فتحت المدارس في حلب أبوابها منذ أيام لبداية العام الدراسي الجديد، الذي ترافق مع ارتفاع في أسعار القرطاسية ومستلزمات الطلاب، وشواغر تدريسية كبيرة، وعجز من مديرية التربية. التسرب الدراسي والعجز عن تأمين الطلبات عنوان العام الدراسي الجديد، يضاف إلى ذلك تضاعف أقساط المدارس الخاصة الذي تجاوز دخل موظف حكومي لعامين على الأقل.
يزيد عدد الطلاب في المراحل التعليمية كافة داخل المدارس في حلب عن 600 ألف طالب وطالبة ضمن 1881 مدرسة في المدينة وريفها، جميعها تعاني من نقص في الكوادر التدريسية والوسائل التعليمية ما يهدد سير العملية التعليمية، يضاف إليها التسرب الدراسي “لعدم الجدوى والتكلفة العالية”، بحسب من تحدثنا معهم، وما نقلته وسائل التواصل الاجتماعي.
لا يكفي قلم رصاص
حددت وزارة التربية على صفحتها الرسمية بتاريخ الرابع من أيلول اللوازم والمتطلبات القرطاسية، إذ يفرض على تلاميذ الحلقة الأولى من التعليم الأساسي (من الصف الأول حتى السادس) دفتر مدرسي وآخر منزلي كل منهما بحجم 100 صفحة، ودفتر لغة إنجليزية وقلم رصاص وممحاة ومبراة يضاف إليها قلم أزرق للصفين الثالث والرابع وعلبة هندسة للصفين الخامس والسادس.
ويحتاج تلاميذ الحلقة الثانية في التعليم الأساسي من الصف السابع وحتى التاسع إلى دفترين مدرسيين وآخرين منزليين كل منهما بحجم 100 صفحة، ودفتر لغة إنجليزية بحجم 50 صفحة وآخر للغة الثانية روسية أو فرنسية ودفتر رسم وعلبة ألوان وعلبة هندسة.
أما طلاب المرحلة الثانوية فيحتاج طلاب الأول والثاني والثالث الثانوي العام ثلاثة دفاتر، كل منها بحجم 100 صفحة ودفتر لغة إنجليزية وآخر للغة الأجنبية الثانية روسية أو فرنسية وعلبة هندسة للفرع العلمي، ودفتر رسم وعلبة ألوان للصفين الأول والثاني الثانوي وقلم رصاص وقلم أزرق.
لا تبدو تلك الطلبات كثيرة، لكن تحقيقها وسط ظروف السكان الحالية بالغ الصعوبة، خاصة مع إضافة ثمن الحقائب واللباس المدرسي والأحذية الرياضية.
في جولة على المكتبات ومحلات بيع القرطاسية في حلب وصلنا إلى أسعار القرطاسية، اعتمدنا على أسعار المواد المتوسطة أو الرديئة دون البحث في المحلات باهظة الثمن، وجاءت الأسعار على الشكل التالي:
يتراوح سعر الصدرية لطلاب المرحلة الأولى بين 15 إلى 25 ألف ليرة، والقميص الأزرق أو الزهري للمرحلة الإعدادية بين 20 و40 ألف ليرة. ويتراوح سعر الحقيبة المتوسطة بين 30 و50 ألف ليرة، والحذاء الرياضي بين 20 و35 ألف ليرة. والفولار بين 1500 و3 آلاف ليرة والقبعة الطليعية بنحو 2500 ليرة.
يتراوح سعر الدفتر بحسب نوعه وعدد الصفحات بين 2 إلى 9 آلاف ليرة، وأقلام الحبر بين 500 إلى 2000 ليرة سورية، كذلك الممحاة والمبراة بين 1000 إلى 2000 ليرة سورية، أما الأدوات الهندسية فيتراوح سعرها بين 7 إلى 10 آلاف، مثلها مثل الألوان.
يقول من تحدثنا معهم من أصحاب المكتبات والأهالي إن التكلفة التقريبية لمتطلبات طفل واحد مع دخوله المدرسة تزيد عن 150 ألف ليرة، وهو راتب موظف حكومي لشهر كامل.
“منى” من حي الصاخور في حلب قالت إنها احتاجت لـ400 ألف ليرة سورية لتأمين متطلبات طفليها في المدرسة، تخبرنا أنها اشترت الأنواع المتوسطة من كل شيء وبأقل الكميات.
تقول منى، وهي موظفة في دائرة حكومية، إنها اضطرت لأخذ قرض مدرسي على راتبها لشراء المستلزمات التعليمية. وإن الحظ حالفها من بين 197 موظفاً حصلوا على القرض هذا العام، بقيمة 500 ألف ليرة دون فوائد.
وتضيف، من لم يحالفه الحظ بأخذ القرض استطاع الحصول على قرض بقيمة 100 ألف ليرة على راتبه لكنها لا تكفي لشراء “أقلام رصاص” على حد قولها، آخرون استدانوا وبعضهم لم يشتر إلى الآن في انتظار الجمعيات وأهل الخير.
يونيسف – قروض -جمعيات
“أم أحمد”، ممرضة تعمل في عيادة خاصة، وتتقاضى مبلغ 100 ألف ليرة شهرياً إضافة لراتب زوجها التقاعدي نحو 100 ألف ليرة سورية أخرى، وهي معيلة لثلاثة طلاب في المدرسة.
تقول، إنها اشترت لكل من أطفالها قلمين (أزرق ورصاص) فقط هذا العام وإنها تنتظر اليونيسف التي وزعت في العام الماضي داخل المدارس في حلب الشرقية لكل طالب قرطاسية وحقيبة وصدرية.
أطفال أم أحمد يرتادون مدرسة عبد العزيز فارس الابتدائية في حي الجزماتي، التي وزعت يونيسف فيها بالتعاون مع مديرية التربية بعض اللوازم المدرسية على التلاميذ الذين التحقوا بدورات مجانية في المدرسة العام الفائت، وشملت حقيبة صغيرة وثلاثة أقلام وثلاثة دفاتر ومبراة وممحاة وصدرية زرقاء رخيصة الثمن.
ليست كل المدارس مشمولة بهذا التعاون، بحسب أم محمد، أرملة تعيش في حي الصاخور رفقة عائلتها، والتي أكدت أن مدارس الصاخور لم تحصل على هذه الحقيبة التعليمية.
تقول “لدي في أسرتي ثمانية تلاميذ، بنتان لي والباقون أحفادي وتتراوح أعمارهم بين 7– 14 سنة، ولا معيل سوى ولدي البكر الذي يعمل في محل للحلويات العربية، اكتشفت أن كل ولد سيكلفني بين 70 إلى 100 ألف ليرة حسب ما ينقصه، ومع أنني أعيد تدوير اللباس المدرسي والأحذية بين الأولاد إلا أن المبلغ تجاوز الـ400 ألف ليرة سورية على أقل تقدير”.
تنشط في حي الصاخور “الجمعية اليسوعية“، وهي جمعية خيرية تعمل ضمن حي الصاخور فقط منذ خمس سنوات تقريباً، إذ وزعت على الطلاب الملتحقين ببرنامجها التعليمي والترفيهي في الأعوام الماضية ألبسة مدرسية وحقائب وقرطاسية كاملة وأحذية حسب الوضع الاقتصادي لكل عائلة.
تقول أم محمد إنها تتنظر الجمعية هذا العام أيضاً للحصول على القرطاسية، أو ستضطر لعدم إرسال أطفالها إلى المدرسة، بينما تنتظر عائلات أخرى تحدثنا معهم إشاعة عن منحة مالية بقيمة 50 ألف ليرة ستوزع على طلاب المدارس في حلب الشرقية، لكنها لم تأت حتى الآن ولا يعرف من يسأل عنها.
عمالة الأطفال
التعليم ليس في سلم أولويات سكان كثر في الأحياء الشرقية من حلب، يعود ذلك لأسباب كثيرة ليس غلاء اللوازم المدرسية أهمها، لكن ظروف السكان المعيشية وضعف متوسط الدخل وانعدام الثقة بمصير المتعلمين والجدوى من التعليم وضعف التحصيل الدراسي في المدارس وهجرة أصحاب الخبرة من المدرسين إلى خارج البلاد، جميعها تدخل في تراجع المستوى التعليمي وضعف الاهتمام به.
تقول هند جابر من سكان حي هنانو في شرقي حلب إنها أخرجت أولادها الذكور من المدرسة، خاصة مع غياب والدهم “ولدي الكبير –وهو يعاني من شلل حركي بالجزء السفلي من جسمه– يعمل ببيع الدخان والمعسل على كرسيه المتحرك، أما الآخر فهو في محل لبيع لحوم الفروج في حي الصاخور، أما البنات فإحداهن تعاني من شلل سفلي مثل أخيها وهي في الصف السادس، والأخرى في الصف الثاني الابتدائي وتسعى أن يكملن تعليمهن مهما كلف الأمر.
ينتظر أبو حسين معرستاوي، متعهد البناء، أن يتعلم طفله القراءة والكتابة ليخرجه من المدرسة ويلحقه بالعمل، يقول “لدي أربع فتيات وولد واحد يبلغ من العمر 8 سنوات وهو في الصف الثاني حالياً، يعمل معي في العطلة الصيفية، ويعود إلى مدرسته شتاء، إلى أن يتعلم القراءة والكتابة، وسأخرجه من المدرسة، وكذلك البنات اللاتي سينتظرن من يطرق الباب ويذهبن إلى بيوت أزواجهن“.
ويضيف أبو حسين “لا فائدة فعلية من التحصيل العلمي، وبخاصة في حال التوظيف، فالراتب الوظيفي لم يعد يكف لشراء عجلة مستعملة لـ”الطريزينة” التي أركبها، بينما أحصل بيوم واحد في عملي على دخل يعادل راتب شهر كامل بالنسبة للموظفين“.
أطفال أبو حسين وهند عينة من أطفال المدينة الذين ينتشرون كبائعين جوالين وعمال داخل الأسواق وورش المهن الصغيرة دون أن يمر عليهم العام الدراسي الجديد.
طلاب مدرّسون
يعمل طلاب في المراحل الجامعية على فتح ما يشبه المعاهد التعليمية داخل منازلهم أو تدريس الطلاب في منازلهم، مقابل مبالغ مالية بسيطة مقارنة بتلك التي تطلبها المعاهد المختصة.
تقول غفران وهي طالبة في كلية طب الأسنان “نتيجة غلاء المواد التي نستعملها لتحضير الأسنان، كنا نتشارك لشرائها مع بعض الزملاء لتخفيف التكلفة والهدر، لكن مؤخراً وبعد تضاعف أسعارها فقد أصبح المصروف الذي آخذه من والدي لا يكف أجور المواصلات، لذلك اضطررت للعمل بتدريس مادتي الفيزياء والكيمياء لثلاث طالبات في الصف العاشر والحادي عشر في منازلهن القريبة من سكني في سليمان الحلبي وبمعدل أربع ساعات أسبوعياً لكل واحدة منهن، وبمقابل مادي جيد”.
نور وهي أم لطفل لصغير وطالبة في كلية العلوم تقول “أجمع عدداً من تلاميذ الصف السادس في منزلي في طريق الباب في فترة غياب زوجي وأدرسهم جميع المواد لتقويتهم بها بمعدل ثلاثة أيام أسبوعياً مقابل 5000 ليرة سورية عن كل طالب“.
أما أحمد وهو طالب هندسة مدنية فقد أسس مع مجموعة من أصدقائه من الكليات الأخرى مجموعة لتدريس طلاب الشهادة الثانوية وبأجر معقول. يقول “طلبت من والدي أن نستغل غرفة مهملة من بيتنا وهو طابق أرضي متصل بحديقة صغيرة تابعة للمنزل، وبحيث تصبح غرفة لتدريس الطلاب، وقد جهزتها بمقاعد، ولوح بلاستيكي، وجهاز إسقاط ضوئي، وقمت مع أصدقائي وهم طلبة في كليات جامعة حلب، بنشر الخبر في المدارس الحكومية وعبر “فيسبوك” لتدريس أغلب المواد للطلبة، وأعتقد أن مشروعنا قد بدأ يؤتي ثماره نتيجة الهوة الكبيرة بين التدريس الحكومي الرديء، والغلاء الفاحش بمعاهد تدريس طلبة الشهادات، وقد حددنا أسعاراً تنافسية جدا لكل مادة درسية“.
التعليم ليس للفقراء
انتشرت أخيرً وبشكل غير مسبوق رياض الأطفال والمعاهد والمدارس الخاصة، وارتفعت أسعار التسجيل فيها في ظل غياب المتابعة، وضعف التعليم في المدارس العامة، ما اضطر الأهالي للبحث عن وسائل لتعليم أبنائهم عبر الأساتذة الخصوصيين لتدريسهم في المنزل ولبعض المواد، أو في المدارس المرخصة.
هذا العام تضاعفت أجور تلك المدارس بشكل لا يتناسب مع دخل أولياء الأمور عموماً، إذ تراوح القسط السنوي لكل طالب في المرحلة الابتدائية بين 2.8 إلى 3.5 مليون ليرة سورية، متضمنة القسط والخدمات وأجور النقل بالنسبة للمدارس الجيدة، مثل “النشء الجديد” و”الكوخ”، أما عالية المستوى مثل “دار العلم والمعرفة” فقد تجاوزت خمسة ملايين ليرة سورية.
وبالنسبة لرياض الأطفال فتراوح سعر التسجيل فيها بين 500 ألف إلى 1.7 مليون بدون مواصلات مثل مدرسة المناهل الخاصة.
الأستاذ أحمد مرشحة مسؤول التعليم الخاص في مديرية تربية حلب شرح لـ”فوكس حلب” نظام النقاط للمدارس الخاصة والمقسمة لأربع فئات:
الأولى من 76–100 نقطة
الثانية من 51–75 نقطة
الثالثة من 26– 50 نقطة
الرابعة دون 25 نقطة.
حيث تحصل المدرسة على النقاط حسب العقود المبرمة وكفاءة المدرسين والمرافق وتضرب بمبلغ ثابت، يحدد على أساسه القسط السنوي، وهو 30 ألف بالنسبة للتعليم الثانوي و25 ألف للحلقة الثانية و20 ألف للحلقة الأولى و15 ألف بالنسبة لرياض الأطفال.
وفي حالة مخالفة المدرسة أو زيادة أقساطها عن المسموح به حسب عدد النقاط، يقول مرشحة: يتقدم المواطن بشكوى لدائرة التعليم الخاص مع الإثباتات لنشكل لجنة لمتابعة الشكوى، وفي حال ثبوت المخالفة يوجه إنذار أو أكثر للمؤسسة المخالفة ثم نقترح إلغاء ترخيصها في حال استمرار المخالفات.
جميع المدارس الخاصة لا تلتزم بالأسعار، حيث أجرينا بحثاً عن الأقساط في مدارس خاصة مختلفة وعبر صفحاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لا يقل رسم دخول أي مدرسة خاصة مع الخدمات، عن مليونين ونصف المليون، وهو مبلغ لا يستطيع معظم سكان حلب دفعه، ما يضطرهم للتسجيل في المدارس العامة والتي تفتقر في كثير من صفوفها للمدرسين، خاصة في اللغات والمواد العلمية.
يبدو جلياً الإهمال في تأهيل المدارس الحكومية من الناحية الإنشائية والكوادر التعليمية الجيدة من قبل الوزارة بحجة عدم توفر الإمكانات المادية والموازنات اللازمة، أو الانتظار حتى وصول التبرعات من المنظمات العالمية و”يونيسف”، خاصة المدارس في حلب الشرقية، أكبر مثال على ذلك مدرسة الكفاح العربي في طريق الباب، إذ يدرّس الطلاب ضمن غرف مسبقة الصنع منذ 4 سنوات، دون توفر الحدود الدنيا للعملية التعليمية، مع أن مبالغ هائلة تصرف على طباعة الكتب وتغيير المناهج والتي كلفت منذ عامين ثلاثة مليارات ليرة سورية كانت حصة الوزير فيها مليار ليرة سورية فقط حسب أحد المواقع الصحفية الإلكترونية.