تزايدت، بشكل لافت، أعداد برادات تخزين الخضار والفاكهة في إدلب، خلال الأشهر الأخيرة بعد أن أعيد تفعيل وحدات التبريد القديمة وإنشاء أخرى جديدة. توفر الكهرباء في شمال غربي سوريا عبر الشركات التركية ووفرة المحاصيل المرافق لقلة التصدير كان السبب الأهم، بحسب من تحدثنا معهم من أصحاب برادات، لتوجههم نحو تخزين ثمارهم أملاً في تحقيق أرباح جيدة أو تجنباً للخسارة.
يقول سامر يسوف، مالك إحدى وحدات الخزن والتبريد في بلدة زردنا شمالي إدلب إن “وحدات الخزن والتبريد كانت شبه متوقفة في السنوات الخمس الأخيرة، بسبب غياب قطع الصيانة وغياب الكهرباء الذي فرض على أصحاب وحدات الخزن القديمة الاعتماد على مولدات الكهرباء التي تعمل على الديزل في منشآتهم، ما حال دون تخزين الثمار بسبب التكلفة العالية، الأمر الذي أدى إلى توقف برادات كثيرة عن العمل”.
عودة الكهرباء أعادت الضخّ إلى وحدات التبريد القديمة، وشجّعت مستثمرون على إنشاء وحدات تبريد جديدة، وبسعة كبيرة وصلت طاقتها الاستيعابية لنحو ألف طن.
يقول المهندس الزراعي إياد يسوف “وفّرت الكهرباء، إضافة إلى نظافتها، الراحة لمشغل البراد مقارنة بمولدات الديزل المستخدمة في فترات سابقة، و تقدم الكهرباء إمكانية التحكم بتشغيل الغرف، إذ يستطيع صاحب البراد تشغيل غرفة من غرف التبريد وإيقاف أخرى، ما يقلل من التكلفة، بخلاف مولدات الديزل التي تستهلك كميات من الوقود لن تختلف كثيراً أيّاً كان عدد غرف البراد المشغلة.”
تزامن إنشاء هذه البرادات مع وفرة كميات الخضار والثمار المحلية في السوق وجاء ذلك نتيجة لري المحاصيل عبر الآبار الجوفية التي زاد عددها هي الأخرى في المنطقة وقلّت تكلفة استخراجها بسبب الاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية بضخ مياهها.
يقول سامر إن وفرة الإنتاج خفّضت من سعر المحاصيل المعتمد على قانون العرض والطلب، وهو ما دفع مزارعون وتجار لتخزينها عوضاً عن طرح كامل الكمية في السوق أملاً في تحسّن أسعارها، الأمر الذي دفع أصحاب أراض زراعية أيضاً لبناء براداتهم الخاصة بعد تعذّر إيجاد مكان لثمارهم نتيجة الإقبال الكبير على التخزين.
يقول عبد الله عثمان، مزارع في زردنا، “لم أستطع توفير مكان لمحصول البطاطا خاصتي في إحدى وحدات التبريد، ولا أريد بيعه بسعر ليس مرضياً، فحوّلت مستودعاً أملكه إلى براد بغرفتين، إحداهما بسعة 50 طناً والأخرى بسعة 80 طناً”.
حال المزارع العثمان تتطابق إلى حد كبير مع حال مزارعين اشتكوا من خسارات كبيرة رافقتهم خلال السنوات الماضية، يشرح ذلك المهندس إياد بمثال عن محصول البطاطا، يقول “تباع البطاطا اليوم في الأسواق بنحو ليرتين تركيتين، وهو سعر سيتسبب بخسارة المزارع في حال بيع محصوله، لذلك يلجأ إلى تخزينها ودفع ليرتين أخريين لوحدات التبريد عن كل كيلو غرام، وبيعها بعد أشهر بأسعار تصل لنحو ثمان أو عشر ليرات بعد انتهاء الموسم أو أملاً بفتح طرق لتصديرها”، واعتبر اليسوف في وحدات الخزن والتبريد “فرصة لانتشال المزارع من الخسارة”.
وتعتبر ثمار البطاطا والبصل والرمان أكثر المحاصيل المخزّنة في وحدات التبريد، بحسب سامر.
المهندس اليسوف حدد فترة التخزين الإقتصادية بثلاثة أشهر، وقال إن مدة التخزين تأتي بالاتفاق بين المزارع وصاحب البراد، ويدفع صاحب الموسم كامل المبلغ للمدة المتفق عليها حتى وإن باع محصوله قبل انتهائها.
وتختلف فترات التخزين، بحسب المادة المخزنة والغرض من التخزين، بحسب اليسوف، يقول ” تُخزن بطاطا الترييح لمدة شهر (تخزين موسم البطاطا الرَبعية ريثما يحين موعد زراعة البطاطا التشرينية، والموسم الربعي يزرع خصيصاً لإنتاج البذار للموسم التشريني)، وتحفظ أيضاً من أجل البيع لمدة ثلاثة أشهر، أما الموز فيخزن حتى ينضج ويكتمل نموه، و يخزن التفاح لمدة ثلاثة أشهر والبصل لنحو ستة أشهر”.
ويضيف “يتم الاتفاق على الأجر بين صاحب الثمار وصاحب البراد بحسب الكمية المخزنة بالطن، وبحسب الفترة المتفق عليها، إذ تصل أجرة طن البطاطا المخزن للترييح إلى 18 دولاراً، والطن المخزن للبيع إلى 25 دولاراً”.
ويحتاج كل صنف من الثمار إلى درجة حرارة معينة، يحددها نوع الصنف والغرض من تخزينه، إذ تحتاج بطاطا التسويق إلى درجة برودة من ثلاث إلى خمس درجات، وبطاطا التربيح من ثمان إلى عشر درجات، التفاح من صفر إلى ثلاث درجات، والرمان من ثلاث إلى أربع درجات، والبصل من صفر إلى درجتين، بحسب سامر مالك وحدة خزن وتبريد في زردنا.
لا توجد إحصائية دقيقة لعدد البرادات في المنطقة، لكنّ بلدة زردنا وحدها والتي تضم نحو 20 ألف نسمة، تملك سبع وحدات للخزن والتبريد، بعضها قديمة أعيد تفعيلها وأخرى أنشئت حديثاً.
ويختلف نوع البرادات، إذ أنشئ قسم منها كبراد في الأصل، أما الأخرى فكانت عبارة عن مستودعات عزلت بمادة الفلين وقطعت جدرانها لحجز درجة حرارة الغرفة ومنع تسرب البرودة الذي يتسبب بعفونة المحاصيل الخزنة، إضافة لضمان حصول المنتج على درجة الحرارة المناسبة تلافياً لانتشار الأمراض الفطرية وتثبيط نموها.
ويستخدم صانعو البرادات في عزلها ألواحاً من الفلين توضع بين جدارين، الأول يكون من حجر مصقول بطبقة خشنة من الاسمنت ثم توضع طبقة الفلين بسماكة لا تقل عن 10 سم ثم جدار ثاني من القرميد بسماكة 10 سم، يتم تشبيكه وصقله بطبقة ناعمة من الزريقة فتكون الجدران سميكة.
في البرادات الحديثة تطلى الجدران بالإسفلت، بحسب إياد يسوف الذي قال ” هذه الطريقة أعطت نتائج ممتازة في العزل الحراري. غرفة البراد مغلقة تماماً لا تحتوي نوافذ، وباب البراد معزول جيداً وذو جودة عالية كي لا تتسرب البرودة”. ويحتوي جهاز التبريد على محرك مزود بضواغط تضخ الغاز إلى المبخرات الموجودة داخل غرفة التبريد، وينشر فيها عبر مراوح ثنائية أو ثلاثية أو سداسية.
تعتمد عملية التبريد على الغاز المحقون بالضواغط، وتعمل المحركات على ضخه عبر أنابيب معزولة بشكل جيد منهاً للتسريب، ويحتوي البراد على أجهزة استشعار للتنبيه عن أي تسريب يحصل، وبعد ضخ الغاز إلى المبخرات تقوم بنشره داخل الغرفة وفي عملية التبريد تكون المبخرات في الأعلى وتضخ الهواء إلى الأمام والجهة المقابلة للغرفة في حركة دائرية مستمرة، وتوضع طابليات تحت المواد المخزنة لتؤدي وظائف العزل وتسمح بمرور الهواء البارد لضمان نجاح دورة التبريد”.
مساحات غرف التبريد تختلف بين وحدة وأخرى، وتتراوح سعتها بين 50 إلى 1000 طن، وتختلف تكلفة البراد باختلاف أنواع الضواغط التي تتراوح أسعارها بين 1000 إلى 2000 دولار، وترتبط التكلفة أيضاً بسعة الغرفة فغرفة بسعة 50 إلى 70 طناً تحتاج إلى ضواغط لا يقل سعرها 1500 دولار وهناك ضواغط مستعملة وعند استخدام ضواغط مستعملة تنخفض التكلفة أو سعر الضاغط إلى نصف التكلفة.
تنشط في إدلب برادات تخزين ثمار الخضار والفاكهة وتزيد أعدادها، برادات متوقفة يعاد تفعيلها، وأخرى كانت تعمل بشكل جزئي أصبحت تعمل بكامل طاقتها، مستودعات تحولت إلى برادات، وأخرى يعمل أصحابها على توسيعها، بينما ينشئ مستثمرون برادات جديدة لاستيعاب كميات المحاصيل في المنطقة، ما سيحقق، إن تحسن السعر، أرباحاً للمزارعين وتشجيعهم على زراعة محاصيل جديدة، وتأمين الثمار في فصول مختلفة من السنة.