بدأ مزارعون في الشمال السوري قبل أيام، حصاد محصول حبة البركة أو ما تُعرف بـ “الحبة السودا”، ووصف الإنتاج بالمتوسط هذا العام، فضلاً عن تحديات واجهها الفلاحون طوال موسم زراعتها، ما يُهدّد بتعرّضهم لخسائر كبيرة، إن لم يرتفع سعرها في الأيام القادمة.
ترافق التحديات زراعة حبة البركة، منذ بذارها إلى حصادها وصولاً إلى تصريفها، إذ يصفها الفلاحون بـ “الزراعة المحفوفة بالمخاطر؛، ما يدفع كثير منهم إلى تجنبها في دورتهم الزراعية.
تبدأ زراعة حبة البركة، اعتباراً من كانون الأول حتى كانون الثاني، ويحتاج كل دونم من كيلو ونصف إلى 2 كيلو من البذار، ويخلط معها سماد مركب، إذ يحتاج كل هكتار إلى ثلاث أكياس من السماد المركب، وزن كل منها 50 كيلو غرام، وبعد مدة تتراوح من 30-40 يوماً، تبدأ البذور بالإنبات، حيث يُضاف لها السماد الربيعي (اليوريا 46) خلال شهر شباط، لتبدأ بعدها مرحلة التعشيب مرة أو مرتين حسب الحاجة.
بعد عملية التعشيب ورش الأسمدة لحبة البركة، تبدأ مرحلة مراقبة الأرض، ومعالجة الإصابات الفطرية والحشرية إن وجدت. يقول حسين العلي، مهندس زراعي في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، إن “زراعة حبة البركة مرهقة ومكلفة، ويجب على المزارع مكافحة الفطريات والحشرات بشكل مستمر وسريع، إضافة إلى غلاء الأسمدة والأدوية، وتصل تكلفة الدونم الواحد إلى نحو 75 دولار، عدا تكلفة إيجار الأرض والعمال”.
ويضيف العلي الذي زرع هذا العام حبة البركة، لكنه صدم بـ إنتاجها الذي وصفه بـ “دون المتوسط”، يقول: “يمكن زراعة حبة البركة بشكل مروي لتكون الفائدة أكبر، حيث يصل إنتاج الهكتار الواحد، من طن حتى طن ونصف الطن، ويمكن زراعتها بعلياً، ويكون الإنتاج أقل، بحيث لا يتجاوز متوسط الإنتاج 800 كيلوغرام”.
إنتاج حبة البركة هذا العام كان “دون المأمول”، إذ تراوح بين 60 – 70 كيلو غرام للدونم الواحد، ووصل الإنتاج لدى بعض الفلاحين إلى 200 كيلو، بحسب ما أفاد المهندس الزراعي موسى البكر، والذي أشرف على زراعة حبة البركة في ريف إدلب.
وأرجع البكر قلة الإنتاج إلى عدة أسباب أبرزها، إصابة نبات حبة البركة بالأمراض الفطرية، إضافة إلى دودة الآفة الحشرية التي ضربت البذور، كما أن تقلبات الجو وقلة الأمطار أثرت جداً على المزارعين، لأنها تخلق بيئة مناسبة لنمو الأمراض الفطرية، وبالتالي من أهمل أرضه ولم يعمل على مكافحتها، انخفض الإنتاج لديه بشكل كبير”.
وكان متوسط الأمطار في مناطق الشمال السوري هذا العام قد تراجع إلى 290 ملم فقط، من أصل المعدل العام المفترض لزيادة إنتاج حبة البركة، وهو 498 ملم، بحسب البكر الذي قال إن الإنتاج يتفاوت الإنتاج من أرض إلى أخرى، بحسب كمية الأمطار الهاطلة، ونوعية الأسمدة المستخدمة، وطبيعة الأرض بعلية أو مروية، والدورة الزراعية التي سبقت زراعة حبة البركة في الأرض ذاتها.
ضعف الإنتاج والتكلفة العالية اصطدم هذا العام أيضاً بتقلب الأسعار، إذ وصل سعر الطن الواحد إلى 3 آلاف دولار في الموسم قبل الماضي، لكن المزارعين تفاجؤوا بانخفاض سعر الطن إلى 900 دولار فقط في العام الماضي، ما سبّب لهم خسائر فادحة.
في العام الحالي وصل سعر الطن حتى الآن إلى 1900 دولاراً، ويعزو المهندس الزراعي حسين العلي، تقلّب الأسعار إلى مسألة العرض والطلب، ففي الموسم قبل الماضي ارتفع سعر الطن بشكل كبير، بسبب نقص كمياته في السوق وزيادة الطلب عليه، ما شجّع أغلب الفلاحين على زراعة حبة البركة الموسم الماضي طمعاً في الأرباح.
لكن الفلاحين تعرضوا لخسائر كبيرة، بسبب زيادة الكميات في السوق وصعوبة تصريفها، حيث انخفض السعر إلى 800-900 دولار للطن الواحد، لذلك عزف أغلب الفلاحين عن زراعة حبة البركة هذا الموسم، وهو ما يفسر ارتفاع سعرها مجدداً، حيث توقع العلي أن يصل سعر الطن إلى 2500 دولاراً، موضحاً أن عدم استقرار سعر حبة البركة قد يلحق خسائر فادحة بالمزارعين، وفي حال تحسن السعر قد يحقق أرباحاً ضئيلة.
يباع إنتاج حبة البركة للتجار الذين يقومون بتصديرها خارج سوريا، لكن ونتيجة قلة كمياتها هذا العام، فلن يتم تصديرها، بل سيتم بيعها في الأسواق المحلية، حيث يُباع الكيلو بـ 2 دولار، بحسب من تحدثنا معهم من تجار.
و تتطلب حبة البركة شروطاً معينة لنجاح زراعتها، يعددها عدي الخطيب، مزارع في سهل الروج بريف إدلب، بـ “الالتزام بكميات البذار حسب المساحة المتاحة، والرش بالمبيدات والأدوية بشكل وقائي، عوضاً من الاكتفاء بالرش فقط في حال حدوث أي مشاكل فطرية أو حشرية، إضافةً إلى ضرورة اقتلاع كل النباتات الغريبة التي تنبت بجانب حبة البركة”.
ويضيف الخطيب، “يجب الانتباه إلى عدم زراعة حبة البركة في الأراضي الرطبة، كونها ستشكل بيئة مناسبة لنمو الأمراض وتكاثر الفطريات، مشيراً إلى ضرورة الالتزام بوقت الحصاد والذي يكون في بداية حزيران”.
تحصد حبة البركة يدوياً، ويلجأ لهذه الطريقة لاستخراج التبن منها، أو عن طريق الحصادة، حيث تُجمع بأكياس بعد غربلتها جيداً، ومن ثم تُباع في الأسواق.
وتدخل “حبة السودا” في صناعة الأطعمة والحلويات، إضافة إلى فوائدها العلاجية الكثيرة، سواءً عند تناولها كحب أو الاستفادة من زيتها، حيث تساعد على خسارة الوزن الزائد ونمو الشعر وتقوية المناعة، وعلاج أمراض الجهاز التنفسي والنفخة والغازات والسعال والتهابات المفاصل.