قرر ياسين الدهمان، 30 عاماً، بعد توقفه عن العمل، إنشاء حساب على منصة تيك توك، ونشر محتوى خاص بالأغاني الشعبية والمواويل والزجل. وكان هدفه الوصول إلى عدد محدد من المتابعين، يستطيع من خلاله كسب أرباح مالية، إذ تربط منصة تيك توك تحقيق الأرباح لمستخدميها بعدد المتابعين والمشاهدات والتفاعل على المحتوى الذي يقدمونه.
لامست مواويل الشوق والحنين التي يقدمها الدهمان، للبلدات التي هجر أهلها، قلوب شريحة واسعة من المتابعين في الريف الإدلبي، أغلبهم يفتقد البلدة أو المدينة التي أجبرته الحرب النزوح منها، وخلال فترة وجيزة ازداد عدد متابعي حساب الدهمان، والذي وصل إلى تسعمئة متابع، وهو بانتظار وصول عدد متابعيه إلى ألف متابع، لتسمح منصة تيك توك له بفتح بث مباشر، كي يستطيع الحصول على هدايا من متابعيه، حسب قوله.
الربح من البث المباشر أحد الوسائل المتبعة بالنسبة لأصحاب حسابات التيك توك، وهذه الطريقة تعتمد على الهدايا التي يقوم المتابعون بإرسالها لصاحب الحساب، أثناء البث المباشر، إذ تعتبر الهدايا هي الطريقة الأساسية لكسب الأموال.
حقق تطبيق تيك توك مؤخراً انتشاراً واسعاً على حساب بقية مواقع السوشيال ميديا الأخرى، خاصة بعد آخر تحديث أجرته الشركة، في آذار (مارس) 2022، وهو زيادة مدة مقطع فيديو “ريلز” لمدة عشر دقائق، بعد أن كانت مدته قبل ذلك خمس دقائق فقط، ما أفسح المجال لدخول آلاف المستخدمين، بهدف مشاركة أعمالهم والحصول على أرباح من الفيديوهات التي يبثونها على منصة تيك توك.
وهذا ما حدث مع محمد مناع، الذي يعمل مراسلاً في إحدى القنوات الإخبارية، إذ اختار الترويج للتغطيات التي يقوم بها، عبر بثها بشكل مباشر على حسابه الشخصي على تيك توك، سواء كانت تغطيات ميدانية أو قصص إنسانية، أو نقل تفاصيل الحياة اليومية للأهالي في مخيمات النزوح.
يرى المناع أن مشاركة أعماله عبر قناته هو مرادف لعمله كإعلامي، كونهما يتشاركان في هدف واحد؛ وهو تعميم الحالة على أكبر قدر عدد ممكن من المشاهدين، والذي يصل أحياناً لتواصل أشخاص أو جهات معينة لتلبية بعض المشكلات التي يلقي الضوء عليها من خلال الفيديوهات المنشورة على تيك توك، حسب قوله.
قيمة الأرباح التي يجنيها المناع من خلال البث المباشر، توازي نصف دخله كمراسل في القناة التي يعمل بها، كما يوضح، إذ تجاوز عدد متابعيه 16 ألف متابع، وبات يجني أرباحاً متتالية عن كل بث مباشر يقدمه لمتابعيه من خلال الهدايا التي يقدمونها له أثناء عملية البث والتغطية التي يجريها، ونسبة أرباحه من تيك توك في تزايد مستمر، حسب تعبيره.
يقول المناع لـ”فوكس حلب”: “تختلف قيمة الأرباح من بث لآخر، تبعا لمحتوى البث، ومدى تفاعل المتابعين معه، إضافة لطبيعة متابعي البث، فبعض الفيديوهات تحصد عشرات الهدايا خلال دقائق، وبعضها الآخر لا تحقق أي أرباح تذكر”.
تختلف قيمة الهدايا التي يتلقاها أصحاب قنوات تيك توك في الشمال السوري تبعاً لعدد النقاط الذي تحتويه كل هدية، وكل عشرين ألف نقطة تساوي مبلغاً قدره مئة دولار، يضاف لمحفظة المستخدم عبر حساب “باي بال”، الذي خصصته المنصة لمستخدميها، بعد أن كانت عملية التحويل تجري عن طريق البنوك فقط.
يقول من التقيناهم أن قيمة تلك الهدايا تضاف إلى محفظة المستخدم على هيئة نقاط، لكن لا يمكن للمستخدم سحب أرباحه حتى وصول عدد متابعيه إلى عشرة آلاف متابع.
تتنوع الفيديوهات التي تبث عبر تيك توك، فبعضها يحمل محتوى مفيد أو تعليمي، مثل المحتوى الذي يقدمه عبد الرزاق جعار، والذي يروج لخامة صوته، من خلال نشر فيديوهات قصيرة يلقي خلالها مقاطع من الشعر والنثر والحكم القصيرة أو القصص التاريخية، ورغم حصوله على جائزة التعليق الصوتي على مستوى الوطن العربي، لكن عدد متابعيه لم يصل إلى الحد الذي يسمح له بإطلاق بث مباشر لدروس التعليق الصوتي وحيثياته، كما يقول، ما دفعه لنشر فيديوهات بشكل دوري لكسب متابعين جدد يمكنه من إطلاق بث مباشر.
يتخذ بعض مستخدمي تيك توك في الشمال السوري موضوع النزوح، وما ينتج عنه من قصص إنسانية، كواجهة للترويج للمحتوى الذي يقدمونه وفرصة للمتاجرة بالظروف المعيشية لقاطني الخيام، عبر فتح بث مباشر على مجموعة من الأطفال يستجدون المساعدة أو عرض حالة إنسانية أو إصابة حربية تطلب المساعدة من متابعي البث.
في تحقيق استقصائي مصور لقناة بي بي سي، نشر قبل شهرين، أظهر شيوع تلك الظاهرة بين عدد من مخيمات الشمال السوري، يقوم بها عدد من أصحاب تلك القنوات والذين اتخذوها مهنة لهم، مقابل تقاسم الأرباح بين صاحب القناة ومجموعة الأشخاص الذين يظهرون في البث، وأوضح التقرير أن مجمل الهدايا التي يحصدها أصحاب البث تعود لموقع تيك توك وشركاته الوكيلة، بنسبة 70% من قيمة تلك الهدايا، فيما تتقاضى مكاتب التحويل التي تقوم بتحويل قيمة الهدايا إلى دولار نسبة 10%، ويحصل وكلاء البث على 35% من قيمة المبلغ المتبقي، فيما يحصل من ظهر في البث، أبطال القصة، على ما تبقى من قيمة ذلك المبلغ.
تُفعَّل حسابات تيك توك عن طريق شرائح تعود لدول مختلفة، لترويج عملية البث في دولة ما، وتجري تلك العملية ضمن مراكز معتمدة ومختصة ببرامج العملات الرقمية، والتي بدورها تقوم بسحب أرصدة المستخدمين وتحويلها إلى دولار مقابل 10%من قيمة تلك الأرباح.
يختلف رواد تيك توك ومتابعيه بين من يفضله عن باقي التطبيقات ومعارض له، ويعود ذلك التباين تبعاً للفئات العمرية والتطبيق السائد الذي نشأ عليه كل جيل، وهو ما يظهر جلياً بالنسبة لرواد تيك توك الذين يعتبر أكثر متابعيه من فئة المراهقين والشبان الصغار.
المحتوى الفكاهي وفيديوهات البث المباشر التي يقدمها الموقع، جعلت منه تطبيقاً أكثر حيوية وفعالية من باقي التطبيقات التي تتسم بالجمود، بحسب الشاب أحمد بشار، 20 عاماً. بينما يرى ياسر موسى، 40 عاماً، أن الفيسبوك أكثر اتزاناً، إذ يفتقد تطبيق تيك توك للمحتوى المفيد، إلى جانب اقترانه بتقديم تنازلات كبيرة من قبل صاحب القناة، قد تكون مخلة بالآداب لجذب أكبر قدر من المشاهدات والهدايا، حسب قوله.
تحصيل الأرباح على تيك توك من خلال هدايا البث المباشر، خلق هوساً لدى كثيرين من أصحاب قنوات تيك توك، من أجل زيادة عدد متابعيهم بشتى الوسائل، حتى لو كانت خارجة عن نطاق العادات والتقاليد المحيطة بهم، ويتضح ذلك من خلال جولة تصفح عبر تلك المنصة، يظهر من خلالها فيديوهات متنوعة تبث بين مستخدمين يتنافسون ضمن لعبة تحدي، بهدف زيادة المتابعين والحصول على هدايا، وفي أغلب الأحيان يكون التحدي يحمل “إذلالاً” للخاسر من خلال حلق شاربه أو تقليد صوت حيوان أو خلع ثيابه، أو القيام بأمر “مناف للأخلاق”.
يحظى الرابح بالتحدي على عدد من الهدايا متمثلة بعدد النقاط والاعجابات ومشاركة بثه المباشر من قبل متابعيه الذين يدعمونه، وسواء كان المشارك في التحدي رابحاً أم خاسراً، ألا أن رصيده من الأرباح يزداد ويمنح حسابه سرعة انتشار أوسع.
تتنوع مواضيع تيك توك ويسعى رواده بالمجمل لمواكبة الأحداث الآنية والأكثر انتشار على منصات التواصل الاجتماعي، سواء كانت أخباراً سياسية أو رياضية أو أوضاعاً معيشية، ويعود ذلك تبعاً لطبيعة المحتوى الذي ينتجه مالك القناة.
أحياناً يستغرق الدهمان عدة أسابيع لانتاج فيديو واحد عن الأغاني الشعبية والشعر والزجل عبر قناته على تيك توك، إذ أن محتواه غير مقيد بوقت، وتأخره في نشر فيديوهات يعود بالدرجة الأولى لتلافي إحداث نوع من الملل لمتابعيه، إضافة إلى الوقت الذي يقضيه في اختيار كلمات يستطيع من خلالها نسج محتوى مميز وفريد من نوعه، حسب تعبيره.
في المقابل تتزايد فيديوهات البث المباشر على صفحة المناع بحكم تغطيته للأحداث اليومية، سواء كانت ميدانية أو حالات إنسانية، أو نقل للأوضاع التي يعيشها الأهالي في الشمال السوري، وهو ما يتطلب تغطيتها على وجه السرعة.
أما المعلق الصوتي عبد الرزاق جعار فقد يستغرق منه إنتاج فيديو واحد عدة أيام، تمهيداً لإدراجه عبر قناته بعد اختيار الموضوع وتحضيره، وكل فيديو يقوم بنشره يستغرق منه عدة ساعات ما بين صياغة وتسجيل ومونتاج، حتى يصبح جاهزاً للنشر، حسب قوله.
رغم تنوع طرق كسب الأرباح عبر منصة تيك توك عالمياً، إلا أن معظم أصحاب قنوات تيك توك في الشمال السوري يعتمدون أرباحاً بدائية في تحقيق دخلهم، من خلال الهدايا التي يتلقونها أثناء البث المباشر، وهي الطريقة الوحيدة التي خصصتها شركة تيك توك في الشرق الأوسط، بالرغم من وجود العديد من طرق الكسب المتاحة في الاتحاد الأوروبي وأمريكا، كالحصول على أرباح من خلال عدد مشاهدات الفيديوهات المنشورة إلى جانب الهدايا.
وهناك وسائل أخرى تحدث عنها المهندس محمد طعامنة، المختص بتقنيات البرامج الإلكترونية في مقالة له عن طرق الكسب من تيك توك، أوضح خلالها وجود العديد من الطرق لتحقيق الربح بداية من مركز وكالات تيك توك، وهي ميزة جديدة أطلقتها تيك توك يستطيع من خلالها منشئ المحتوى الاستفادة من وكالات تيك توك لتحقيق مبلغ مالي جيد.
في الوقت الراهن أصبحت بعض الشركات أو المستثمرين تروج لمنتجاتها وخدماتها، عن طريق أصحاب الحسابات المشهورة على تيك توك، مقابل مبلغ مادي. كما يتيح التطبيق لمستخدميه بيع منتجات خاصة، من خلال إنشاء متجر إلكتروني بسيط و شراء منتجات وعرضها على الزبائن ثم توصيلها إليهم، بالاتفاق مع إحدى شركات التوصيل، بالإضافة للترويج لقنوات أو حسابات أخرى.
ويمكن لبعض مستخدمي تيك توك كسب الربح عبر طريقة “الأفليت” أو يسمى التسويق بالعمولة، كالتسويق لمنتجات موقع أمازون عن طريق التحدث عن منتج مع إرفاق رابط للشراء، وهو ما يعود بعائدات مالية على صاحب القناة مقابل بيع أي منتج يجري بيعه عبر ذلك الرابط.