مر قطاع الزراعة وعلى وجه الخصوص زراعة الخضروات -في جبل الزاوية جنوبي إدلب بتقلبات الأوضاع الميدانية والاقتصادية، ما دفع المزارعون لتركها عدة سنوات والتوجه لمحاصيل أخرى مثل الأشجار المثمرة، التي لا تحتاج عناية ومصاريف زائدة.
في الآونة الأخيرة، ومع عودة الهدوء النسبي إلى بعض القرى وتوفر سبل جديدة لسقاية المزروعات تعدّ أقل كلفة، عادت هذه الزراعة من جديد لتشكل مصدر دخل للمزارعين في قرى جبل الزاوية التي لا يطالها القصف اليومي.
هدوء يساعد المزارعين
تشهد قرى جبل الزاوية القريبة من خطوط الجبهات قصفاً شبه يومي من قبل قوات النظام وروسيا التي تحاصره، من الجهتين الجنوبية والشرقية، حيث تمنع تلك الهجمات مظاهر الحياة والزراعة من العودة، وتمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم. في المقابل تشهد عدة قرى هدوءً نسبياً ساعد المزارعين على زراعة أراضيهم بمحاصيل الخضروات والأشجار المثمرة التي تشتهر بها المنطقة.
“حسين أبو يوسف” من قرية كفرحايا المتربعة على التلال الشمالية الشرقية لجبل الزاوية، يقول إنه زرع أرضه بالفاصولياء والبندورة واللوبيا، وهي من المحاصيل الصيفية التي يمكن تجفيفها وتخزينها حتى فصل الشتاء.
تنتشر زراعة الخضروات في حقول خاصة أو في الأراضي ذاتها التي تحوي أشجاراً مثمرة، وفي كثير من الأحيان يستثمر المزارعون عملية الريّ الكثيفة للخضار في سقاية الأشجار المزروعة حديثاً، ما يساعدها على النمو بشكل أسرع.
يضيف أبو يوسف “عندما تفقد الأرض قدرتها على إنتاج الخضار، في آخر الموسم، نزرع أشجار المحلب أو التين، وهكذا تتشرب المياه مع الخضار، وتكبر بشكل أسرع، وبمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات لتصبح منتجة، بخلاف الأشجار التي لا تروى بهذه الطريقة فتحتاج نحو خمس سنوات لتدخل مرحلة الإنتاج”.
الطاقة الشمسية عامل أساسي
يشير “أبو يوسف” إلى أن زراعة الخضراوات غابت لسنوات عن جبل الزاوية وعادت من جديد نتيجة عدة عوامل، بالدرجة الأولى تراجع القصف، وتوفّر بديل عن المحروقات غالية الثمن، مثل الطاقة الشمسية، فلولا الطاقة الشمسية لا يمكن وجود زراعة”، لافتاً إلى أنه افتتح مشروعاً قبل سنتين، وسقاه من خلال استجرار المياه بالطاقة الشمسية، وحينها كانت المشاريع قليلة جداً، لكن هذا العام لجأ كثير من المزارعين إلى الطاقة الشمسية وبدأت زراعة الخضار، ووصلت المساحة المزروعة بها في كفرحايا فقط إلى نحو 100 دونم.
يتألف مشروع الطاقة الشمسية لدى معظم المزارعين في القرية ممن لديهم آبار سطحية -بعمق يتراوح بين 20 إلى 100 متر- من 12 لوح طاقة شمسية، ومحول وغاطس بقوة 2 حصان، يمكن أن يعطي تدفق 2 إنش من الماء، وقد يزيد عدد الألواح إذا كانت استطاعة غاطس الماء أكثر من 2 حصان. يؤكّد أبو يوسف أن الهم الأكبر هو توفر المياه، التي بدأت تقل وتجف بسبب كثرة السحب وقلة الأمطار السنوية.
الأسواق وتصريف الإنتاج
يعرض “أبو يوسف” ما يجنيه من محصول الفاصولياء واللوبيا في سوق قريته كفرحايا الذي أصبح تجمعاً وسوقاً لعدة قرى أخرى، إذ ينقل التجار هذه المحاصيل إلى السوق المركزي في مدينة أريحا (سوق الهال) أو أسواق أخرى باتجاه الشمال، وبالنسبة للأسعار يقول حسين “عندما بدأنا ببيع الفاصولياء كان سعرها 5 ليرات تركية للكيلو الواحد، ثم ارتفع إلى حوالي 7 أو 10 بحسب جودة المحصول.
أما باقي المزروعات مثل الخيار والبندورة فهي متقلبة بحسب العرض والطلب وكمية الاستيراد، وتراوحت بين 2 و 5 ليرات للبندورة و 2 إلى 6 ليرات للخيار.
صعوبات وتحديات.. ارتفاع التكاليف
يروي “حسين” وهو مزارع آخر من بلدة كفرحايا مزروعاته أثناء سطوع الشمس بشكل جيد من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الرابعة بعد الظهر، ويضطر أن يعمل تحت أشعة الشمس الحادة ليستغل عمل منظومة الطاقة الشمسية، وأحياناً يحتاج لتشغيل مولدة الكهرباء ليلاً ليلبي حاجة النباتات.
بالرغم من تكلفة منظومات الطاقة الشمسية التي تتراوح بين 500 و1000 دولار لكنها تعتبر حلاً شبه دائم وبديلاً عن مولدات الكهرباء التي تعمل بالديزل، ولكنها ليست المصاريف الوحيدة في الزراعة، يقول حسين “تستهلك الأسمدة والمبيدات الحشرية بين 50 إلى 60 بالمئة من عائدات الإنتاج، وليست فعالة كما يجب، وهو ما يقلل من الربح، دون وجود أي دعم من المنظمات أو الجهات الرسمية في المنطقة، الذي إن توفّر سيجعل وضع المزارعين أفضل، ويشجعهم على الزراعة كل عام”.
الأمراض والآفات الزراعية
في سؤال عن أنواع الأمراض والآفات التي تصيب المحاصيل الزراعية، يقول المهندس الزراعي محمد الخليفة: توجد العديد من الآفات التي تصيب محاصيل الخضروات منها، حفارات الأنفاق، والمن، والذبابة البيضاء، والدودة القارضة والعناكب، بعض الأمراض الفطرية منها (البياض الزغبي والبياض الدقيقي).
يشير “الخليفة” إلى أن المبيدات الحشرية والأسمدة متوفرة في السوق بأنواعها المتعددة، ولكنها ذات فعالية ضعيفة، والأسعار لا تتناسب مع واردات المزارع، وهذا يحد من استخدام المبيدات، فالأصناف الفعالة مرتفعة الثمن لا يستطيع المزارع تأمينها، بحسب قوله.
الجفاف وقلة المياه في الآبار السطحية تهدد الزراعة
تعتبر الآبار السطحية المصدر الرئيسي لمياه الريّ في جبل الزاوية، لعدم وجود أي مصادر أخرى، حيث انتشرت عمليات حفر الآبار السطحية منذ نهاية تسعينيات القرن الفائت، لتزدهر الزراعات المروية بشكل أكبر، ولكن العشوائية في حفر تلك الآبار حتى اليوم وعدم وجود ضوابط من حيث المكان والتوزع أسهما في جفاف الكثير من الآبار، و زادا الاعتماد على الآبار الجوفية –التي تعتبر أقل بكثير من الآبار السطحية -في تأمين مياه الشرب ولكنها مكلفة للاستخدام في ريّ المزروعات.
طه الإسماعيل مزارع من بلدة إبديتا، وسط جبل الزاوية، يعمل في مشروع لزراعة الخضار في بلدة إحسم المجاورة لقريته، يزرع طه في مشروعه الباذنجان والخيار والبندورة والفليفلة، تؤمن مزروعاته دخلاً مادياً يكفي عائلته المكونة من 7 أفراد، ويخزن مؤونته لفصل الشتاء، من حسن حظ طه أن المياه في البئر السطحي لديه مازالت جيدة، فيما توقفت عدة مشاريع محيطة به نتيجة جفاف المياه وبالتالي تلفت المحاصيل والخضار، ما أدى إلى خسائر أو توقف المشاريع دون أي أرباح تذكر.
يقول طه “تكلفة الإيجار والأسمدة والمبيدات الحشرية تجعل من مشاريع زراعة الخضروات، محدودة الأرباح، وأحياناً لا تكفي أشعة الشمس لسقاية الخضراوات ما يضطرنا لتشغيل مولدة الكهرباء، وهذا يقلل من العائد المادي، عدا عن شبح نقص المياه والخوف من جفاف الآبار التي نعتمد عليها في ريّ المحاصيل، ما يجعل عملنا خاسراً”.
يقول رئيس المجلس المحلي في قرية كفرحايا، عبد الباسط سرجاوي: يحد الجفاف من قدرة المزارعين على زراعة كامل أراضيهم، فالآبار التي كانت تعمل طيلة 24 ساعة في اليوم أصبحت تعطي كميات قليلة من الماء، لكن قلة فرص العمل حتمت على أغلب أهالي القرية العمل بالزراعة ضمن الإمكانيات المتاحة.
ويضيف “نحاول مع المنظمات والجهات الأخرى لتوسيع هذه الزراعة، وسعينا لإيقاف عمليات نقل المياه من الآبار كي يستطيع أهالي القرية ريّ أراضيهم وتأمين مياه الشرب لمنازلهم”.
يرى المهندس الزراعي، محمد الخليفة، أنه يجب وضع حد لانتشار أعمال الحفر العشوائية، ومنع نقل المياه من منطقة لأخرى إلا بشكل مدروس، إضافة إلى دعم حفر آبار ارتوازية، وضمان توسطها القرى بحيث تخدم المنطقة، مع تقديم الدعم للمزارعين وتأمين البذار، وتوفير الأسمدة والمبيدات الحشرية مجاناً أو بشكل رمزي.
ويضيف، “قبل تسعينيات القرن الماضي كانت زراعة الخضار تقتصر على الزراعة البعلية (غير المروية)، ومع انتشار حفر الآبار العربية القديمة ثم الآبار السطحية ارتفعت نسبة المساحات المستصلحة (القابلة للزراعة) وازدهرت زراعة الخضروات المروية مع بدايات القرن العشرين في العديد من قرى الجبل، لكنها لا تقارن بزراعات سهل الغاب الذي يحد الجبل من الغرب، أما في السنوات الأخيرة حاول الأهالي تأمين مصدر بديل بعد سيطرة قوات النظام على السهل، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم.