تتنوع المشاريع النسائية الخاصة في إدلب وتطرق باب كل مهنة، من المشغولات اليدوية والتطريز والخياطة إلى صناعة الشموع والهدايا والدخول إلى عالم التصميم والرسم، وغيرها من المشاريع الصغيرة التي فرضتها الظروف، إذ ترغب السيدات بالعمل داخل المنزل لتحقيق نوع من التوازن بين عملهن ورعايتهن لأطفالهن، إضافة لتحقيق مكاسب مالية تعينهن على الحياة برأس مال متواضع، إن تأمن السوق المناسب لتصريف منتجاتهن، وهو العقبة الأكبر التي تواجههن.
تنتج نهى الخطيب، 28 عاماً مهجرة من مدينة كفرنبل، ضمن مشروعها الخاص الذي افتتحته أشكالاً عديدة من الإكسسوارات والمشغولات اليدوية المصنوعة بمادة (الريزن)، وهي نظام مكون من عنصرين، مادة الريزن السائلة وسائل مقوي. يحدث عن طريق الخلط بينهما بفاعلاً كيميائياً يحول الريزن السائل إلى بلاستيك صلب.
دراسة الخطيب في كلية طب الأسنان بجامعة إدلب، وتربية أطفالها ورعاية منزلها لم يمنعها من إكمال مشروعها الخاص بفن الريزن، تقول “بعد عمليات بحث ومتابعة لأكثر من خمس سنوات ومشاهدة برامج خاصة ومعرفة المواد اللازمة لفن الريزن و تأمينها من تركيا والكثير من التجارب غير الناجحة والتي تسببت بخسارات كبيرة، أتقنت العمل وبدأت بتطوير مشروعي الخاص”.
ويحتاج العمل بهذا النوع من الفنون إلى “ايبوكسي ريزن -قوالب سيليكون -ألوان -ورق ذهب وفضة- أحجار كريستال -مثقاب -سلاسل -جهاز حف وسنفرة -كؤوس للخلط -ميزان”، وتستغرق صناعة القطعة الواحدة بين ساعة إلى ثلاث ساعات، وتتراوح أسعارها بين دولار واحد إلى 27 دولار، يحدد ذلك نوع القطعة وصعوبة عملها إضافة للمواد التي تحتاجها.
تصنع الخطيب اليوم “إكسسوارات مختلفة وستاندات للخطوبة والزواج، إضافة للصواني والمضايف وميداليات بأسماء حسب الرغبة”، بحسب ما روت لنا، وتضيف “أن العمل في هذا المجال متعة لما يحمله من أبواب تطوير واسعة يلعب فيها الخيال والذوق دوراً هاماً في إنتاج أنواع وأشكال جديدة من المنتجات”.
لا تجد نهى صعوبة في تسويق منتجات مشروعها الخاص، تقول إنها تعتمد على التسويق الإلكتروني عبر وسائل التواصل الإجتماعي إضافة إلى التعاقد مع محلّات الهدايا لتصريف أعمالها.
لا تنطبق سهولة التسويق عند نهى على شام، 19 عاماً، إذ تجد صعوبة في تسويق الشموع التي تصنعها ضمن مشروعها الخاص، تقول “لم أتعاقد مع محلّات تجارية واعتمد على نشر شموعي وبيعها على وسائل التواصل الإجتماعي بأرباح قليلة لا تتجاوز خمس ليرات تركية، ومع ذلك فالبيع ضعيف عليها”.
وتصنع شام الشموع المعطرة بالقهوة والياسمين والعديد من الأنواع الأخرى التي تناسب جميع الأذواق، يدفعها “الشغف وتأمين دخل يعينها على تأمين الاحتياجات اليومية”، بحسب قولها.
تروي شام أن فكرة المشروع بدأت عن طريق وسائل التواصل التي أتاحت لها مشاهدة الكثير من الأعمال الفنية والحرفية التي يمكن صناعتها داخل المنزل ما دفعها إلى التفكير بالمشروع وتنفيذه، تقول “خضعت لتدريبات مأجورة عن طريق الإنترنت لتعلم مبادئ صناعة الشموع استمرت نحو ثمانية أشهر ، ظننت الأمر سهلاً في البداية وتبين لي أن لكل مهنة أسرار ومبادئ تحتاج للوقت لإتقانها وتطويرها”.
العقبة الأكبر التي واجهت شام كانت بتأمين المواد اللازمة لصناعة الشموع وعدم توفرها في إدلب ما دفعها لشرائها من تركيا، وهو ما يضيف تكاليف جديدة على منتجاتها، إضافة لغلاء أسعار القوالب اللازمة.
وتتقن شام صناعة الشموع على شكل أحرف أو أسماء بناء على طلب الزبائن، إضافة إلى صنعها بأشكال معينة مثل الورد والحيوانات وقطع الحلوى وغيرها الكثير من الأشكال.
إضافة لضعف التسويق وغلاء تكاليف الشحن للمواد غير المتوفرة في إدلب تشكو ضحى، 23عاماً، من ارتفاع تكاليف الطباعة الحرارية وضعف جودة الألوان المتوفرة في إدلب لمشروعها الذي بدأته كمصممة جرافيك في إدلب.
تدرس ضحى في كلية التربية بجامعة إدلب لكن طموحها بإنشاء مشروع خاص في المجال الذي تحبه دفعها للخضوع إلى تدريب “جرافيك ديزاين” أطلقته منظمة بنفسج، تمكنت في نهايته من الحصول على منحة تتضمن “أدوات التصميم”، وهو ما ساعدها بالبدء بإنشاء مشروعها الخاص بتصاميم جرافيك ديزاين مثل “الهوية البصرية واللوغو وبطاقات العمل” قبل أن تنتقل إلى تصميم الحفلات من فيديوهات تهنئة وأعياد ميلاد وخطوبة وزواج وغيرها من التصاميم التي سوّقتها من خلال إنشاء صفحة خاصة بها على وسائل التواصل الاجتماعي.
للخياطة والتطريز في مشاريع النساء السوريات حضور دائم، أضافت بعضهن لهذه المهنة لمسات تميزن بها عن غيرهن ونجحن في تسويقها.
رغد، 20 عاماً مهجرة من مدينة سراقب، إحدى السيدات اللواتي أضفن للأقمشة لمسة خاصة عبر التطريز بخيوط مميزة توافقت مع أذواق الزبائن اللواتي بتن يقصدنها لهذا السبب.
بعيداً عن الخيوط المميزة أعادت رغد إحياء التطريز على الإطارات الخشبية، وهي حياكة قديمة كانت الجدات تطرزنها وتزين بها منازلهن، ليعود هذا الفن مجدداً على أيدي رغد ويحتل جدران منازل ومناسبات في إدلب.
تقول رغد إن التطريز على الإطارات الخشبية لاقى رواجاً في أسواق مدينة إدلب، وتضيف “لا يحتاج هذا العمل سوى إلى طارة خشبية ومقص وإبرة وبعض الخيوط التي تختار ألوانها بناء على طلب الزبائن”. وأضافت رغد أخيراً إلى مشروعها الخاص تطريز الأسماء على الملابس وعباءات التخرج، والآيات القرآنية وبعض الجمل وأسماء الأزواج.
وتختلف الأسعار، بحسب كل قطعة، فالإطارات الخشبية المطرزة بأسماء الأطفال يصل ثمنها إلى عشرة دولارات أمريكية، حسب أنواع الخيوط، إذ يبلغ سعر لفة الخيط العادي نحو دولار وربع الدولار، أما المخصصة لحفلات الزفاف فيصل ثمنها إلى ثلاثين دولاراً أمريكياً، بسبب استعمال خيوط من القصب النادر ومرتفع الثمن.
الرغبة في التجديد وتوثيق المناسبة دافع الزبائن لشراء المشغولات اليدوية، تقول رنا، سيدة في مدينة إدلب، إنها اشترت طارة خشبية وثقت عليها تاريخ ولادة طفلها الأول واسمه، بألوان ورسومات متناسقة.
أما عبير فوجدت ضالتها خلال بحثها عن هدية غير مألوفة بشمعة على شكل اسم صديقتها صاحبة المناسبة، وأضافت لها كتابات مميزة على لوحة من الريزن.
وبالعودة إلى تسويق المنتجات، العائق الأكبر أمام هذه المشاريع الحرفية، تعتمد السيدات على طرق مختلفة للتحايل على قلة البيع ووصول منتجهم إلى الزبائن ودفعهم لشرائه، تقول شيماء هلال 32 عاماً من مدينة إعزاز إنها تسوق لمشروعها الخاص ببيع الحجابات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها ابتكرت فكرة أخرى بارتداء أنواع مميزة من الحجابات التي تبيعها كل مرة تذهب فيها إلى الجامعة أو السوق، ما جذب طالبات وسيدات لسؤالها عن مصدره وشرائه منها.
وتشكل المعارض مكاناً لبيع المنتجات المشغولة خلال ورشات التدريب أو خارجها، ومنها معرض “حوا للأشغال اليدوية” الذي أقيم في مدينة إدلب بمشاركة عدد كبير من زوجات الشهداء والمعتقلين إضافة إلى الطالبات الجامعيات.
ويقول نور عز الدين، أحد المشرفين على المعرض “يتضمن المعرض أكثر من سبع ورشات في مختلف المجالات من الفسيفساء والشمع والريزن والحياكة والتطريز وغيرها، ويبلغ عدد النساء المشاركات نحو ثلاثين سيدة، والعدد في ازدياد، بحسب التوصيات من قبل الزبائن”.
“ما يميز معرض حوا أنه مستمر وليس مؤقت”، بحسب عز الدين الذي قال إن القائمين عليه يسعون لافتتاح معارض أخرى في كل من إعزاز ودركوش وجسر الشغور وجرابلس و عفرين إضافة لتركيا.
تشكل المشاريع الصغيرة عصب الاقتصاد في الشمال السوري نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة التي تحول دون إنشاء مشاريع كبيرة، وتمثل النساء الركن الأساسي في هذه المشاريع بما تنتجنه من مشغولات يدوية وإكسسوارات وثياب مطرزة، إضافة لمشاريع أخرى في حياكة الصوف وورش الخياطة والألبان والأجبان والمؤن، والدخول في مهارات التصميم و الجرافيك والطباعة والرسم، متغلبات على انشغالهن الدائم بتربية ورعاية أطفالهن ومنازلهن، ما يتطلب دعم هذه المشاريع من قبل المنظمات لتمكينها والحفاظ عليها.