فاقمت آثار زلزال السادس من شباط الماضي، مشكلات التعليم في مدارس شمال غربي سوريا، وتسبب دمار المدارس ونزوح العائلات والآثار النفسية المترتبة على ذلك، بمخاطر التأخر في العملية التعليمية، الهشة بالأساس، وزيادة أعداد الطلاب المتسربين دراسياً.
المدرسة كـ “مكان” مهدّد
قبل الزلزال، ومن أصل 1713 مدرسة في شمال غربي سوريا، كانت نحو 1067 مدرسة فقط صالحة للعمل بشكل كلي، بحسب تقرير لوحدة تنسيق الدعم ACU، في عام 2018.
وحتى كانون الثاني 2023، بلغ عدد المدارس المستهدفة من قبل النظام السوري وروسيا 170 منشأة تعليمية، إضافة لـ 95 مدرسة أُشغلت بمهمات خارج التعليم. وشهدت المدارس العامة ازدحاماً كبيراً ضمن الصفوف، إذ أن 20% من هذه المدارس شهدت ازدحاماً كبيراً، و 42% منها ازدحاماً متوسطاً، بحسب منسقو استجابة سوريا.
بعد الزلزال، أوضحت دراسة لمركز عمران أن عدد المنشآت التعليمية المتضررة وصل إلى 438 منشأة، منها 4 مدارس (سويت بالأرض وتحتاج لإعادة بناء)، 23 مدرسة (بدمار كبير في الأسقف والجدران والأعمدة الأساسية وتحتاج لأعمال إنشائية وبناء الأجزاء المهدمة، مع احتمال حاجة قسم منها للهدم وإعادة البناء من جديد)، 59 مدرسة (بدمار متوسط يشمل تشققات الجدران)، 7 مدارس (بدمار أكبر من المتوسط يشمل الأدراج والممرات والحمامات ومخازن الوقود)، 345 منشأة تحتاج لإصلاحات.
وبحسب الدراسة فإن عدد المدارس المتضررة في إدلب بلغت 285 مدرسة وفي حلب 153 مدرسة، مع تحوّل قسم من المدارس إلى مراكز إيواء.
الدكتور جهاد الحجازي، وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، قسّم، في حديثه لفوكس حلب، الضرر الواقع على المدارس بين (البالغ والمتوسط والخفيف)، وقال إن مدرستين تضررتا بالكامل في جسر الشغور، وأخرى في جنديرس (مدرسة خالد بن الوليد)، لم تعد صالحة لاستقبال الطلاب نتيجة التصدع الكبير داخلها ويجب هدمها، فيما تحوّلت 46 مدرسة بريف حلب الشمالي إلى مراكز إيواء.
أحد معلمي مدرسة خالد بن الوليد في جنديرس وصف الأضرار التي لحقت بالمكان، وقال إن البناء المؤلف من ثلاثة طوابق تعرض للتصدع في أعمدته الرئيسية، إضافة لانهيار في أسقف الغرف الصفية، وعددها 30 غرفة، وإن اللجان الهندسية التي كشفت على بناء المدرسة أقرت بعدم “صلاحية البناء للعمل، ووجوب هدمه”.
أكثر المدارس تضرراً في مناطق حكومة الإنقاذ، كانت في مناطق حارم وسلقين، بحسب زياد العمر، المكلف بتسيير أعمال وزارة التربية والتعليم في حكومة الإنقاذ، والذي قدّر في حديثه لفوكس حلب عدد المدارس المتضررة بنحو 250 مدرسة، 203 تهدمت بشكل جزئي، 46 مدرسة بتشققات بسيطة، ومدرسة واحدة، تتبع لمجمع سرمدا التربوي، تهدمت بشكل كامل.
طلاب، معلمون، نزوح وضحايا
قدّر الوزير حجازي ضحايا الزلزال من الكوادر التعليمية والطلاب في شمال غربي سوريا بـ 44 معلماً و معلمة، 626 طالباً وطالبة، إضافة لإصابة 60 من الكوادر التعليمية و 1040 من الطلاب. وبحسب المكلف بتسيير أعمال وزارة التربية في حكومة الإنقاذ، فإن 421 طالباً وطالبة قضوا في الزلزال الأخير، إضافة لـ 39 من الكوادر التعليمية.
عدد الضحايا بين الطلاب والكوادر التعليمية، مع وجود تقارير تشير إلى أن الأعداد أكبر من الأرقام التي زودتنا بها المصادر الرسمية، خاصة وأن جنديرس وحدها فقدت نحو 600 طالب وطالبة، إضافة لـ 25 من الكوادر التعليمية، ترك آثاره على سير العملية التربوية في شمال غربي سوريا، يضاف إلى ذلك نزوح أكثر من 300 ألف شخص من منازلهم، وتضرر نحو 1.8 مليون إنسان في الزلزال بأشكال متنوعة، بحسب منسقو استجابة سوريا.
توضح الأرقام أعلاه حجم المشكلة التي يعيشها سكان المنطقة، إذ تركت تداعيات الزلزال آثارها العملية والنفسية على حياتهم، وبات من الصعب عند كثير من الأطفال والمعلمين إكمال حياتهم اليومية، بفعل الخوف وفقدان الأصدقاء على مقاعد الدراسة أو الزملاء في التعليم، أو بفعل الإصابات، إذ انقطع عدد من الطلاب عن حضور دروسهم بفعل الإصابة كذلك المعلمين، إضافة لما تسببته الأضرار من خروج مدارس عن العمل وفقدان الطلاب القدرة على مواصلة تعليمهم، وصعوبة التعلّم داخل الخيام
أيضاً النزوح إلى مراكز الإيواء وغياب المدارس عنها، يضاف إلى ذلك ضعف القدرة المادية التي صعّبت على العائلات دفع تكاليف دراسة أطفالهم وعلى المعلمين الوصول إلى أماكن تدريسهم بعد نزوحهم. هذه المشكلات فاقمت من أضرار العملية التعليمية التي تشكو، في الأصل قبل الزلزال، من هشاشة وقلّة في الدعم وصعوبة في الحصول على المناهج والكتب، ونقص في المواد والوسائل التعليمية.
استجابات ضعيفة وغياب دولي
حلول بسيطة اتّخذت من قبل وزارات التعليم في الحكومتين المؤقتة والإنقاذ، لدعم سير العملية التعليمية التي توقفت بعد الزلزال، ولأوقات مختلفة، إذ توقف التعليم في مناطق حكومة الإنقاذ لنحو ثلاثة أسابيع بعد الزلزال واستؤنف في 25 شباط، بينما استؤنف في مناطق عفرين في الثاني عشر من آذار الماضي، وما تزال هناك مدارس متوقفة عن العمل حتى اللحظة.
يقول الوزير حجازي “لا يوجد أي مشروع حقيقي، حتى اللحظة، لترميم أو إعادة بناء المدارس من أي جهة، سواء المنظمات أو المجالس المحلية والوزارة اللتين لا تمتلكان إمكانيات كافية للقيام بمثل هذه المشاريع، إذ اقتصر دورهما على عمليات ترميم بسيطة مثل ترميم الشقوق والسور في مدارس إعزاز بريف حلب الشمالي، من قبل المجلس المحلي فيها”.
وأضاف حجازي أن “نظام التعليم في الخيام الذي كانت الوزارة قريبة من التخلص منه قد عاد مجدداً وبشكل أكبر، نتيجة نزوح الأهالي إلى المخيمات ومراكز الإيواء، وهو ما أعاق عودة الطلاب إلى حياتهم الطبيعية”.
واقتصرت الخطوات التي قامت بها الحكومة المؤقتة على تأجيل الامتحانات، لضمان دخول أكبر قدر ممكن من الطلاب فيها، وإطلاق مشروع دعم نفسي بالتعاون مع “جمعية الصحة النفسية للسوريين”، وسلسلة محاضرات للمدرسين، عبر تقنية الزووم، عن كيفية استقبال الطالب عقب عودته والتعامل معه بعد الزلزال
ومشروع تأهيل وتدريب للمعلمين عن كيفية تلافي الآثار النفسية للطلاب بالتعاون مع “كلية التربية في جامعة حلب الحرة”، إضافة لتيسير عمليات الدعم وإرسال مندوب لحضور لقاءات ” الكلستر التعليمي” مع المنظمات المتحالفة لنصرة العملية التعليمية، والمقامة في باب الهوى، وعرض المشكلات والاحتياجات اللازمة، بحسب الوزير حجازي.
ويؤكد الوزير حجازي أن هناك “دعم أكيد سيصل إلى المنطقة، وأن الكثير من المشاريع طرحت خلال الاجتماع مع المنظمات المهتمة والأمم المتحدة والأوتشا”، لكن ” لا يوجد آثار عملية لهذا الكلام ولا حتى بدايات حتى اللحظة، وأن مؤتمر المانحين المقرر لإنعاش ما دمّره الزلزال ومن بينها المدارس لم يعقد حتى الآن، كذلك لم تتم الاستجابة لمشروع قدمته الوزارة بتخديم 3000 طالب ضمن مراكز الإيواء والذي قدم لأكثر من جهة دولية دون رد”.
في حكومة الإنقاذ، نقلت وزارة التربية الطلاب من المدارس المتضررة إلى مدارس آمنة كـ “فوج ثان أو ثالث”، وترميم قسم من المدارس بالتعاون مع منظمات إنسانية، كذلك إزالة مخلفات الزلزال في المدارس بالتعاون مع فرق الدفاع المدني، وتعميم برنامج الإخلاء والحماية وتدريب الطلاب عليه ليتم تطبيقه في المدارس كافة، بحسب زياد العمر.
الخيام التعليمية ليست حلّاً، بحسب معلم في مدرسة خالد بن الوليد في جنديرس، إذ أن الخيام وضعت داخل ساحة المدرسة الآيلة للسقوط ما زاد من مخاوف الأهالي بإرسال أبنائهم إليها، يضاف إلى ذلك أن كل خيمة ضمت صفين ما زاد من تشتت الطلاب والمعلمين.
اقتصر عمل المنظمات الإنسانية في الشأن التعليمي على بعض الفقرات الترفيهية للأطفال، دون اعتماد منهاج أساسي للتعليم، بحسب أحمد عبيد، أب لثلاثة أطفال في مدينة الأتارب.
ويروي عبيد، أن عملية انقطاع أطفاله عن المدرسة استمرت في مركز الإيواء ، ومخيم الجينة الذي نقلوا إليه، قبل أن يلتحقوا بالمدرسة الابتدائية في مخيم “كللة”، حيث حط بهم الرحال أخيراً، بصفة “مستمعين”، دون تسجيل بأوراق نظامية، إلى حين استقرار الأهالي وجلب أوراق أطفالهم من مدارسهم الأصلية.
ويقول أبو محمد، أب لطلاب في مدرسة الأتارب، إن دعم العملية التربوية اقتصرت على حلقات لتعليم القرآن وبعض الأنشطة الترفيهية، في ظل الانقطاع عن التعليم، ما أثر على مستوى أطفاله الدراسي وفاقم حالتهم النفسية إثر الزلزال.
وكانت وزارات التربية قد مدّدت العملية التعليمية شهراً واحداً لتعويض أيام الانقطاع، وهو ما يراه عبد الناصر عبيد، مدير مدرسة الأتارب الشمالية، قراراً إيجابياً لضمان السير في المناهج التعليمية وتعويض ما فات الطلاب من دروس.
حالة من الفوضى ما تزال، رغم مرور ثلاثة أشهر على الزلزال، تحيط بالعملية التعليمية، فـ “ما يزال هناك طلاب خارج المدارس لكن لا يوجد إحصاء لأعدادهم، إذ يتطلب ذلك الوصول إلى كل حي وقرية ومدينة”، بحسب الوزير حجازي.
ويشرح عبد الناصر عبيد، ما يحدث من فوضى، يقول “هناك طلاب عادوا إلى مقاعد الدراسة، وهناك من أخذ أوراقه وانتقل إلى مدارس أخرى بعد نزوحه إثر الزلزال، لكن هناك طلاب لم يعودوا إلى مقاعد الدراسة وما تزال أوراقهم في المدرسة ولا نعلم إن كانوا قد تركوا المدينة أو ما يزالون فيها”.
ويضيف عبد الناصر “الانقطاع الذي حصل أثر على التحصيل الدراسي، والانتقال إلى مدارس أخرى سيترك آثاره على الطلبة، إذ أن هناك تفاوت في تحقيق المنهج الدراسي بين مدرسة وأخرى، كذلك الأسلوب التعليمي بين مدرس وآخر، خاصة وأن الطلاب العائدين ما يزالون يشتكون من أعراض نفسية سبّبها الزلزال، من الخوف وفقدان الأصدقاء الذين قضوا فيه”.
لم يكن الواقع التعليمي قيل الزلزال بأفضل حالاته، إذ بلغت نسبة الاستجابة لقطاع التعليم في عام 2022، من قبل المنظمات الدولية 31% فقط من الاحتياجات، وانقطع الدعم عن 35% من المدارس بشكل كامل، في الوقت الذي زادت فيه “خصخصة التعليم” بنسبة 18%، كذلك مشكلات التعليم في المخيمات التي افتقر 67% منها لنقاط تعليمية أو مدارس، إذ كان الطلاب يقطعون مسافات طويلة للحصول على التعليم، بحسب منسقو استجابة سوريا.
تراجع في المستوى و تسرب دراسي
يؤكد من تحدثنا معهم أن الزلزال وما رافقه من تداعيات على العملية التعليمية والصحة النفسية والجسدية للطلاب والمعلمين، إضافة للنزوح والتنقل وضعف القدرة المادية، كل ذلك ساهم في تراجع مستوى الطلاب التعليمي.
يقول أبو خالد، مهجر من مدينة حرستا بريف دمشق ويسكن مخيماً في عفرين، إنه فقد أحد أطفاله (في الصف الثالث) خلال الزلزال، وإنه “مأكس على السنة الحالية” بالنسبة لطفله الثاني (في الصف الثاني)، رغم نتائجه الجيدة في الفصل الأول، إذ لا يوجد ما وصفه بـ “الجو المناسب” للتعليم داخل الخيمة المخصصة لكل شيء، الطبخ والنوم والمعيشة، كذلك ما يعيشه طفله من حالة نفسية بفقدان أخيه وأولاد عمه الذين كانوا يرافقونه خلال الدروس، ما دفعه لعدم إرسال طفله إلى المدرسة أملاً في تعويض ما فاته في السنة القادمة.
الوزير حجازي قال إن “صعوبات كثيرة تعترض عودة التلاميذ، منها بعد المسافة عن المخيمات التي نزحوا إليها، ونقص الكوادر التعليمية في الخيام التي أنشئت، وقلة الوسائل التعليمية والمواد اللازمة لإكمالها”.
ويتخوف عبد الناصر عبيد من تسرّب الطلاب من المدرسة نتيجة الظروف الحالية. يلاحظ ذلك في المدرسة التي يديرها، كذلك المعلم في مدرسة خالد بن الوليد، والذي قال إن كثر من الطلاب لم “يعودوا إلى المدرسة بسبب النزوح أو الخوف”.
ويوضح تقرير لوحدة تنسيق الدعم Acu، في آذار 2022، أن عدد الطلاب المتسربين من المدرسة في شمال غربي سوريا، 815518 طالباً وطالبة، بنسبة 44% من عدد الطلاب الإجمالي والذي وصل إلى 1835540 طالباً وطالبة، منهم 19% لم يلتحقوا بالمدرسة بشكل كامل، بينما تسرب باقي الطلاب بعد دخولهم إليها.
يرجع التقرير أسباب التسرب الدراسي للنزوح المتكرر، ويقدره بنسبة 64% من الطلاب، بينما تتوزع باقي النسبة على أسباب أخرى منها بعد المدارس أو عدم وجودها في بعض المناطق والتجمعات، وغياب المدرسين المتكرر، والفاقة واضطرار الأطفال لإعالة أسرهم، وصعوبة الدراسة في الخيام، والرسوب المتكرر، والشعور بعدم الجدوى. ويخلص التقرير إلى أن 29% من الطلاب تحت خطر التسرب الدراسي، خاصة في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
تتشابه الظروف المشار إليها في التقرير مع ما يعيشه السكان في الزلزال، ما يوحي بزيادة جديدة في أرقام المتسربين. يغيب التعليم عن أفكار المنظمات الدولية والإنسانية خلال الاستجابة للزلزال، باعتبار المواد الإغاثية قد احتلت سلم الأولويات، دون تحقيق استجابة عادلة فيها، ما يوحي بخطر على مستقبل الطلاب، وهو ما يستدعي تحركاً عاجلاً لدعم العملية التعليمية.