يمكن للشخص التجوّل داخل مجرى نهر عفرين سيراً على قدميه دون أن تبتلا بعد أن جفّت مياهه تماماً في مناطق من جنديرس وصولاً إلى النسرية الواقعة على الجدار الحدودي مع تركيا جنوب غربي عفرين، بينما تحوّلت أماكن أخرى يمتد فيها النهر إلى مستنقعات ومجرى للصرف الصحي.
انخفاض منسوب النهر وجفافه في مناطق معينة تسبب بتلف كبير في المحاصيل الزراعية دون استجابة لمناشدات المزارعين والناشطين في إيجاد حلّ لإعادة فتح المياه التي اتهمت تركيا بقطعها عن النهر، وفشل الحلول المؤقتة بري المحاصيل الزراعية عن طريق الآبار الجوفية.
ويرجع من تحدّثنا معهم جفاف نهر عفرين لأسباب عديدة منها قطع المياه من تركيا عن النهر وتوقف ضخ المياه من سد ميدانكي وبحيرته، إضافة لقلة الأمطار وعدم حبس مياهها خلال فصل الشتاء..
وقدّر أحمد وردة، مهندس من أعضاء لجنة الكشف على بنية السدّ عقب زلزال شباط الماضي، نسبة التخزين في السد نهاية الشتاء المنصرم بنحو 40 إلى 50% من السعة التخزينية للسد البالغة 190 مليون متراً مكعباً.
ويقول سليمان محمود، مدير وحدة مياه جنديرس، إن منسوب المياه المخزنة في السد تزيد بـ 20 مليون متر مكعب عنها بين عامي 2014 و 2017.
ينفي مزارعون وسكان من أبناء المنطقة والفيديوهات والصور التي انتشرت من مجرى النهر وتظهر جفافه بالكامل ما ذهب إليه الوردة والمحمود، مؤكدين أن مياه السد لم تصل إلى هذا المستوى من الانخفاض غير المسبوق من قبل.
ويضيف من تحدثنا معهم أن مياه نهر عفرين كانت تحبس في فترة الشتاء وتخصص لري الأراضي صيفاً عبر شبكات ري ممتدة من السد إلى عموم قرى عفرين، ويتسرب الفائض منها إلى نهر عفرين ما يحافظ على جريانه طول أيام السنة واصفين غزارته بالكبيرة، إذ شهدت المناطق الجافة من النهر اليوم عشرات حالات الغرق سابقاً!
أما في العام الحالي فقد تحوّل النهر إلى مستنقعات مياه صرف صحي قبل أن يجف تماماً بالقرب من دير بلوط وسط مخاوف قاطني المناطق المجاورة للنهر من انتشار الأوبئة.
وأشار من التقيناهم أن مياه نهر عفرين لم تحبس في العام الحالي خلال موسم الأمطار، وأن المسؤولين عن ذلك تذرعوا بحجج عديدة، يقول أحدهم أخفينا اسمه خوفاً على سلامته “طوال موسم الشتاء كنا نرى منسوباً مرتفعاً من مياه النهر ما يدلّ على عدم حبسها لملء السد بحجة أن هناك صيانة أو أن هناك مخاوف من بنية السد الذي أهملت صيانته في السنوات الأخيرة”.
ويضيف “السبب الحقيقي يكمن في استخدام مياه النهر لملء سد الريحانية المقام على مجرى نهر عفرين على الجانب التركي من الحدود في عام 2020 و بسعة تخزينية بلغت 900 مليون متر مكعب”.
المهندس أحمد وردة أرجع السبب إلى انخفاض منسوب مياه سد ميدانكي بسبب ضخها إلى مدينة إعزاز مطلع العام الحالي، و الاستهلاك الكبير لمياهه في مشاريع الري لكل من أراضي عفرين وإعزاز.
وأضاف وردة أن “نهر عفرين لا يدخل ضمن اتفاقيات المياه المبرمة بين تركيا وسوريا، كما أن تركيا لا تقيم على مجراه أي سد قبل دخوله الأراضي السورية إلا أن وجود مشاريع زراعية في الداخل التركي غالباً أضعف من معدل جريان المياه فيه”. يناقض هذا الكلام وجود “سد عفرين العلوي” في مدينة كلس التركية والتي أنشئ فيها على مصب النهر سدّاً بسعة 39 مليون متراً مكعباً افتتح في عام 2021.
سكان في عفرين أضافوا أسباباً أخرى منها إنشاء فصيل الحمزات سدّاً تجميعياً صغيراً في قرية برج عبدالو شمال غربي عفرين لري الأراضي الخاضعة لسيطرته، وحبسه لما تبقى من مياه النهر قبل أن يجبر على إعادة فتح السد دون أن يترك ذلك أثراً إيجابياً، إذ ما يزال مجرى النهر جافاً من منطقة تل سلور وصولاً إلى الحدود السورية التركية.
وتحدّث مديرة وحدة مياه جنديرس عن زيادة في حفر الآبار العشوائية من قبل مزارعي المنطقة ما يهدد مخزون المياه الجوفية، يقول “أغلب الآبار حديثة الحفر مخالفة ويتحمل أصحابها غرامات مالية من قبل الضابطة”، لكن من التقيناهم من مزارعين قالوا إنهم يحاولون إنقاذ محاصيلهم التي تعرضت للتلف، خاصة مع عدم وجود حلول من قبل الجهات المسؤولة وتجاهل جميع المناشدات لدعم القطاع الزراعي وفشل المحاولات للتأثير على الحكومة التركية من أجل إعادة فتح النهر.
يقول مصطفى الحمادي مزارع من سكان عفرين حفر بئر مياه في في أرضه ليتمكن من سقايتها “كانت مياه سواقي الري لا تكاد تنقطع ولكن هذا العام بالكاد نراها مرة في الأسبوع وأحياناً مرة في الشهر، انخرب بيت المزارعين في الموسم الصيفي”، وهو ما يفسر زيادة عدد الآبار الجوفية، إذ وصل الحال في أشخاص لحفر أكثر من بئر بتكاليف باهظة بحثاً عن المياه.
ينبع نهر عفرين من جبل اللكام وهضبة عينتاب داخل الأراضي التركية بطول 149 كم منها 85 كم في الأراضي السورية وبغزارة وسطية (8,6) م/ثا، ويرفده نهر الصابون وعدة ينابيع أشهرها قطمة والباسوطة، ويساهم في ري عشرات آلاف الهكتارات في المنطقة. وأيّاً كانت الأسباب وراء جفاف النهر يتحمّل المسؤولون في عفرين ضرورة إيجاد دعم للقطاع الزراعي وإنقاذ أراضي الفلاحين التي تزيد مساحتها عن 92 ألف هكتاراً قبل تلفها ما سيتسبب بخسائر كبيرة لا يمكن تفاديها.