خسر قسم كبير من النحّالة آلاف الخلايا المجهّزة لتربية النحل في إدلب خلال الأسابيع الماضية، وتفاوتت الأسباب بين موجة الحر ورعي النحل في حقول رشّت بمبيدات سامة أدت إلى نفوق أعداد كبيرة منه، يضاف إلى ذلك ضعف الاحتياطات اللازمة وقلّة الخبرة لاتخاذ إجراءات تحافظ على الخلايا، سواء من النحّالة أو المزارعين والجهات المسؤولة.
يختلف النحّالة في تصدير سبب لموت خلايا النحل بين المبيدات السامة وارتفاع درجات الحرارة، يقول محمد العلي، مهجر من قرية الغدفة بريف معرة النعمان، إنّ معظم النحل السرّاح (النحل الذي يخرج من الخلية للرعي) في الخلايا التي يملكها قد تعرض للموت بعد رعيه في حقول رُشّت بمبيدات وصفها بـ “السامة” الأمر الذي ساهم مع ارتفاع درجات الحرارة في موت الخلايا بالكامل.
ويقول محمد جمعة، نحّال وصاحب عيادة بيطرية في بلدة زردنا إن “مسؤولية النحل السّراح في الخلية جلب المياه لتبريدها في درجات الحر، وبموته نتيجة رعيه في حقول مبخوخة بالمبيدات قبيل موجة الحر، جعل الحرارة المرتفعة تفتك بالخلية وتقضي عليها تماماً. لأنها فقدت في البداية جيوش النحل السارح التي وظيفتها جلب الماء وتبريد الخلية”.
الخبرة التي يملكها النحّال محمد جمعة حمت خلايا النحل يملكها من الموت، يقول “أخذت جميع الاحتياطات اللازمة من تأمين المياه للنحل بالقرب منه، إضافة لوضع الخلايا في ظل أشجار الزيتون التي تخفف من تأثير الحر، كذلك ضمان عدم الرعي في الحقول المرشوشة بالمبيدات السامة”.
بينما يرجع البيطري عبد الحكيم حمروش السبب الرئيس في موت خلايا النحل إلى ارتفاع درجات الحرارة، يقول “إن موجات الحر المرتفعة إلى ما يزيد عن 40 درجة مئوية، تتسبب في موت النحل، خاصةً مع غياب الماء البارد وارتفاع حرارة المياه التي يملؤها النحالون في أحواض محفورة في التراب ومعزولة بأكياس من النايلون بالقرب من الخلايا، أو تبخر مياهها في بعض الحالات خاصةً أن هذه الأحواض ذات عمق قليل”.
ويضيف حمروش “جميع تلك الظروف لا تترك للنحل وسيلة لتعديل حرارة الخلية، وبالتالي تذوب المادة الشمعية ويسيل الشمع والعسل داخلها مختلطاً بالحضنة والرحيق، هذا السيلان الذي يحدث في الخلية يسبب دمارها فيفقد النحل السيطرة على الوضع. ويكون أمام الملكة أحد خيارين: هجران الخلية وفي هذه الحالة تخرج الملكة ومعها قسم كبير من النحل وتتوجه إلى مكان معتدل الحرارة، أو البقاء داخلها ما يسبب بتلف الخلية وموت النحل وفي كلتا الحالتين يكون النحّال قد خسر الخلية”.
ويقلل حمروش من أهمية أن يكون رش المبيدات السبب وراء موت النحل بهذا الشكل، يقول: “يستطيع النحل مقاومة درجات الحرارة الخفيفة حتى 35 درجة مئوية، وتعديل حرارة الخلية من خلال المياه وتحريك الأجنحة، أما عند ارتفاع الحرارة بشكل كبير، فإن النحل الحاضن داخل الخلية لا يستطيع تعديل حرارة الخلية لا بواسطة الأجنحة ولا عن طريق نثر الرطوبة والماء ما يؤدي لموت الحضنة داخل الخلية و ذوبان الشمع الذي يعتبر الأساس الحامل للحضنة، وحامل العسل وحبيبات الطلع، ويصل لمرحلة يجري فيها النحل الذائب والعسل داخل الخلية مما يؤدي لغرق النحل وموته”.
ويشرح حمروش أن النحل الحاضن هو النحل حديث الخروج من العيون السداسية بعمر لا يتجاوز أسبوعاً واحداً، وهو نحل يكون ضعيفاً لا يقو على الرعي، بخلاف النحل السارح الذي يزيد عمره عن شهرين ومهمته الرعي وجني حبيبات اللقاح (حبيبات الطلع) والرحيق .
و يمرّ النحل بعدة مراحل، بحسب العمر، من النحل الحاضن الذي يؤدي خدمات ضمن الخلية (خدمات التنظيف، إطعام الحضنة، تحويل الرحيق إلى عسل)، إلى النحل السارح مكتمل النمو الجسدي مع اكتساب القوة والخبرات التي تمكنه من الخروج إلى المرعى والعودة إلى الخلية، وهي عملية مرهقة يقطع فيها النحل مئات الكيلومترات ويتعرض للظروف المناخية المختلفة.
ويرفض عبد الحكيم حمروش تحميل مسؤولية موت النحل الأمر إلى الفلاح والمهندس الزراعي الذي يبيع المبيدات، يقول “الجميع يدرك أهمية الثروة النحلية ودورها في عملية التلقيح و كونها مكملة للثروة الزراعية. معتبراً أن الموت الكثير الذي حصل للنحل ناجم عن العوامل الجوية ودرجات الحرارة المرتفعة”.
ويضيف حمروش ضعف خبرة النحّالة وعدم إدراكهم لمخاطر العوامل الجوية على حياة النحل إلى جملة الأسباب التي تسبب بموت آلاف خلايا النحل في المنطقة. يقول “ترك الخلايا في الشمس وعدم عزلها بطبقات من الخشب أو الكرتون أو أكياس الخيش، تسبب بارتفاع درجات الحرارة وقت الظهيرة إلى ما يزيد عن 50 درجة، وهو ما تسبب بموتها”، مؤكداً على ضرورة عزل الخلايا ونقلها إلى مناطق مظللة في كروم الزيتون أو الأراضي المشجرة المرتفعة وتأمين الغذاء المناسب لها خلال موجة الحر ومنعها من الرعي”.
وقدّر النحالة في إدلب تلف نحو خمسة آلاف خلية خلال الأسابيع الماضية ما دفع عشرات منهم إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة الزراعة والري التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب الخميس الماضي، ورفعوا لافتات كتب عليها ” إلى إخواننا المزارعين سمومكم قتلت مناحلنا”، “الثروة الحيوانية على وشك الانقراض”.
وطالب النحّالة الوزارة بحماية النحل من خلال ضبط المزارعين والصيادلة الزراعيين، وحملوا الوزارة مسؤولية عدم مراقبة المبيدات التي تدخل إلى إدلب، وحثوا الوزارة على استصدار قرارات صارمة تلزم المزارعين التوقف عن بخ المبيدات القاتلة للنحل. وتشكيل لجنة وتكليفها بالكشف على المبيدات المحظور بيعها مثل مبيد اللانيت ويعرف في إدلب باسم “موسوميل” وغيره ومنع بيعها أو استيرادها.
كما طالب المربون أن تُلزم الوزارة المزارعين ببخ المبيدات في المساء للحد من ضرر المبيد على النحل، إضافة لتشكيل نقابة أو جمعية للنحالين تحافظ على حقوقهم وتهتم بحماية النحل في المنطقة.
يتساءل مزارعون عن سبب الضرر في العام الحالي فقط، وخلال الأسبوع الذي ترافق مع موجة الحر المرتفعة لدفع ما ألحق بهم من مسؤولية عن موت النحل، يوافقهم في ذلك عبد الحكيم حمروش والذي قال “لدي نحل في أرضي وأرش فيها المبيدات، وأسمح للنحل بالرعي فيها دون أن تتضرر”.
ويوضح حمروش أن صنفاً واحداً من أصناف المبيدات الحشرية التي يرشها الفلاح تلحق الضرر بالنحل وليس كل المبيدات، فالفلاح يرش المخصبات والمواد العضوية وعناصر صغرى وبورون…الخ، وهذه لها ليس لها أي تأثير على النحل.
أما عن رش المبيدات في ساعات الظهيرة فيقول حمروش “لا يستطيع المزارع بخ المزروعات وقت الظهيرة ومع ارتفاع درجات الحرارة لما سيتركه من أثر على أوراق مزروعاته التي ستحترق في حال رشها وتؤذي موسمه”.
ويقول محمد جمعة إن “هناك مبيدات تؤدي وظيفتها دون إلحاق الضرر بالنحل، عادة ما تكون أغلى بدولار أو دولارين، ويعتمد عليها مزارعون دون أن يلقوا بالاً للضرر الذي سوف يلحق بالنحل ومربيه، أو على الأقل تحديد مواعيد محددة للبخ تحددها الوزارة للمزارعين وأن تفرض عليهم إبلاغ النحّالين الموجودين في المنطقة”.
الخسارة الكبيرة لخلايا النحل نبّهت وزارة الزراعة في حكومة الإنقاذ العاملة في إدلب إلى إصدار تعميم في العشرين من آب الجاري يحث المزارعين على عدم الرش العشوائي للمبيدات وأن تكون عمليات الرش في المساء، وأن يبلغ المزارع النحالين في المنطقة عن موعد الرش ونوع المبيد الذي سيقوم برشه. دون ذكر لأعداد الخلايا التي خسرها المربون مؤخراً.
يوجد في إدلب أنواع عديدة من النحل، منها حديث هجين أوروبي مثل الكارنيكا و الكرنيولي والبريكفاست واللوكوستيكا، إضافة للنحل السوري الحديث، والنحل السوري الزَمر ويسمى أيضا بالنحل البلدي أو العربي.
وتتراوح أسعار الخلايا ما بين 20 إلى 50 دولاراً، وتتمتع الأخيرة بمواصفات عالية مثل العزل والسماكة والتهوية الجيدة وتكليس سقف الخلية باللون الأبيض لعكس أشعة الشمس وتخفيف امتصاص الخلية للحرارة. ما يحد من أضرار الحر ويؤمن بيئة مناسبة للنحل.