تعرَّضَ محمود شوكان قبل أيام لعملية سلب من قبل أشخاص ملثمين، أثناء سيره على دراجته النارية في الطريق الواصل بين بلدتي إرشاف وتلالين بريف حلب الشمالي، وهو طريق فرعي مفروش بالحصى، مخصص لسير الآليات الزراعية، ويقصده بعض المارة من الأهالي لاختصار مسافات الطرقات الرئيسية الطويلة.
ينحدر شوكان من قرية سندف (أو اليمامة)، ويعمل مكنسياناً لمحركات ضخ المياه للأراضي الزراعية ومحركات الجرارات والآليات الزراعية، ويضطر في أحيان كثيرة إلى عبور هذا الطريق وغيره من الطرق الزراعية الفرعية لخدمة زبائنه الذين يستدعونه لتصليح محركات ضخ المياه والجرارات الزراعية.
يقول شوكان لـ “فوكس حلب”: “أوقفني شخصان ملثمان على دراجة نارية، ومع كل منهما قطعة سلاح، وطلبا مني إخراج الأموال التي في حوزتي والهاتف النَّقال، وعندما رفضتُ طلبهما؛ كررا التهديد بالسلاح، ما دفعني إلى تسليمهما ممتلكاتي الشخصية على الفور، بعدها لاذا بالفرار”.
لم يعرف شوكان من هم الأشخاص الذين قاموا بأخذ هاتفه الشخصي و75 دولار أمريكي و1000 ليرة تركية، كما أوضح لنا، لكنهم تركوا له دراجته النارية، بعدما أسقطوا مفاتيحها على بُعد مسافة 200 متر من المكان الذي جرت فيه عملية السلب، حسب تعبيره.
تشهد مناطق أعزاز ومارع وصوران بريف حلب الشمالي عمليات سلب وتهديد بالسلاح، من قبل ملثمين على دراجات نارية، تستهدف المارة على الطرق الواصلة بين القرى والبلدات والطرق الفرعية المخصصة للأراضي الزراعية، ما تسبب في حالة هلع وخوف بين المدنيين والمزارعين الذين يعملون في الأراضي الزراعية.
تكررت حوادث السلب لأكثر من ثماني مرات في المنطقة المذكورة، التي أشار إليها شوكان خلال حديثه، وغالباً ما جرت عمليات السلب خلال ساعات متأخرة من الليل أو مبكرة من النهار، بالتزامن مع خلو الطرقات من العابرين، وكان آخرها في 30 أيار (مايو) الماضي، إذ قامت إحدى العصابات بأربع عمليات “تشليح” للأموال والممتلكات الشخصية الخفيفة، خلال سيرها شمالاً من مدينة صوران إلى قرية حوار كلس، الواقعة على الحدود السورية – التركية.
التشليح يطبق على أنفاس الأهالي
أثارت عمليات السلب التي وقعت في الأيام القليلة الماضية الخوف بين سكان ريف حلب الشمالي، وباتوا يخشون أن تستمر تلك العمليات وازدياد انتشار “المشلحين”، ما يجعل حياتهم المعيشية ومصادر رزقهم في تهديد دائم، إلى جانب أن أهالي المنطقة قد اعتادوا الذهاب إلى الأراضي الزراعية وبعض المناطق البعيدة عن الصخب، والتي تحدث بها عمليات السلب، واتخاذها كمتنفس لهم.
وهذا حال عماد بكور، 25 عاماً، والذي يعمل مدرساً في مدينة مارع بريف حلب الشمالي، إذ اعتاد أن يقضي أوقات فراغه في كرم زيتون لا يبعد عن مكان إقامته 2 كيلو متر، بهدف الترويح عن نفسه من الضغوط اليومية التي يعيشها، إضافة إلى أنه يسكن في شقة سكنية طابقية ضيقة، حسب قوله.
يتخذ معظم الأهالي في ريف حلب الشمالي الأراضي الزراعية والكروم المنتشرة والمحيطة بالمدن والبلدات متنفساً للترويح عن أنفسهم من ضغوط الحياة اليومية نتيجة غياب البنية التحتية والحدائق، وعدم قدرتهم على تغطية نفقات المطاعم والمقاهي في حال وجودها.
يقول البكور: “أعمل مدرساً وأتقاضى راتباً شهرياً بالكاد يغطي جزءً من احتياجات أسرتي ولا يوجد لدي عمل إضافي لتغطية جميع المصاريف، والمطاعم والمقاهي مكلفة مادياً، لذلك أخرج بشكل شبه يومي على دراجتي النارية، أو سيراً على الأقدام، إلى الأراضي الزراعية”.
وأضاف: “عندما سمعت عن عمليات السلب مؤخراً امتنعت عن الذهاب إلى الأراضي الزراعية، تحسباً من وقوعي بين أيدي “المشلحين”، فأنا لا أملك سوى دراجتي النارية وهاتفي الجوال، ولا أريد خسارتهما”.
عمليات السلب تعيق عمل المزارعين
من جهته، سمِعَ مصطفى العبد الله، والذي يعمل مزارعاً في بلدة كفرة بريف حلب الشمالي عن عمليات السلب التي حدثت في المنطقة، وتحديداً قصة المزارع في بلدة صوران، والذي تعرض له عدة “مشلحين” أثناء متابعته لمحصوله الزراعي في أواخر شهر أيار ( مايو) الماضي، وأجبروه، تحت تهديد السلاح، على إعطائهم 4 ألاف دولار أمريكي، وبعدها قاموا برمي مفتاح سيارته إلى مسافة بعيدة، كي لا يقوم بملاحقتهم.
يقول العبد العبد الله: “لم أستطع متابعة محصولي الزراعي خلال الموسم الحالي كما المواسم السابقة، بسبب تكرار عمليات السطو، لذلك اضطررت إلى شراء قطعة سلاح وترخيصها لدى الشرطة المدنية بهدف التنقل بها في المنطقة”.
وأضاف: “المحاصيل الزراعية هي مصدر رزقي الوحيد، وتحتاج دائماً إلى متابعة، خاصة مع دخول موسم الحصاد، لكن أصبحت أشعر أن عمليات السلب التي حدثت أخيراً تهدد حياتي، وقد لا تحميني قطعة السلاح التي بحوزتي، إذ إن المجرمين قد يضطرون للقتل في حال حدثت مقاومة، لذلك بت أخشى الوقوع في هذا الموقف”.
يضطر العديد من المزارعين والأهالي إلى حمل السلاح أو اصطحاب شخص ما لمرافقتهم أثناء رحلاتهم اليومية في التنقل بين مدن وبلدات ريفيّ حلب الشمالي والشرقي، على الرغم من قرب المسافات، تحسباً من أن تعترض طريقهم عصابة “مشلحين” تهدد حياتهم.
من يقوم بعمليات السلب؟
ينفذ عمليات السلب، كما أوضح أهالي المنطقة، أشخاصاً ملثمون ويحملون السلاح، بعضهم يرتدي بزات عسكرية، ويتجولون بأريحية في المنطقة، دون معرفة هويتهم الشخصية، كما يتخذون من الدراجات النارية وسيلة نقل في عملياتهم التي تستهدف الطرقات الفرعية المقطوعة، غير العامة، والتي تشكل صلة الوصل بين القرى والبلدات.
يقول مصدر من قوات الشرطة والأمن العام في مدينة مارع بريف حلب، رفض الكشف عن اسمه لـ “فوكس حلب”: “إن الشرطة المدنية تنفذ جولات دورية على الطرقات الفرعية بشكل يومي بهدف حماية الأهالي من عمليات السلب، خاصة بعد تكرار الحادثة وتقديم الضحايا بلاغات عن تعرضهم لعمليات سلب، من قبل مجهولين”.
وأضاف: “استطاع جهاز الشرطة من خلال عمليات الرصد والمتابعة ضبط منفذي عدة عمليات سلب على الطرق الترابية الفرعية بين اعزاز وصوران ومارع بريف حلب، وذلك من خلال التعرف عليهم عبر كاميرات المراقبة، أو من خلال شهادات الأهالي المحلية التي قُدِّمت للجهاز”.
ويعتبر ضعف الإجراءات الأمنية وغياب المحاسبة، إضافة لانتشار البطالة وندرة فرص العمل وزيادة نسبة تعاطي المخدرات أهم أسباب ارتفاع ظاهرة السلب في المنطقة.
ملاحقة قوات الشرطة والأمن العام للمجرمين الذين ينفذون عمليات السلب في ريفي حلب الشمالي والشرقي، محدودة، في ظل سطوة الفصائل العسكرية، إذ لا يمكنها فرض سلطتها إلا على الشخصيات الضعيفة التي لا يقف خلفها أحد، لذلك يعتبر دورها غير فعّال بنسبة كبيرة، في ظل انتشار الفساد والمحسوبيات وارتباط المجرمين بشخصيات عسكرية بارزة تلعب دوراً هاماً في تهاوي الدور القانوني والقضائي لمحاسبة المجرمين، ما يفسح المجال أمام تصاعد مستوى الجريمة في المنطقة.