بدأ أصحاب المنازل المتضررة من زلزال السادس من شباط في منطقة جنديرس بترميم منازلهم، وذلك بالتزامن مع إزالة الأنقاض ونشاط الحركة العمرانية، ما دفع المجلس المحلي إلى إصدار قرار يمنع عمليات الترميم دون دراسة إنشائية تدعيمية، من قبل نقابة المهندسين، ومصدقة من المجلس المحلي نفسه. خلَّف الزلزال في منطقة جنديرس وحدها 500 مبنى غير قابل للسكن و278 مبنى مدمراً بالكامل، وذلك بحسب وحدة دعم الاستقرار.
صنفت نقابة المهندسين الأحرار المباني المتضررة من الزلزال في جنديرس إلى خمسة تصنيفات؛ مبانٍ سليمة، ومبانٍ تعرضت لضرر بسيط في الجملة غير الإنشائية، والتي تشمل أساسات البناء والأعمدة الإسمنتية والجسور والأسقف، ومبانٍ تعرضت لضرر متوسط في الجملة غير الإنشائية كـ الجدران، ومبانٍ تعرضت لاضرارٍ جسيمة في الجملة الإنشائية مع إمكانية ترميمها، ومبانٍ تعرضت لأضرار جسيمة في جملتها الإنشائية ولا يمكن ترميمها، وذلك بحسب نقيب المهندسين الأحرار أحمد نعناع.
عملية الترميم المطلوبة تتطابق مع نوع الضرر وبناءً على دراسة هندسية تخصصية لكل بناء على حدة وعلى أساسها توضع أساليب التدعيم المناسب للمباني، وعلى المهندس متابعة عملية التدعيم والترميم للمباني التي وضع لها الدراسة. بحسب النعناع.
لجأ آخرون إلى نجاري “البيتون”أو ما يعرف بـ” الباتنجي” لتدعيم سطح المنزل بأعمدة خارجية، وإنشاء “قميص حديدي” حول العامود الإسمنتي المتضرر، وصبّ الإسمنت لتشكيل قميص بيتوني داعم، بحسب أبو خالد صاحب ورشة أعمال بيتون. دعَّم أبو خالد وفريقه معصرة زيتون بمساحة 1000 متر مربع، مكونة من 36 عاموداً خرسانياً، تحت إشراف مهندس، اختير من قبل صاحب المعصرة.
يقول أبو خالد: “عملية الترميم والتدعيم تحتاج إلى خبرة ومعرفة بطبيعة أضرار الجسم الخرساني للمبنى، وهو ما يحدده المهندس المشرف على هذه الأعمال، لكن أصحاب منازل لا يرغبون بتعيين مهندس يشرف على ترميم وتدعيم منازلهم”.
دفعت عمليات الترميم العشوائية، والتي لا تخضع لإشراف مهندس مختص، المجلس المحلي في جنديرس إلى زيارات للمناطق المهدمة لضبط المخالفات وتحميل أصحاب العقارات المسؤولية عن أي أضرار يمكن أن تنتج عن عمليات الترميم غير المدروسة، وكتابة تعهد يُحمّل صاحب العقار المسؤولية الشخصية عن عملية ترميم منزله، ووضع ملاحظة على تلك العقارات، خاصة في حال بيعها أو تأجيرها، بحسب يزن ناصر، نائب رئيس المجلس المحلي في جنديرس.
ويضيف الناصر: الكثير من الناس يعتبرون أن عملية الترميم مَهَمّة يمكن للـ”باتنجي” القيام بها، دون العودة إلى مهندس مختص، والالتزام بقرارات المجلس.
يتفق نقيب المهندسين أحمد النعناع مع الناصر بأن تغطية التشققات بأعمال بيتونية أو تدعيمية بسيطة لا تجعل من تلك المنازل آمنة. ويقول الناصر: “يتوجب على كل من يشاهد عملية ترميم الجزء الخرساني، لأي بناء، أن يبلغ الجهات المختصة لما في الأمر من تبعات ومخاطر، كما أن المكتب الإعلامي في المجلس المحلي يعمل على إصدار نشرات توعية بهذا الشأن”.
اتفق زكريا العلي مع صاحبة المنزل الذي يقطنه على ترميم المنزل، مقابل بقائه فيه لأجل متفق عليه وتبعاً لتكلفة الترميم، كما يروي لنا، إذ لا يوجد أضرار في أعمدة المنزل والسقف واقتصرت الأضرار على الجدران، وبلغت تكلفة ترميمها الأولية ما يزيد عن 500 دولار، حسب قوله.
يقول العلي: “رممت المنزل على نفقتي الخاصة، بسبب تأخر مشاريع الترميم المعلن عنها في جنديرس، من قبل بعض المنظمات، فإلى متى علينا الانتظار في الخيمة؟ إذ أن المنظمات التي تعمل على ترميم المنازل تأخذ وقتاً طويلاً لتقييم المباني وأضرارها، إلى جانب الأعداد الكبيرة من متضرري الزلزال التي تسجل لديها”.
تعمل عدة منظمات على ترميم المنازل في جنديرس، لكنها لا تستهدف إلا المنازل التي صُنِّفت أضرارها بالـ”بسيطة” واقتصرت على بعض الجدران والأبواب والشبابيك.
يقول المهندس محمد عدنان، والذي يعمل في منظمة فضل عدم ذكر إسمها: “تتكفل المنظمة التي أعمل بها بعمليات الترميم وفق فئتين؛ بسيطة بتكلفة 400 دولار، ومتوسطة بتكلفة 800 دولار، ولم تُقبل أي حالة صنفت ضمن الضرر الجسيم إلى الآن”.
رمَّمَ محمد عبدو محله التجاري، أسفل منزله في شارع يلانقوز، من خلال الاستعانة بـ”باتنجي” عمل على تدعيم الأعمدة المتضررة للمحل، كما يروي لنا، فلا يمكن للأعمال التجارية أن تبقى معطلة، واتفق مع “باتنجي” على أعمال الترميم بتكلفة تجاوزت الـ 1000 دولار من أجل ترميم عدة أعمدة في المحل والمنزل. أما عن ضرورة استشارة مهندس، علقَ العبدو بقوله: “الباتنجي هو مهندس!”
مقابل محل العبدو يوجد مبنى من الحجر القديم، فيه العديد من التشققات الواضحة في جدرانه، بعضها مهدم بالكامل، إضافة إلى الأعمدة الحجرية المتصدعة، سقطت عنها القشرة الإسمنتية (الزريقة)، كانت مجموعة من العمال ترمم عدة محلات تجارية فيه، إضافة لمنزلٍ يقع فوق إحداها.
“اللياسة” تكفي لإعادة التماسك للأعمدة، أما الجدران المتصدعة فتحتاج لبناء جدار داعم بسماكة 10 سنتيمترات، وتدعيمها بالزريقة، بحسب أحد العاملين في ترميم المحلات.
أثناء انهماك العمال بترميم وتدعيم المحلات، لاحظوا أن هناك جداراً مهدماً من إحدى جهات المنزل، الذي يقع فوق المحلات، وسيؤثر على سقف المنزل واحتمالية سقوطه، فقام العمال بتدعيمه، ريثما يبنون جداراً من البلوك، يدعم السقف ويمنعه من الميلان. يعلق المهندس محمد عدنان عن آليات الترميم تلك بقوله: “لا يمكن الاعتماد على آليات الترميم التي يقوم بها الباتنجي، فهو لا يملك خبرة هندسية لتقدير الأحمال وحجم التدعيم اللازم لكل عامودٍ أو جدار”.
تُعتبر آليات الترميم المتبعة، بدون استشارات هندسية، نذير خطر جديد يحدق بأصحاب المنازل، الذين نجوا من كارثة الزلزال في السادس من شباط، وهو ما حذر منه المجلس المحلي ونقابة المهندسين، مؤكدين على منع عمليات الترميم بدون استشارة هندسية وموافقة المجلس المحلي.
في الوقت نفسه، لا يستطيع الكثير من أصحاب المنازل المتضررة، الذي باتوا يعيشون في الخيام انتظار المنظمات، ووعودها، بترميم منازلهم، أو إعادة بنائها، والمرور من أمامها وتأملها بشكل يومي، وهي إما نصف مهدمة، أو مهدمة بالكامل.