فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الجانرك والعقابية.. إنتاج وفير وأرباح بسيطة

 محمود يوسف السويد

تراجعت أسعار اللوزيات (الجانرك والعقابية) في محافظة إدلب، خلال الموسم الحالي، عنها في مواسم سابقة، لأسباب عديدة أهمها وفرة الإنتاج وتحكم التجار بأسعار تصديرها

على ضفتي نهر العاصي، بين جسر الشغور جنوباً إلى حارم في الشمال السوري، آلاف من هكتارات أشجار اللوزيات، أهمها “الجانرك والعقابية”، المصدر الأساسي لحياة معظم مزارعي هذه المنطقة.

آلاف من العمال والعاملات يتوزعون بين أشجار اللوزيات، وفيرة الإنتاج هذا العام، كخلية نحل، على السلالم أو بين الأغصان، صناديق من اللؤلؤ الأخضر (الجانرك) تأخذ مكانها في شاحنات باتجاه أسواق الهال، التي يطغى على محلاتها ثمار اللوزيات، بعد فرزها، للبيع المحلي أو التصدير.

ومع وفرة الإنتاج، تراجعت الأسعار، إذ لا يزيد سعر الجانرك عن 8 ليرات تركية، والعقابية أو اللوز عن 25 ليرة تركية، ما جعل هذه الثمار في متناول سكان المنطقة، وأدى إلى خيبة أمل ملّاك الأراضي وضامني المواسم، في ظل ارتفاع في التكاليف، والتوقعات بربح يغطي خسائر الأعوام السابقة.

الجانرك بربع دولار.. بين الخسارة والربح

“هذه السنة أصبحت العقابية والجانرك بمتناول الجميع، بعد أن كانت مخصصة للأغنياء وذوي الدخل المرتفع، وشراؤها يدل على الرفاهية”، يقول محمد الحاج بكري، عامل بناء، تعليقاً على انخفاض أسعارها في السوق.

على البسطات يباع الجانرك، من النوع ذي الحبة الصغيرة، بخمس ليرات تركية، بينما يصل سعر أفضل الأنواع لنحو ثمان ليرات، وكانت فاكهة الجانرك قد سجّلت أعلى سعر لها، بداية قطافها، بعشرين ليرة تركية، وهو مبلغ ينقص بنحو الضعف عن أسعارها في الأعوام السابقة.

يقول  محمد العنجريني، مزارع من أبناء مدينة حارم، إنه كان ينتظر موسم الجانرك لتسديد ثمن شبكة الري التي اشتراها لسقاية أرضه البالغة خمسة عشر دونماً، لكن الموسم لم يغطي تكلفة الإنتاج، على حدّ قوله.

يفصّل العنجريني ما تحتاجه شركة الجانرك من جهد وتكلفة، يقول إنها تحتاج للحراثة والسماد العضوي، إضافة للأسمدة الآزوتية والكلس الأبيض لحمايتها من تسلّق الحشرات، كذلك تحتاج الشجرة للبخ بالمبيدات الحشرية في أطوار مختلفة، جميع هذه المواد تدفع بالدولار، بينما تباع المواسم بالليرة التركية، وذلك وحده يسبب خسارة للفلاح، على حد قوله.

التكلفة الأكبر، تكون في مرحلة القطاف والنقل، يقول مهند عزو، أحد ضماني الجانرك في مدينة حارم، إذ يتقاضى عامل المياومة في حارم نحو خمسين ليرة تركية عن كل يوم عمل، بينما تزيد أجرة العامل عن مائة ليرة تركية في الأراضي المواجهة لخطوط التماس مع النظام، بسبب الخطورة وقلة الراغبين بالذهاب إلى هناك، إضافة لثمن الصناديق وأجرة الشاحنات.

ويقدّر العزو تكلفة اليوم الواحد على الضمّان بنحو 1500 ليرة تركية، في الوقت الذي تطرح شجرة الجانرك بين 50 إلى 100 كيلو غراماً.

إضافة للتكاليف السنوية، هناك تكاليف أخرى تتعلّق بتعويض الأشجار وقلّة مردودها، إذ يقدّر عمر شجرة الجانرك بخمسة عشر عاماً، وتكسّر الأشجار، واستخدام أسلاك معدنية وأسياخ من الحديد لربط الأغصان خوفاً من اقتلاعها بسبب الرياح.

يربط العزو الربح بتحسّن سعر الجانرك من جهة ومسامحة ملّاك الأراضي خلال عمليات التقدير التي تسبق القطاف بأسابيع، أما “في واقع الأمر الحالي وبالأسعار التي يباع فيها الجانرك فالضمّان خاسر أو سيخرج بربح قليل”، على حدّ قوله.

يفرّق العزو بين ثلاثة أنواع من الجانرك، تصنف بحسب حجم الثمرة ودرجة حموضتها، أجودها ما يطلق عليه اسم “الزهرة”، ثمّ “الأكسترا” فـ “الناعم”، ويقول إن سعر أفضل الأنواع يباع بنحو 8 ليرات تركية.

وينفي العزو توقف عمليات التصدير، وأنها السبب في رخص أسعار الجانرك الحالي، يقول إن التصدير ما يزال قائماً إلى تركيا والعراق، وأن المطروح في الأسواق المحلية هو من النوع الناعم الذي لا يصدّر أساساً.

ويعزو العنجريني رخص الأسعار إلى تحكّم التجار بسعر الجانرك، يقول “ثمة اتفاق، بين تجار سوق الجانرك بحارم، على تسعيرة موحدة اتفقوا عليها مسبقاً، في حين كانت العادة المتبعة في الأعوام السابقة تعتمد على البيع بطريقة المزاد العلني، ورسو المزاد على من يدفع السعر الأعلى”.

سبب آخر يضيفه الضمان أبو محمد، ويتعلّق بالإتاوات التي يدفعها التجار على الحواجز لضمان وصول شحنتهم إلى وجهتها، ويقدّر تكلفتها بنحو 200 دولار عن كل شاحنة، يضاف إليها رسوم المرور على المراكز الحدودية وتكلفة الشحن المرتفعة نتيجة ارتفاع الوقود، إضافة لرخص ثمن الجانرك في البلدان المستوردة.

اللوز الأخضر شريك في السعر المخفض

تنتشر زراعة اللوز في المناطق الجبلية، كونه لا يحتاج للري بكميات كبيرة، مثل الجانرك، بحسب ما أخبرنا به الحاج محمود ابدنبو، مزارع لوزيات في حارم، والذي قال إن زراعة اللوزيات تزيد في جبل الزاوية ويزرع في حارم بكميات قليلة.

يملك حسين أبو نواف من أبناء بلدة الموزرة بجبل الزاوية، بستاناً يضم أنواعاً مختلفة من الثمار، يقوم أبو نواف بقطف قسم من ثمار اللوز الأخضر المعروف بـ العقابية، ليبيعها في سوق الهال مع بداية الموسم وذلك لارتفاع ثمنها، فالعقابية كما يقول “يقبل على شرائها الذواقة ومن يحب طعمها، وهي من الثمار قصيرة الأجل، فلا يتجاوز موسمها ثلاثة أسابيع، وبعدها تتصلب قشرتها وتتحول الثمرة إلى لوز، وهو صنف من المكسرات المعروفة يدخل في صناعة الحلويات وبعض أطباق الطعام ومصدر للزيوت”، وهذا يدفع المزارع لتركه حتى ينضج، فسعره كلوز يابس أعلى منه حينما يباع بشكله الأخضر.

 لم يخف أبو نواف استغرابه من انخفاض أسعار العقابية لهذا العام، فسعرها في الأسواق لم يتجاوز 25 ليرة تركية للنوع الأول، وهو نصف سعرها في العام الماضي، إذ بيعت بـ 50 ليرة في العام الماضي، يقول أبو نواف: “لا أدري السبب وراء انخفاض السعر هذا الموسم، يبدو أن الحالة الاقتصادية العامة للسكان هي السبب الرئيس”.

يبين أبو عمر دقة، من قرية إبلين بجبل الزاوية، أن زراعة اللوز يترتب عليها مصاريف وتكلفة كالأدوية الزراعية والأسمدة وأجور الفلاحة وغيرها، كما أن أجرة عامل القطاف اليوم باتت تشكل عبئاً على المزارع في جبل الزاوية، إذ تتراوح أجرة العامل بين 100 إلى 125ليرة تركية في اليوم.

لا قرار بمنع التصدير كما لا وجود لإحصائيات دقيقة، أو دعم مادي للمزارعين

أوضح المهندس تمام الحمود، مدير الزراعة في محافظة إدلب، لفوكس حلب، بأنه “لا يوجد رقم حقيقي لكميات الإنتاج من موسمي الجانرك واللوز الأخضر في المحافظة”، وذلك “لأن التقديرات تستمر طيلة شهر أيار ولا يمكن جمعها إلا في نهاية الموسم”.

أما لجهة دعم المزارعين بين المهندس الحمود، أن الدعم يتمثل في تطبيق الروزنامة الزراعية والتي من خلالها يمنع إدخال أو استيراد مواد وثمار مشابهة بغية الحفاظ على سعر مقبول لها، لحماية الفلاحين من الخسارة، حسب قوله.

من جهته ذكر السيد حمود الجاسم، مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، في تصريح لـ فوكس حلب، إنه لا يوجد قرار يمنع تصدير اللوزيات والجانرك، وأكد على أن الوزارة تشجع عمليات التصدير، وهذا ما يحدث على الأرض اليوم حيث يتم تصديرها إلى تركيا وإلى مناطق ريف حلب الشمالي أيضا.

وقدّر الحمود صادرات محافظة إدلب من الفواكه، بحدود 13 ألف طن سنوياً، موزعة بين الخوخ والرمان واللوزيات والجانرك التي تنتجها المحافظة.

رخص ثمن اللوزيات جعلها متاحة للجميع من ذوي الدخل المحدود، وهي إيجابية لا تطال المزارع والضمان، فـ “مصائب قوم عند قوم فوائد”.