ما تزال مشاهد الموت والاختناق عالقة في ذاكرة السوريين الذين يحيون اليوم ذكرى الهجوم الأكبر بغاز السارين على الغوطة الشرقية في 21 آب 2013، والذي راح ضحيته أكثر من 1400 شخص بينهم مئات الأطفال والنساء.
“كنا نايمين لحظة استهداف المكان”، يفيد شهود عن تفاصيل المجزرة، قبل أن يجدوا أنفسهم في مواجهة مع الموت بغاز السارين، عائلات بأكملها قتلت، آخرون فقدوا أفراداً من عائلتهم بعد أن تحوّلوا إلى مسعفين لإنقاذ أحبائهم، راقبوا عن كثب كيف يمكن للإنسان أن ينتزع الهواء بقوة.
وسط هذا الموت الذي رافقه صعوبة في الحصول على العلاج لقلة المواد والكوادر الطبية، وثق عشرات الناشطين والصحفيين ما حدث بمئات الصور ومقاطع الفيديو، لحظات الاستجابة والإسعاف في النقاط الطبية، الموتى، المدافن، الحيوانات النافقة، بقايا الصواريخ، أملاً في عدالة لم تأت حتى هذه اللحظة، إذ لم يف المجتمع الدولي بالتزاماته، ما دفع، قوات النظام، المسؤولة عن الهجوم إلى ارتكاب عشرات الهجمات الأخرى، وطالت مناطق مختلفة في سوريا، من خان شيخون مروراً بكفرزيتا وحلب وصولاً إلى دمشق والغوطة مرات عديدة.
توضح قاعدة بيانات أطلقها الأرشيف السوري وثقت 564 مادة مرتبطة بالهجوم الكيماوي بغاز السارين على الغوطة الشرقية، الأدلة والآثار على استخدام غاز السارين في المكان.
إذ وثقت قاعدة البيانات 327 مادة تحتوي مؤشراً واحداً على الأقل لاستخدام الأسلحة الكيميائية السامة، 56 مادة توثق وجود قوات عسكرية أو أمنية، 38 مادة توثق مكان سقوط الصواريخ، 35 مادة توثق بقايا أسلحة كيميائية، و 7 مواد توثق مركبات وأنظمة أسلحة، 7 مواد توثق إطلاق ذخائر، إضافة لـ 4 مواد توثق لحظة الهجوم.
وأظهرت المواد الموثقة أدلة واضحة لأعراض مرضية تترافق عادة مع استخدام الأسلحة الكيميائية، منها تغير لون الجلد وخروج الزبد من الفم والتشنجات والهلوسة والحدقة الدبوسية، إضافة للمشاكل التنفسية والحكة أو الحرق في الجسم.
منذ بداية استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا صدرت سبعة تقارير من آلية التحقيق المشتركة JIM، وثلاثة تقارير من فريق التحقيق وتحديد الهوية IIT وعدة تقارير من لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا COI، بحسب ما أورده الطبيب محمد كتوب، شاهد على هجوم الغوطة، إضافة لعشرات التقارير من الشبكات السورية والدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، جميعها أدانت النظام بعشرات الضربات الكيماوية.
وأفاد تقرير بعثة الأمم المتحدة عن الهجوم أن الأدلة المتحصل عليها، بما في ذلك بقايا الصواريخ والمكان الذي سقطت به، إضافة للعينات المأخوذة من المصابين، عليها توضح استخدام صواريخ أرض أرض تحوي عامل الأعصاب السارين في عين ترما والمعضمية وزملكا في الغوطة الشرقية، ضد مدنيين بينهم أطفال.
قوبل هذا الكم الهائل من الأدلة والتوثيقات بنفي وإنكار النظام السوري مسؤوليته عن الحادثة واستخدام روسيا حق النقض مرات عديدة لمنع مساءلته.
بعد عشر سنوات على حادثة الغوطة لم تفلح جميع محاولات السوريين بتحقيق شكل من أشكال العدالة المنتظرة، قدّموا لذلك شهاداتهم مرات عديدة، إضافة لآلاف الأدلة.
رغم ذلك ما يزال الأمل بتحقيق المساءلة هدفاً يسعى لتحقيقه السوريين في مختلف أماكنهم، إذ ما تزال التحقيقات الجنائية في الهجوم على الغوطة الشرقية مفتوحة في كل من فرنسا وألمانيا والسويد، مدفوعة بشكاوى مقدمة من منظمات سورية.