم، يقول أبو محمد صاحب محلّ لبيع الألبسة في المنشية بحلب إنه أغلق محلّه بعد خسارة كبيرة “ما في بيع والبضايع كسدت، تدوير الألبسة للسنة الجاية ما رح يجيب همّو وما بعت لاتسوق ملابس شتوية، هاد ما عدا انهيار الليرة والي خسرت أكثر من أربعة الاف بكل دولار خلال الشهرين الماضيين”.
يحتاج محلّ الألبسة بحسب أبي محمد إلى نصف مليار ليرة سورية كحد أدنى ليقف على قدميه على حدّ وصفه، ما دفعه لتسوق بعض الخضار من سوق الهال وبيعها رفقة أطفاله في شوارع المدينة.
ويتجّه معظم سكّان حلب إلى محلّات “البالة” لتأمين ملابسهم، يقول أبو جمعة موظف في معمل الاسمنت بحلب، إنه وكلّ من يعرفهم يتجهون إلى هذه الأسواق، وباتوا زبائن دائمين فيها، إذ تتراوح سعر القطعة الواحدة فيها بين 20 إلى 100 ألف ليرة، بحسب نوعها وجودتها.
ورغم دقّ موسم المدارس أبواب العام الحالي إلا أن من تحدثنا معهم قالوا إنهم لا يستطيعون شراء قرطاسية وملابس لأبنائهم، يقول هشام صاحب مكتبة في حي الحمدانية بحلب إن أقل سعر لحقيبة مدرسية وصل إلى 100 ألف ليرة سورية، وتراوحت أسعار الدفاتر بين 15 إلى 20 ألف ليرة، وقلم الرصاص بألف ليرة، أما الأدوات الهندسية فقد تجاوز سعرها 10 آلاف ليرة، واللباس المدرس وصل إلى 50 ألف ليرة.
وأكد أولياء أمور تحدثنا معهم عجزهم عن تأمين تلك المستلزمات، خاصة بعد تخلى المؤسسات الحكومية عن خدمة التقسيط للوازم المدرسية بالنسبة للموظفين. يقول أبو خليل أب لأربعة أطفال وموظف في معمل الاسمنت بحلب “أنا بحاجة لأضعاف راتبي بعد الزيادة لكي أتمكن من تأمين مستلزمات الأولاد من لباس ودفاتر وقرطاسية بالحدّ الأدنى”، مقدّراً تكلفة الطالب الواحد بنحو 300 ألف ليرة كحد أدنى.
بعيداً عن المواد الأساسية تغرق مدينة حلب بالظلام على حدّ قول هدى، ربّة منزل في حلب، إذ تسبب ارتفاع سعر المحروقات الأخير بإلغاء اشتراك عائلات كثيرة في المدينة بأمبيرات الكهرباء، تقول ” تجاوز سعر الأمبير الواحد، ويكفي فقط للإنارة والتلفاز، في بعض المناطق مبلغ 50 ألف ليرة أسبوعيا بمعدل تشغيل 7 ساعات، و 70 ألف أسبوعا للأمبير الصناعي بمعدل تشغيل 12 ساعة يومياً”.
يعمل زوج هدى موظفاً في الإطفاء ويتقاضى بعد الزيادة نحو 300 ألف ليرة، تقول “خيّرني بين الطعام والأمبير، فألغينا الاشتراك ونعيش أيامناً في العتمة والتقنين”.
وكانت محافظة حلب قد حددت سعر كل ساعة تشغيل بـ 775 ليرة لكل أمبير، لكن مجلس المحافظة عجز عن تطبيق قراره بعد ارتفاع أسعار المحروقات، يقول صاحب مولدة في حي الأشرفية “لم تعد المحروقات مدعومة، ندفع نحو ثلاثة ملايين ليرة ثمناً لبرميل المحروقات الواحد، إضافة لارتفاع قطع الغيار وأجور التصليح والعمال، التسعيرة لا تغطي ربع التكلفة ومجلس المحافظة يعلم ذلك”.
“حتى الأرض ارتفعت أجورها”، يقول المحامي أحمد، إذ ارتفع سعر المواقف المأجورة إلى أكثر من ضعف ما كان عليه “أدفع 700 ليرة عوضاً عن 300 ليرة لكل نصف ساعة وقوف أمام مكتبي، و 1000 عوضاً عن 500 للساعة الواحدة، ما دفعني لترك سيارتي والتنقل بوسائل النقل العامة”.
ترافقت الزيادة بتخفيض الدعم الحكومي الذي أقرته عبر البطاقة الذكية منذ أربعة أعوام، وعلى الرغم من الفساد الكبير الذي رافق وجودها من احتكار للمواد والمحروقات وإيقاف مدراء أفرع وعمال في صالات التوزيع عن العمل بتهم الفساد والسرقة إلا أنها كانت تغطي جزء من احتياجات السكان في المدينة.
يقول أبو عبدو، موظف في مستشفى الجامعة “كانت المواد التموينية عبر البطاقة الذكية توزع على أربع دورات سنوياً باستثناء العام الحالي وزعت مرتين، ولم يحصل كثر من المستحقين على المواد المدعومة، خاصة الزيت والسكر”.
ويمنح كل فرد من أفراد العائلة بموجب البطاقة الذكية مخصصات تموينية بأسعار مخفضة عند بدء العمل بها وفق التالي “2.5 كيلو غرام من الأرز بسعر 1000 ليرة، 2 كيلو سكر بسعر 1000 ليرة، 1كيلو غرام زيت نباتي بسعر14 ألف ليرة”، وأدخلت مواد أخرى إلى البطاقة مثل البصل والمتة وتم حذفها لاحقاً، وحذفت مواد مثل الشاي والحمص قبل أن ترتفع أسعار المواد المدرجة في البطاقة الذكية إلى ما يحاكيها في السوق السوداء بعد تخفيض الدعم عنها بموجب قرار السورية للتجارة والذي نشرته في 26 تموز الماضي لتصبح المستحقات الشهرية وفق التالي:
“جعبتان مياه كبيرة وصغيرة، و1 كيلو غرام لكل مادة من “السكر والرز والعدس المجروش والسمنة”، وليتر 1 زيت نباتي و 5 علب طون، إضافة إلى 10 كيلوغرامات برغل” .
مقارنة أسعار هذه المواد مع ما قبل الزيادة، يظهر أن البطاقة الذكية فقدت أهميتها لأصحاب الدخل المحدود، إذ بلغ سعر جعبة المياه الكبيرة 9900 ليرة سورية والصغيرة 1100 ليرة، كيلو غرام السكر 13 ألف ليرة، كيلو غرام الأرز 20 ألف ليرة، كيلو غرام العدس 16 ألف ليرة، كيلو غرام سمنة 28 ألف ليرة، كيلو غرام برغل 6500 ليرة، لتر الزيت النباتي 20 ألف ليرة، وعلبة الطون 14 ألف ليرة.
وتقترب هذه الأسعار منها في الأسواق المحلية بنحو 90%، باستثناء المازوت المنزلي المدعوم والذي حدد بـ 2000 ليرة للتر الواحد والبنزين بـ 8 آلاف واسطوانة الغاز المنزلي بـ 17 ألف، إن تم توزيعها.
لا تشتري الزيادة المقررة حذاء أو خمسة دفاتر وتقل عن ثمن كيلو غرام واحد من اللحم في الوقت الذي يعيش فيه السكان في مناطق النظام فقراً مدقعاً، يخافون فيه أي زيادة أخرى على الرواتب كي لا يفقدوا رغيف الخبز السلعة الوحيدة التي ما تزال مدعومة حتى اليوم.