تعيش مدينة جنديرس كارثة إنسانية، بعد مضي عشرة أيام على زلزال 6 شباط، تحولت خلالها المدينة إلى مراكز إيواء تفتقد جل الخدمات الأساسية، وانتشرت الخيام أمام الأبنية المهدمة وفي المدارس وتحت أشجار الزيتون.
رغم تأمين 2200 خيمة للعائلات المتضررة من الزلزال من أصل 4000 خيمة، كتقدير أولي من احتياجات مركز مدينة جنديرس لاستيعاب حاجة العائلات، توزعت على 20 مركز إيواء موثق من قبل غرفة عمليات إدارة كارثة جنديرس، والتي أنشئت جميعها بشكل طارئ، إلا أنها ما تزال تحتاج لكافة الخدمات الممكنة، من غذاء ومياه ونظافة وتدفئة، بحسب يزن ناصر، نائب رئيس مجلس جنديرس المحلي.
يقول الناصر: “بلغ عدد سكان مركز مدينة جنديرس 55 ألف نسمة قبل الزلزال، تضرر أكثر من 70٪ من منازلهم حسب تقديرات مجلس جنديرس المحلي، إذ باتوا بدون مأوى وجميعهم بحاجة خيام”.
لم تقتصر الحاجة للخيام على العائلات التي تهدمت منازلها كلياً، إذ طالبت عائلات أخرى تضررت منازلها بشكل جزئي بخيام لوضعها أمام منازلهم خوفاً من تكرار الزلزال، نتيجة كثرة الإشاعات بهذا الشأن وتحسباً من حدوث هزات ارتدادية جديدة، والتي لم تتوقف منذ وقوع الزلزال، وذلك بحسب رياض الجاسم، مسؤول ضمن غرفة إدارة الكارثة في جنديرس.
ومازالت عمليات إزالة أنقاض 270 بناء مستمرة، جلها أبنية طابقية، وفتح الطرقات بعيد إعلان الانتهاء من عمليات الإنقاذ والانتشال، وما بين الحين والآخر يعثر على ضحايا تحت الأنقاض بأعداد قليلة من قبل فرق الإنقاذ التي تشرف عليها فرق الدفاع المدني، بحسب الجاسم.
دفع سوء الأحوال الجوية وبرودة الطقس عائلات إلى البقاء في منازلها رغم تضررها جزئياً وتصدع جدرانها، وهو حال ج.ع، فضل عدم ذكر اسمه، إذ يقول: “رغم أن منزلنا حوش عربي إلا أنه تصدع، لكننا ننام مع أطفالنا فيه، وسط حالة من الترقب والقلق من حدوث هزة أرضية جديدة، أصبحنا نعمل نواطير فوق رؤوس أطفالنا، وهم نيام داخل المنزل، ونحن ننتظر أن نستلم خيمة لبنائها في الحوش”.
تجمعت ست عشرة عائلة في خيام أمام مبناهم في حي الفيلات الذي تضرر بشكل كبير نتيجة الزلزال، جمعوا ما أمكنهم من تحت ركام منازلهم كي يدفئوا بها أطفالهم ونساءهم، يقول أبو عمر، مهجر من ريف حماة: “لا مكان نذهب إليه، بعد خمسة أيام من الانتظار استلمنا خيمة، إلا أنها تخلو من الأغطية والفرش ووسائل التدفئة وهي الأهم”.
يوجد في حي الفيلات غرب جنديرس أربعة مراكز، يتراوح عدد ساكنيها ما بين خمسين ومائة عائلة، فيما توسعت مخيمات جنديرس الموجودة قبل الزلزال إلى أضعاف ما كانت عليه في مخيمات جنديرس، إضافة لمركز إيواء في قرية حج إسكندر بالقرب من معبر الحمام مع تركيا يوجد فيه ما بين 700 إلى 1000 خيمة.
تنتشر تجمعات الإيواء بشكل رئيسي في محيط جنديرس، طريق تل سلور يحتوي ثلاثة مراكز، على المتحلق شمال وشرق جنديرس يوجد ثلاثة مراكز رئيسة، وعلى طريق كفر صفرة توزعت عدة مراكز، يتراوح عدد الخيام فيها بين عشرة وثلاثين، فيما تحولت المدينة الصناعية الجديدة شرق جنديرس إلى مركز إيواء ضمت مئات العائلات ضمن المحلات.
يعمل على خدمة هذه المخيمات منظمات وفرق تطوعية وأهلية بشكل جزئي، حسب قدرة تلك المنظمات والفرق، إذ أن حجم كارثة جنديرس يفوق قدرة المنظمات المحلية، بحسب الناصر.
أثناء وجود فوكس حلب في المجلس المحلي توافد مئات الأشخاص طلباً لتأمين خيام لهم أو تأمين الاحتياجات الرئيسة من طعام وشراب، في ظل عدم قدرة المجلس والمنظمات العاملة على تلبية تلك المتطلبات إلا بالقدر اليسير، وضمن قدرة المنظمات المحلية المتاحة، إلى جانب أن معظم عناصر غرفة عمليات إدارة كارثة جنديرس هم متطوعون في غالبهم معلمي مدارس.
تضررت قرى جنديرس بشكل متفاوت و بأضرار أقل نسبيا عن مركز المدينة، وإلى الآن لم يتسن تقييم الاحتياجات لتلك القرى، كما يوضح الناصر، إذ سيجري الالتفات لها في مرحلة ثانية بعد الانتهاء من المرحلة الأولى في جنديرس المدينة، وهناك حاجة متزايدة لإنشاء مراكز إيواء جديدة في القرى المحيطة بجنديرس مع نزوح كثير من العائلات إليها، والتي كان يتجاوز عدد سكانها قبل الزلزال 60 ألف نسمة، حسب قوله.
شكَّلَ غياب دورات المياه وخزانات مياه الغسيل أزمة حقيقية للعائلات في مراكز الإيواء والمخيمات، ودخول الحمام بات بالغ الصعوبة، كما يقول عبدو العلي، يسكن في مركز إيواء بجنديرس”لا نعلم إلى أين نذهب لقضاء حاجتنا وخاصة النساء، كثيراً ما نلجأ إلى حمامات الأبنية المهدمة جزئياً القريبة منا وهذا بحد ذاته يمثل خطراً، إذ أنها قد تكون معرضة للسقوط بأي لحظة”.
انتشار مراكز الإيواء بدون خدمات مياه وصرف صحي ينذر بحدوث كارثة صحية وانتشار الأوبئة حال بقيت دون تخديم صحيح، يقول الناصر: نخشى أن تصل مياه الصرف الصحي إلى مصادر مياه جنديرس الجوفية ما سيضعنا أمام كارثة صحية.
يوجد في جنديرس اثنتا عشرة نقطة طبية، ما بين ثابتة ومتنقلة، تقدم الخدمات الصحية الأولية مع نقص في المستلزمات الطبية، يقول أبو جمعة، متطوع ضمن أحد الفرق الصحية: “استنزف المخزون الدوائي لدى الفرق الطبية وباتت الخدمات تقتصر على الإسعافات الأولية، إضافة لذلك فإن عدداً كبيراً من الصيدليات تهدمت أبنيتها وفقدت كل الدواء الذي كان فيه، بينما شارف مخزون ما تبقى من الصيدليات على الانتهاء”.
تعمل فرق هندسية على تقييم أضرار المنازل ومدى صلاحيتها للسكن، ترافقها لجنة حقوقية لضمان الحقوق، خاصة مع كثرة الوفيات التي تجاوزت ألف ضحية في مركز جنديرس وحدها، حسب تعبير الناصر.
رغم دخول عدد من قوافل المساعدات الدولية، سعودية و قطرية وومن كردستان، إضافة إلى الحملات والمبادرات الأهلية، لكنها إلى الآن لم ترقَ إلى مستوى مواجهة الكارثة، وأغلبها قوافل صغيرة مقارنة بحجم الضرر التي تعرضت جنديرس، بحسب الناصر، إذ يقول: “طيارة وحدة تكفي جنديرس من احتياج الخيام لكن ليس لدينا جسر جوي، ونتمنى أن يكون هناك استجابة دولية لكي لا تتحول جنديرس من مدينة إلى مخيم”.
ينشغل من نجا من أهالي جنديرس إما بتأمين الاحتياجات الأساسية من طعام ومياه ودواء، أو بخيمة تؤويهم، مع آثار صدمة الزلزال التي غيرت حياتهم من حال لحال، وهاجس يؤرق راحة بالهم، بأن تتحول مدينتهم إلى مخيم، وتتحول فكرة العيش في منزل لمجرد حلم.