التقاط اللحظات السعيدة خاصة في حفلات الزفاف والتخرج يشكّل العلاقة الأهم بين ممتهنات التصوير وسيدات في الشمال السوري، ويربط بين توثيق اللحظة بتفاصيلها الدقيقة لتخليدها، كما تقلن، وما تضيفه المصورات من مؤثرات ولمسات ضوئية تمنح الحياة لهذه اللحظات للعودة إليها دائماً.
وتشكل مهنة التصوير الفوتوغرافي رابطاً بين المصورة وعدسة الكاميرا لاستشعار اللحظة المناسبة لالتقاط الصورة، ومعرفتها بأساليب التصوير وتقنياته، وهو ما يدفع سيدات إلى اعتمادهن لتصوير المناسبات ويشكل الفارق بين مصورة وأخرى.
تقول ياسمين المحمد، مقيمة في مدينة إدلب، إنها اضطرت لتأجيل موعد زفافها ليتوافق مع مواعيد مصورة أعراس تصفها بـ “الموهوبة”، وتتميز عن غيرها بما تضيفه من مؤثرات تمنح الصور “حياة”، على حد قولها.
وتضيف ياسمين “هي حفلة زواجي، بدي وثق كل لحظة فيها، ما في أحلى من أني صوري تكون بدقة عالية وكون فيها مميزة”.
الهواية والشغف، الركيزتان الأساسيتان لانتشار مهنة التصوير بين النساء في الشمال السوري، إلّا أن أسباباً أخرى ساهمت في زيادة عدد المصورات أهمها الحاجة إلى العمل وقلة فرصه، إضافة لطبيعة المجتمع الذي يفرض وجود مصورات نساء في الحفلات الخاصة.
تقول سارة المحمود، مصورة في مدينة إدلب، إنها بدأت بعملها كهواية، قبل أن تحترف مهنة التصوير منذ خمس سنوات.
وتضيف أنها اضطرت لنقل مكان سكنها من سلقين إلى مدينة إدلب بعد أن زاد الإقبال على تصوير الأعراس والمناسبات الخاصة، والذي وصفته بـ “الكبير”، خلال السنتين الأخيرتين، كما أنها وسّعت من عملها بشراء كاميرات ومعدات تصوير حديثة.
فاطمة المحمد، مصورة في مدينة عفرين، قالت إنها اختارت هذه المهنة لتعيل أفراد عائلتها بعد وفاة والدها، وإنها بداية كانت تعتمد على المعارف والأصدقاء في الحصول على الزبائن، قبل أن يتوسع عملها.
الأدوات والإكسسوارات الخاصة بحفلات الزفاف، مثل “ستاندات المحابس وباقات الورد والعبارات المكتوبة”، أكثر ما يطلب من فاطمة على حد قولها، وهو ما أضافته لتزيد من إقبال الراغبات بالتصوير على عملها.
ويبلغ متوسط سعر جلسة التصوير التي تمتد لساعتين نحو 25 دولاراً، بحسب المصورة سارة، والتي تزيد أو تنقص بحسب المكان والساعات المطلوبة، تقول سارة “أحياناً تطلب السيدة وجود المصورة معها قبل خروجها من منزل والدها، وعند مصففة الشعر، إضافة لصالة الزفاف، وهو ما يفرض أجوراً أعلى لكل تفصيل”.
تقلّ التكلفة عند مصورات أخرى بحسب المنطقة، إذ تتقاضى نسرين، مصورة في مدينة الباب شرقي حلب، نحو 20 دولاراً على جلسة التصوير، شأنها شأن فاطمة التي حددت سعر الجلسة بالمبلغ ذاته.
ترى من تحدثنا معهن من مصورات أن ما تتقاضينه من أجور “قليل” ولا يتناسب مع حجم الجهد والتكاليف التي تدفعنها، لكنّ ظروف المعيشة في المنطقة تفرض عليهن القبول بذلك.
تتراوح أسعار الكاميرات من النوع المتوسط بين 800 إلى 1000 دولار، إضافة لأسعار العدسات وغيرها من المؤثرات وأجور الطريق للوصول إلى المكان، هذا إن استثنينا الوقوف لساعات طويلة وعمليات المونتاج والاصطدام مع أذواق السيدات اللواتي توجهن الانتقادات وتطلبن أشياء لا يمكن تحقيقها أو تعديلها، والأهم من ذلك رفض كثر من العائلات لجلسات التصوير لاعتبارات تتعلق بالثقة والخوف من تسربها، ولأسباب اجتماعية ودينية أخرى.
وتجمل المصورة نسرين أهم ما تواجهه من صعوبات في عملها بـ “النقد الاجتماعي الذي واجهته في البداية، والخوف وانعدام الثقة، وتكلفة المعدّات”، إضافة لصعوبات تقنية منها “اختيار أغنيات تتناسب مع ذوق العروس، وعدم الانتظام في الحفلات لأخذ اللقطة في اللحظة المناسبة”، كذلك “النق”، وهي كلمة عامية تعبر عن عدم الرضا، من قبل الموجودات في الحفلة واللواتي تتدخلن في عمل المصورات.
يزيد عند المصورة فاطمة مشكلة أخرى أهمها التنقل إلى مناطق مختلفة في ظل غياب خدمة تكسي الأجرة خارج المدينة، وهو ما يدفعها لدفع تكاليف إضافية لاستئجار سيارة تقلها ما يضطرها لرفع أجرة التصوير إلى ثلاثين دولاراً، الأمر الذي يعيق اتفاقات كثيرة مع سيدات تقصدنها.
وتضيف فاطمة “مطالبة أصحاب الحفلة للمصورة بنتائج جلسات التصوير بسرعة عائق آخر، ما يدفعني لتكثيف ساعات العمل، والتحايل على التعديلات عبر برنامج الفوتوشوب أو برامج أخرى، أضطر لشرائها”.
وتقول أريج، سيدة في ريف إدلب، إن خطيبها عارض فكرة تصوير حفل زفافهما مطلقاً، حفاظاً على الخصوصية، وإنها لم تكن راضية لكنها اصطدمت بقراره الذي وافقه عليها أهلها.
المصورات وجدن حلّاً لتعزيز الأمان والثقة عند العائلات بمطالبتهم شراء “كرت ذاكرة” لتصوير المناسبة وإعادته لهم بعد الانتهاء من جلسات التصوير، تقول سارة إن “هذه الطريقة أكثر أمنا لها ولزبائنها” خوفاً من تحميلها لوم أي مشكلة تقع بانتشار هذه الصور. كذلك ” اشتريت طابعة خاصة لتحميض الصور والحفاظ عليها من الحذف، إذ تختار العروس مثلاً صوراً محددة أقوم بطباعتها بتكاليف إضافية لا تدخل في جلسة التصوير”.
وتنتظم نساء في الشمال السوري بدورات لتأهيلهن كمصورات، يقول المصور عارف وتد، يعمل مدرّب في التصوير الفوتوغرافي، “هناك انتشار كبير للصور الفوتوغرافية على السوشيال ميديا نتيجة وجود الموهبة لدى الشباب ما يدفعهم للقيام بتدريبات تطور مواهبهم”.
ويضيف أن “عدد المستفيدين في كل دورة نحو 15 شخصاً بين ذكور وإناث يتمكنون في نهاية الدورة من أساسيات التصوير الفوتوغرافي والتغذية البصرية ومعرفة استخدام الكاميرا والصورة، متى يتم التقاطها، ضبط مثلث التعريض الضوئي وإتقان العمل بالكاميرا بشكل كبير”، مبرراً سبب الإقبال عليها للعمل في مجال التصوير سواء الحفلات الخاصة أو العمل في مجالات أخرى.
تصطدم سيدات في الشمال السوري بقلة فرص العمل، وتحاولن في كل مرّة إثبات أنفسهن لتدخلن في مجالات أخرى تختلف عن الصورة النمطية وتتحملن في سبيل ذلك صعوبات وعوائق اجتماعية ومادية كبيرة.