تفاقمت مشكلة العملة التركية التالفة في أماكن تداولها داخل الشمال السوري، خاصة مع غياب أي مؤسسة مالية حكومية مخوّلة بسحبها من الأسواق ومحلات الصرافة، ورفض أفرع مؤسسة PTT، دائرة البريد والتلغراف التركية والتي تعمل بمثابة بنك تركي في مناطق الحكومة المؤقتة السورية، استلامها واستبدالها.
ويحكم تداول العملة التركية التالفة مزاج التجار وأصحاب المحلات وشركات الصرافة، ويزيد الجدل حولها يومياً بينهم وبين السكان، دون قرارات واضحة من الجهات التركية في المنطقة لإيجاد حلّ يقلل من خسارة الشركات والسكان في آن معاً، ودون تدخل أيضاً من المكاتب المالية في المجالس المحلية.
وفي جولة لمراسل فوكس حلب بعملة تركية تالفة، زار فيها خمسة وعشرين محلّاً متنوعاً بين شركة صرافة و سوبرماركت ودكان سمانة وبائع قهوة جوّال، داخل سوق الباب، رفض ثمانية أشخاص تداولها، بينما قال خمسة آخرين إنهم يأخذونها ويستبدلونها من “شركة العمر”، إحدى شركات الصرافة الكبرى في المدينة، وتحدّث أصحاب اثنا عشر محلّاً أنهم يأخذون العملة التالفة ويعيدونها لزبائن آخرين.
جميع من تحدثنا معهم من أصحاب المحلّات قالوا إن العملة التالفة تزيد يوماً بعد يوم في الأسواق، وهو ما يضطر قسم منهم لتداولها، وقدّروا نسبة هذه العملة بنحو 20% من فئات نقدية مختلفة، أكثرها الفئات الصغيرة من خمس وعشر ليرات، وتختلف درجة التلف بها، بين ما يضيع معالمها أو الممزقة الملصوقة أو التي ينقص أحد أجزائها.
المشكلة تزيد في القرى والبلدات الصغيرة، مع عدد محدود من المحلات التجارية وشركات الصرافة، ما يضطر سكان للاحتفاظ بالأوراق النقدية التالفة وزيادة “اهترائها”.
ويقدّر متوسط عمر الأوراق النقدية، من فئة الدولار أكثر العملات تداولاً في العالم، نحو خمس سنوات، بعدها تكون عرضة للتلف والتمزق.
يرجع من تحدّثنا معهم تلف العملة إلى كثرة التداول وغياب الصرافات الآلية، إذ يضطر سكان للاحتفاظ بالكتلة المالية الورقية، ما يؤدي إلى تلفها بشكل أسرع، إضافة لعوامل أخرى مثل تعرضها للزيت والشحم والوقود عند البيع والشراء من أصحاب هذه المهن، والإهمال الشخصي والاستهتار من قبل قسم من الأشخاص، لكن الأهم من ذلك، عدم وجود مؤسسات مالية تقدّر حجم الاحتياجات المالية وتسعى لضبط عملية استبدال العملة التركية التالفة، منذ تداولها كعملة رئيسة في المنطقة في حزيران 2020.
إلى شركات الصرافة
في زيارة إلى شركة العمر للصرافة في مدينة الباب بريف حلب، والتي وردت على لسان من تحدثنا معهم كجهة تستقبل العملة التركية التالفة، استقبلنا الإداري محمد عبد اللطيف الواكي بقوله إن الشركة “تستقبل أنواع العملات التالفة كافة، المهترئة والمغسولة والممزقة أو تلك التي فقدت أجزاء منها”، لكنهم يواجهون صعوبة في تصريفها اليوم.
ويضيف الواكي أن المشكلة تفاقمت بعد الصعوبات التي فرضتها البنوك التركية، سواء “زراعات بنك أو البنك المركزي”، على استبدال العملات التالفة والتي كانت تستقبلها في السابق دون أي مشكلات، إذ توقف بنك زراعات عن استبدالها بينما حدد البنك المركزي استبدال مبلغ ثابت “خمسة آلاف ليرة تركية” يومياً، ووفق إجراءات معقدة ما اضطر الشركة لتوظيف أشخاص مهمتهم استبدال العملة التركية التالفة.
يقدّر الواكي الكتلة المالية من العملة التركية التالفة التي تصل إلى الشركة يومياً بنحو خمسين ألف ليرة، وهو ما يضعهم أمام مشكلة الانتظار الطويل لاستبدالها، إذ تحتاج وفق قرارات البنك المركزي في تركيا لعشرة أيام ومعاملات ورقية، إضافة لرواتب أشخاص يقفون على الدور الطويل يومياً.
ويتعامل سكان الشمال السوري بالعملة الورقية بسبب غياب نظام البطاقات والدفع الإلكتروني، وهو ما يفرض، بحسب الواكي، تقديرات مختلفة عن تلف العملة بشكل أكبر عنه في تركيا التي يتعامل معظم سكانها بالدفع الإلكتروني ويحتفظون بكتلتهم المالية داخل البنوك، ليسحبونا حاجتهم منها فقط.
ليست العملة التركية الوحيدة في المنطقة التي تتعرض للتلف، هناك أيضاً الدولار، خاصة فئة “خمسين دولاراً”، لكن ليس بالحجم نفسه، يقول الواكي وهو يحصي داخل الشركة عند زيارته نحو مئتي ألف ليرة تركية تالفة، من فئة (5-10-20) بينها نحو عشرين ألفاً مهترئة بشكل كبير.
إلى PTT
لا يبعد مركز PTT عن شركة العمر سوى مئات الأمتار، يقول الواكي إن المركز يرفض استلام العملة التركية التالفة، واصفاً ما يحدث بـ “غير المعقول”، إذ ليس من الممكن إخبار شخص يحمل مائة ليرة تالفة أن يقطع الحدود ليستبدلها من البنك المركزي في تركيا، في الوقت الذي يعمل فيه مركز PTT كبنك تركي في المنطقة، يستخدم لإيداع المبالغ المالية وفتح الحسابات وقبض الرواتب وغيرها من المعاملات المالية الأخرى.
ويحملّ الواكي مسؤولية إيجاد حل دائم للعملة التالفة للمجلس المحلي الذي يجب عليه عقد اتفاق مع PTT، باعتبار الليرة التركية عملة بلادهم وهم ممثليها في الداخل السوري.
يخبرنا الواكي أنهم ناقشوا المشكلة مع PTT لكن المركز رفض التعامل مع شركات الصرافة في هذا الأمر، ما يتسبب بخسارة للشركة نتيجة تراكم العملة التركية التالفة، وهو ما فرض عليها الطلب من شركات الصرافة التي تتعاون معها “الحد من استلام العملات المهترئة”، وهو ما سيؤدي في النهاية لرفض تداولها بين التجار والباعة وأصحاب المحلات التجارية وبالتالي، حيرة المواطن بشأن ما يحمله من هذه العملة وكيفية تصريفها.
ليست شركات الصرافة وحدها من يرفض PTT التعامل معها بشأن العملة التالفة، يقول أبو محمد، تاجر مواد غذائية في مدينة الباب إن “المركز يرفض استلام أي ورقة نقدية تالفة ولو جزئياً، ما اضطره هو الآخر لعدم أخذها من الزبائن تجنباً للخسارة والحرج” على حدّ قوله.
عبد الله موظف في مركز PTT قابلناه بعد خروجنا من شركة الصرافة قال إن عمل المركز يقتصر على تحويل العملة وتسليمها للموظفين، وإن جميع الأوراق النقدية في المركز “جيدة”، وليس فيها “فئة تالفة أو عليها لاصق”.
ويضيف عبد الله أنه “في السابق كنا نستلم جميع أنواع العملات، الجيدة والتالفة، ولكن وبعد رفض عدد من المراجعين استلام الفئات التالفة تشكل لدينا في مركز الباب نحو خمسين ألف ليرة تركية من العملة المهترئة، ما استدعى التوقف عن استلامها” مؤكداً أن “PTT غير معنية باستبدال العملة التركية التالفة وأن هذا الأمر محصور بالبنك المركزي التركي”.
لا توقظوا المجلس المحلي
تمثل المجالس المحلية وجهة الباحثين عن حلول باعتبارها السلطة الرسمية في المنطقة، وبعد أن طرقنا الباب وحصلنا على تصريح بكتابة تقرير عن العملة التركية التالفة، ونسقنا مع المدير المالي، كان الجواب مختصراً “لا نستطيع الإدلاء بأي تصريح بخصوص العملة التالفة”.