فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

لا نريد عيداً بلا أفعال

سلام زيدان

لم تنم ليلة البارحة طوال ساعات الليل بسبب الخوف من تسلل أحد الأشخاص إلى الخيمة التي حصلت عليها بجهود شبه مستحيلة، بعد أن تصدع منزلها الكائن في مدينة الدانا وخوفها من العودة إليه.

أصبح الحديث عن الزلزال المدمر، الذي ضرب الشمال السوري في السادس من شباط، هو الشغل الشاغل لأحاديثي مع صديقاتي؛ كما هو الحال بالنسبة لمعظم السوريين والسوريات. وبينما كانت إحداهن تخبرنا عن ان ثمة “تنبؤات” بوقوع زلزال في الثامن من آذار، استوقفني هذا التاريخ لوهلة، لطالما كان من التواريخ المهمة في روزنامتي الشخصية والمهنية أيضاً. في غمرة توالي الأحداث كدت أنسى مناسبة اليوم العالمي للمرأة، الذي يصادف الثامن من آذار كل عام.

ذاك التاريخ، الذي بدأت نساء العالم الاحتفال به لأول مرة في عام 1911، هو من وجهة نظري تاريخ مهم جداً بالنسبة لنا، نحن النساء السوريات، وبخاصة في الشمال السوري. على الصعيد الشخصي، أعرف قصصاً وحكايات مؤلمة تعيشها قريباتي وغيرهن من التشرد والألم، تجعلنا نعيش في دوامة التفكير والانشغال، في ظل غياب أبسط مقومات حقوق المرأة.

مازالت ملامح وجه صديقتي الحزينة حلا عالقة في ذهني وهي تروي لنا ما حصل مع ابنة خالتها أمينة، ابنة الـ 22 ربيعاً، بعد أن فقدت منزلها بالكامل في منطقة جنديرس، تاركة فيه ذكرياتها وأغلى ما تملك، حتى أوراقها الثبوتية وثيابها بقيت تحت الركام بعد أن نال الزلزال من البناء الذي تسكنه.

باتت الآن دون مأوى تبحث مع زوجها عن مكان أو خيمة تؤويهما، لا يملكان ثمنها حتى. يضطر زوجها لأن يتركها عند أقربائه ويذهب للبحث عن منظمة أو جمعية علّها تؤمن لهما مكاناً للسكن أو مركزاً للإيواء. والآن بات أكبر أحلام أمينة خيمة و”اسفنجة” وبعض الأواني المنزلية التي تجعلها قادرة على الاستقرار مع زوجها في مكان يحفظ لهما خصوصيتهما.

أستمع لحديث صديقتي عن حال أمينة وأعرف نساء كثيرات حالهن كأمينة، بل ربما أسوأ حالاً. وأحدث نفسي: ترى كيف للنساء في الشمال السوري أن يتذكرن يوم المرأة العالمي؟ ومن سيحتفل بهن وهنّ يواجهن أصعب الظروف؟

تكمل صديقتي الأخرى الحديث واصفة حال أختها التي فقدت زوجها وطفلها في انهيار مبنى مشروع قرية بسنيا في ريف سلقين ووفاة زوجها تحت أنقاض المبنى مع طفله الصغير وما تعانيه من مرارة الفقد. تحدثنا كيف أن أهلها يحاولون الشد من أزرها لكي تصبر، إلا أن عينيها الدامعتين لا تشيحان عن هاتفها، الذي أصبح مرجع ذكرياتها الوحيد، فعليه صور طفلها وزوجها.

تشاهد صورهما وتسترجع ذكرياتها معهما. تتابع أختها الحديث: مرات عديدة نستيقظ ليلاً على صوت بكائها وتنهداتها الموجعة تارة وحديثها مع نفسها تارة أخرى، بأنها هل ستكون قادرة على حمل مسؤولية تربية بناتها وإكمال تعليمهن وتأمين مستلزمات العيش بدون والدهن.

لم تنته قصص المعاناة والتحديات التي تواجهها النساء في كل مكان، فعندما انطلقنا للعمل بأحد المخيمات التقيت بواحدة من النساء الوافدات من مدينة حارم إلى المخيمات. لايزال منظر جرحها الغائر في ساقها عالقاً في مخيلتي وهي تصرخ ألماً دون أي رعاية.

لم تكن تلك المرأة قادرة على مراجعة المستشفى أو المركز الصحي مرة ثانية بعد إسعافها في المرة الأولى بسبب انهيار منزلها بزلزال 6 شباط. حينها قدّم الأطباء لها الإسعافات الأولية السريعة وخرجوها من المستشفى على عجل بسبب الضغط الكبير على المشافي لإفساح المجال لعلاج حالات أشد خطورة. لم تزر أي طبيب منذ تلك اللحظة، بسبب صعوبة الوصول ونقص الخدمات الطبية. لم يكشف على جرحها أحد سوى عائلتها بمعقمات بسيطة، رغم ما شاهدته من آثار تقرحات حول الجرح الذي تفوح منه رائحة نتنة.

لم تكن هي الوحيدة في المعاناة ونقص الرعاية الطبية، بل زوجة أخيها العروس أيضاً، التي لم يمض على زواجها أشهر ولم تكتمل فرحتها بحملها. شاهدتها تعاني من ألم شديد في بطنها وظهرها وهي في الأشهر الأولى من حملها بعد الأحداث المروعة التي شهدتها أثناء انهيار البناء الذي سكنته مع أسرتها، يُضاف إلى ذلك الألم الذي ينتابها كلما استرجعت مشاهد الأطفال والنساء العالقين تحت الأنقاض.

في طريق العودة من العمل أنا وصديقتي، التي فقدت زوجها في قصف لطائرات الأسد على قريتها قبل تهجيرها من ريف حماة صيف 2016، كانت تحادثني متسائلة فيما إن كانت النساء في المخيمات طيلة اثنتي عشرة سنة يشعرن بالأمان والخصوصية في خيم قماشية أبوابها على شكل سحابات معدنية، والتي لا تزال غالبية النساء في الشمال السوري تسكنها. تخبرني أنها لم تنم ليلة البارحة طوال ساعات الليل بسبب الخوف من تسلل أحد الأشخاص إلى الخيمة التي حصلت عليها بجهود شبه مستحيلة، بعد أن تصدع منزلها الكائن في مدينة الدانا وخوفها من العودة إليه.

تقول إنها حاولت مرات عدة طمأنة أطفالها وهي تحتضنهم وتقنعهم طوال الليل بأن الخيمة أكثر أماناً من البناء بسبب استمرار الهزات الارتدادية وإمكانية حصول زلزال آخر. إلا أن الخوف الذي ينتابها كلما اقتربت حيوانات شاردة من خيمتها ، لم يكن أقل من خوف البقاء في منزلها المتصدع، كما وصفت. تصمت قليلاً ثم تكمل قائلة: “وأقاربي يحسدونني لأني حصلت على خيمة في ظل غلاء أسعار الخيام وعدم توفرها.”

أعباء كثيرة أضافها الزلزال لتقع على عاتق المرأة في الشمال السوري. ما أحوجنا اليوم لمناسبة تشد من أزرنا وتنصفنا ولو ليوم واحد في السنة؛ فالمرأة تستحق أن يكون لها عيد ويوم تحتفل به.

لكن مهلاً، لا نريد، نحن معشر النساء، أن تخصصوا لنا عيداً وتحتفلوا به أنتم يوماً في العام وتنهالوا علينا بالتبريكات والأقوال فحسب، بل نريد منكم أن تدعموا حقوقنا كل يوم، بدون أن تكون هناك مناسبة للخطابات والشعارات الرنانة اسمها “يوم المرأة العالمي”.