صدرت نتائج امتحانات طلاب الثانوية العامة في ريف حلب بمناطق الحكومة المؤقتة والتابعة للمجالس المحلية على المواقع الإلكترونية الخاصة بمديريات التربية التركية لولايات كلس و هاتاي وغازي عنتاب في السادس من آب الحالي، واكتفت المواقع فقط بإظهار النتيجة النهائية؛ إما بكلمة (BAŞARILI) وتعني ناجح أو (BAŞARISIZ) وتعني راسب، مع غياب معرفة علامات المواد بالتفصيل، وهو ما وضع الطلاب وأهاليهم في حيرة كبيرة، حالهم حال مديري التربية في كل المناطق، الذين لم يمتلكوا إجابات لاستفسارات الأهالي، منتظرين أن تأتيهم التعليمات من المنسق التركي.
لكن طلاب الثانوية لم ينتظروا التعليمات، وقاموا بتنظيم وقفة احتجاجية يوم الأحد 7 آب (أغسطس) الجاري لطلاب الثانوية أمامه، على وقع إعلان نتائج الامتحانات، إذ وصلت نسبة الراسبين لـ70%، مع غياب أي تبرير رسمي من قبل التربية التركية أو ظلها من مديريات تربية “صورية” في كل المناطق، ترافق ذلك مع اعتداء أحد عناصر الشرطة على طالب كَتبَ عبارات على حائط مبنى التربية في إعزاز لمنعه من إتمام كتابة عبارة “تعليم فاشل”.
بالتزامن مع احتجاج طلاب أمام مبنى المديرية، أصدر مديرو تربية، إعزاز والمخيمات ومارع وصوران واخترين والراعي، مع مدير تربية كلس محمد أمين أركورت ومعاونه، بياناً مشتركاً عقب اجتماع لم ينتج عنه سوى عدة وعود تبدأ كلها بحرف السين “سيتم”، ما جعل مدير مدرسة ثانوية في إعزاز خلدون صافي، اسم مستعار، يعلق قائلاً: “اعتدنا أن “حرف السين ” إذ صدر من أفواه المنسقين الأتراك فهو يعني عدم التنفيذ غالباً، كطريقة للمماطلة”.
وهذا ما دفع الطلاب الغاضبين، يوم الأحد الماضي، إلى اقتحام مبنى مديرية التربية والتعليم بمدينة إعزاز بريف حلب، وإزالة العلم التركي، وتشويه عبارة “التآخي ليس له حدود”، والتي كانت مكتوبة على جدار مبنى المديرية.
بدورها، فوجئت الطالبة براءة عندما صدرت نتائج الامتحانات منذ أيام، إذ وجدت نفسها مع الغالبية العظمى من الطلاب الراسبين، وكان والدها أبو محمد، مهجر من مدينة دمشق، قد أخذ على عاتقه مهمة توصيلها يومياً من مخيم المحمدية بريف جندريس، حيث يقطنون، إلى ثانوية جنديرس، والتي تبعد عنهم عشرة كيلو مترات، يقطعها أبو محمد يومياً، ذهاباً وإياباً، على دراجته النارية، إضافة إلى توصيلها إلى المكان الذي تتلقى فيه دروساً خصوصية ثلاث مرات في الأسبوع أيضاً، كل ذلك الجهد كان يهون على أبو محمد من أجل أن تحقق ابنته طموحها بالنجاح ودراسة الطب.
التصحيح في تركيا ولا ثقة بالمعلمين السوريين لفعل ذلك
يقدم طلاب الشهادة الثانوية بفروعها الثلاثة، علمي وأدبي وشرعي، امتحاناتهم وفق نظام التعليم التركي في ريفي حلب الشمالي والشرقي، إذ تتبع التربية في مناطق الباب والراعي وجرابلس لتربية ولاية غازي عنتاب، وإعزاز وصوران وأخترين ومارع للتربية التركية في ولاية كلس، أما عفرين وريفها فتتبع التربية فيها لولاية هاتاي.
ويقتصر الامتحان على ثلاثة أيام فقط، يقدم الطالب كل يوم أكثر من مادة دراسية في مدة ثلاث ساعات بنظام أسئلة مؤتمتة، وترسل الأوراق إلى تركيا للتصحيح. بحسب ما ذكره خلدون.
يقول خلدون: “تُصحح الأوراق الامتحانية لطلاب الشهادة الثانوية بفروعها الثلاثة داخل تركيا، ولا يشارك المعلمون السوريون في المنطقة بعملية التصحيح”، كما أنه وخلال عمله في إدارة المدرسة لسنوات سابقة لم تعاد الأوراق الامتحانية المصححة إلى مديريات التربية، إنما يتم إتلافها في تركيا، حسب ما أخبرنا به المنسقون الأتراك الموجودون في كل التربيات”.
وأضاف خلدون: “إن أحد المنسقين الأتراك أخبره أن سبب تصحيح الأوراق في تركيا يعود لعدم الثقة بعملية التصحيح من قبل مدرسين في الداخل السوري”.
لم تخلُ امتحانات هذا العام من أخطاء، رغم قلتها، مقارنة بأخطاء العام الماضي، فقد احتوت مادة اللغة التركية أسئلةً من مستوى عال، في حين أن ما يُدرَّس للطلاب هو المستوى الأول فقط، بحسب عماد العلي، مدرس في عفرين.
يقول عماد:” إن مستوى مُدرسي اللغة التركية لا يرقى إلى المستوى المطلوب في الغالب، نتيجة تعيينهم دون اعتبارات أكاديمية، إذ أن تعيين مدرس اللغة التركية، يشترط عليه إتقان التحدث باللغة التركية فقط، ويكون من حملة الشهادة الثانوية مهما كان مصدرها”.
نظام امتحانات لا يتناسب مع طبيعة الدراسة في سوريا
يشكَّل نظام الامتحانات المؤتمت صدمة للطلاب، لعدم اعتيادهم عليه في جميع الصفوف الدراسية السابقة لمرحلة الشهادتين الثانوية والإعدادية، إذ يرى الكثير من الطلاب والمدرسين أن ثلاث ساعات لتقديم امتحان بثلاث مواد معاً في الثانوية العلمية، الرياضيات والتربية الإسلامية واللغة التركية في اليوم الأول من الامتحانات ويليه بعد يومين ثلاث مواد أخرى، اللغة العربية واللغة الإنجليزية والفيزياء، ويليه بعد يومين الامتحان الأخير بمادتي العلوم والكيمياء، غير كافية. وتتشابه الثانوية الأدبية معها، باستثناء اليوم الأخير، حيث يقدم الطلاب مواد، التاريخ والجغرافيا والفلسفة في يوم واحد.
وصفت براءة الوضع في قاعة الامتحانات بساحة حرب نفسية بين الطالب وورقة الأسئلة قائلة: “لا نعلم بأي مادة نبدأ ولا من أين نبدأ، الضغط النفسي الذي نعيشه أثناء الامتحان يضيع جهد عام دراسي كامل، وعلينا خلال ثلاث ساعات امتحان ثلاث مواد، إضافة إلى أن عدد الأسئلة الكبير يجعلنا كطلاب ننسى بعض الأسئلة التي أجلنا الإجابة عليها، لكي لا نُضيِّع كل الوقت عليها”.
أما مصطفى حسين، طالب ثانوية أدبي في عفرين، فيقول: “لم نعتد أن يقدم طلاب فرع الأدبي مادة الرياضيات، إضافة إلى أن الضغط المتولد على الطالب من دراسة وتقديم ثلاث مواد معاً، يضعف قدرة الطالب على التركيز ويحتوي امتحان كل مادة ما بين 25 و50 سؤالاً”.
وأكد مدرسون تحدثنا معهم أن نظام الامتحانات المطبق لا يتناسب مع طبيعة العملية التعليمية المطبقة في المدارس، في كل الفصول الدراسية يقدم الطلاب مذاكرتهم بالطريقة التقليدية، غير المؤتمتة، ثم يقدمونها في الشهادتين بطريقة الأتمتة.
ضياع للجهد والمال
نتائج الشهادة الثانوية بصورتها الحالية أضاعت جهد الطلاب طوال سنة كاملة، كما أضاعت جهد أهاليهم وأموالهم التي أنفقوها على الدروس الخصوصية لأبنائهم، يقول أبو محمد، والد الطالبة براءة، : “تكلفة الدروس الخصوصية للمادة الواحدة تتجاوز المائتي دولار سنوياً وهو مبلغ يرهق كاهلنا في سبيل تحقيق طموح أبنائنا”.
وأضاف: “طوال سنوات دراستها، كانت ابنتي براءة من الطالبات المتفوقات، وهذا ما أكده جميع مدرسيها هذا العام، سواءً في المدرسة أو في الدروس الخصوصية، إذ قال لي أحد مدرسيها؛ يستحيل أن تقل علامة ابنتي عن درجة دخول كلية الطب، ثم نتفاجأ بنتيجة الرسوب دون وضوح الأسباب”.
ليس هناك شروط واضحة لرسوب الطلاب مقدمة من قبل مديريات التربية، ولا يعرف الطلبة كيف تتم العملية لتلافيها، على سبيل المثال، هل يرسب الطالب إذا نال علامة صفر في واحدة من المواد، أو إن تعذر عليه تقديم امتحان محدد..
فرصة التربيات لضربة استباقية ضد المعلمين
عبر مجموعة “معلمو مناطق الإشراف التركي” على الفيس بوك، حمَّلَ بعض الأشخاص، منهم مدرسين، تدني مستوى النجاح في الثانوية العامة للمدرسين الذين كان يشغلهم الإضراب للمطالبة بزيادة الراتب عن القيام بواجباتهم تجاه طلابهم، وهو ما اعتبره خلدون ومدرسون آخرون عبر نفس المجموعة خطوة استباقية من قبل مديريات التربية في كل المناطق لمواجهة نوايا المدرسين المسبقة بالإضراب، ابتداء من بداية العام الدراسي القادم ولتجديد مطالبتهم بحقوقهم المشروعة براتب يضمن حياة كريمة للمدرس، يقول خلدون: “إن تلك الحجج واهية ومصدرها معروف، في إشارة منه لمديريات التربية، ولكن ذلك لا يعني أن المدرسين لم يؤدوا واجبهم على أكمل وجه”.
النجاح انتقالي والتخلص من الطلاب في الثانوية
لا أحد من الطلاب يرسب في الصفوف الانتقالية مهما كان مستواه التعليمي، وحتى في الشهادة الإعدادية، وهو ما سمح بوصول طلاب لا يعرفون القراءة والكتابة بشكل جيد إلى الشهادة الثانوية، وهو ما يراه خلدون سبباً متوقعاً لأن تكون نسبة الرسوب مرتفعة ولكن ليس لهذا الحد، حسب تعبيره.
ويضيف: “شهدنا وصول طلاب لا تعرف القراءة بشكل جيد إلى صف البكالوريا في السنوات الأخيرة، وذلك جراء تعليمات التربية التركية بقرار منع رسوب الطلاب في المراحل الانتقالية وتخفيضها في الشهادة الإعدادية، ذلك قد يبرر أن تكون نسبة الرسوب بين أربعين وخمسين بالمئة كحد أقصى، لكن ما نشهده لا يفسر إلا بوجود خطأ لا نعلم ماهيته”.
حاولنا معرفة أسباب نسبة الرسوب المرتفعة التي قدرت بما يتجاوز سبعين بالمئة ولم نجد إلا تكهنات من قبل المدرسين والأهالي مع غياب تبريرات التربية التي ترفض إعطاء تصريحات صحفية وتمنع المعلمين من ذلك أيضا تحت تهديد الفصل.
قلق الطلاب بعد تلك النتائج
غابت لذة النجاح عن زياد، طالب نجح في الثانوية العامة، إذ يجهل مجموع علاماته، ولا يمكنه توقع الفروع الجامعية التي يستطيع أن يدرسها، يقول: “لا معنى لذلك النجاح، فهو منقوص وما زلت أعيش حالة من القلق والترقب كحالتي قبل صدور النتائج”.
كما أن بعض الطلاب الذي كشفوا عن نتيجتهم مرتين على موقع مديرية التربية الخاصة بمنطقتهم، في المرة الأولى كانوا ناجحين وفي الثانية راسبين، وقد انتشرت صورة لتلك المقارنة عبر مجموعات الواتس آب، للتأكيد على أن هنالك خطأ في النتائج، ولم نستطع التأكد منها.
تحاول براءة التمني وصناعة الأمل لنفسها بأن هنالك خطأ سيصحح ويعطيها علامتها التي تستحقها وتضمن لها كلية الطب، تلك الأمنية من المؤكد أنها تراود طلاباً آخرين، وأهاليهم متأملين عدم ضياع سنة دراسية من أعمار أبنائهم في إعادة الثانوية، مع قناعتهم باستحالة تحسن وضع التعليم الذي بات مزرياً، ينذر بضياع جيل كامل من الطلاب.
منذ ساعات نشر المكتب التعليمي في مديرية التربية بمدينة إعزاز رابطاً للحصول على نتائج امتحان الشهادة الثانوية مع تفاصيل العلامات، ويأمل الطلاب في إيجاد آلية للتحقق من الأخطاء في التصحيح عن طريق الاعتراض، أسوة بما فعّلته الحكومتين المؤقتة والإنقاذ بعد إصدار نتائج الطلبة الذين يتبعون لهما، ومنحهما فرصة الاعتراض على تصحيح ثلاثة مواد.