“أخشى أن أستيقظ يوماً لأجد جدران بيتي قد سرقت”.. بهذه العبارة الساخرة المريرة بدأ “أبو شكري” وهو أحد سكان حي الصاخور، وصف الحال المزري الذي يعيشه أهالي حلب، نتيجة انتشار عمليات السرقة في المدينة، التي وصلت إن صح الوصف إلى “سرقات غير مألوفة”.
لا يكاد يمر يوم دون أن يسمع سكان مدينة حلب عن حالات سرقة. تستهدف هذه الجرائم محتويات منازلهم، وتُكسر فيها نوافذ سياراتهم لسرقة ما بداخلها، أو حتى نشل متعلقات الناس في الطرقات.
تعددت الجرائم، وتنوعت الأسباب بين انتشار الفقر والبطالة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وغياب الرادع الأمني، كل هذه الأسباب دفعت ضعاف النفوس إلى السرقة، التي طالت في بعض الحالات أشياء ليست ذات قيمةٍ كبيرة.
لصوص المؤونة يجتاحون أسطح المنازل
أصيبت زوجة “أبو شكري” بصدمة حين خرجت إلى شرفة منزلها، ولم تجد الملابس المعلقة على حبل الغسيل، ولا كؤوس الشاي وصحون السجائر التي نسيتها عشية اليوم السابق.
بعد تفكير أدرك أبو شكري أن اللص استخدم سلماً للصعود إلى الشرفة، كونهم يقيمون في الطابق الأول، لكنه لم يستطع أن يستوعب، هل من المعقول أن يغامر اللص بحياته وسمعته لسرقة تلك الأشياء التافهة؟
بعد أيامٍ من تلك الحادثة، أصيبت أم شكري بصدمةٍ ثانية، عندما صعدت إلى سطح البناء لتتفقد مربى المشمش، لكنها فوجئت أن كل أوعية المشمش سُرقت.
بعد حادثة السرقة الثانية تلك، قرر أبو شكري اتخاذ عدة إجراءات، يقول لفوكس حلب: “ركّبت باباً حديدياً على شرفة المنزل بدلاً من الباب الخشبي، ونبّهت أفراد عائلتي كيلا ينسوا أي شيء فيها، واتفقت مع الجيران على تركيب بابٍ حديدي لسطح البناء، تجنباً لسرقة المؤونة لاحقاً”.
تكررت حالات سرقة المؤونة، تقول “أم شكري” إن ثلاثاً من صديقاتها في العمل تعرضنّ لسرقة المؤونة أيضاً، من أسطح الأبنية في أحياء الكلاسة وسيف الدولة والإذاعة، إذ سرق اللصوص كل ما جففته هذا الصيف، وشمل البامية والملوخية والنعناع.
ترى “أم شكري” أن ارتفاع أسعار المؤونة بات يشجع اللصوص على سرقتها، إذ يبلغ سعر كيلو الملوخية اليوم 5 آلاف ليرة، ودبس البندورة 9 آلاف، والبامية 7 آلاف، متوقعةً أن من يسرق المؤونة إما يبيعها للمحلات أو يستهلكها في بيته.
في عام 2019 فوجئت إحدى العائلات المقيمة في حي صلاح الدين، بسرقة 150 كيلو غراماً من دبس البندورة، في عام 2019، وفقاً لوكالة “ستيب” الإخبارية.
خطط إجرامية والضحية هاتف محمول
ظاهرة أخرى اشتكى منها سكان حلب في الفترة الأخيرة، وهي تفاقم حالات النشل في الشوارع، ولا سيما في أحياء حلب الشرقية، حيث زادت حالات سرقة الهواتف المحمولة والحقائب، من قبل أشخاص يستقلون دراجات نارية غير مرقمة.
“أم عمر” واحدة من الأشخاص الذين تعرضوا للسرقة في الشارع. خلال عودتها مع زوجها إلى منزلهما في حي السكري، سحب لص حقيبتها عن كتفها وهو يقود دراجته النارية، ولاذ بالفرار، دون أن تفلح محاولات زوجها في اللحاق به أو حتى التعرّف على هويته.
تقول “أم عمر” لفوكس حلب: “شعرت بصدمةٍ كبيرة، فالحقيبة كان بداخلها هاتفي المحمول وهويتي الشخصية، ومبلغ 150 ألف ليرة، الذي كنا سندفعه لصاحب المنزل، قدمنا شكوى لمخفر الشرطة، لكن بلا جدوى”.
وأضافت أم عمر: “أعتقد أن ميليشيات الأسد متورطة في عمليات السرقة، والدليل أن النظام يتغاضى عن الدراجات غير المرقمة ولا يصادرها، بالرغم من الشكاوى العديدة التي قدمها الأهالي للشرطة”.
زادت حالات السرقة في أحياء حلب الشرقية مقارنةً بالقسم الغربي، بسبب غياب الإنارة في الشوارع، وعدم وجود دورياتٍ أمنية داخل الأحياء، وتغاضي النظام عن السرقات.
أخبرنا عدة أشخاص ممن تحدثنا معهم، ورفضوا الإفصاح عن أسمائهم، عن تعرضهم لسرقة هواتفهم المحمولة، خلال سيرهم في الشارع في أحياء حلب الشرقية.
القاسم المشترك بين عمليات السرقة، بحسب شهادة الأشخاص، أنها تتم عن طريق شخصين يستقلان دراجة نارية بلا لوحات، أحدهما يقود الدراجة والآخر يستغل انشغال الضحية بالتحدث في الهاتف، ويقترب منه ليسحب الهاتف بلمح البصر.
جميع من قدموا شكاوى بعد سرقة هاتفهم لم يسترجعوا ممتلكاتهم، وعزا صاحب محل هواتف محمولة في حي الجميلية السبب إلى أن من يسرقون الهواتف يُتلفون بطاقة الـSIM، ويقومون فوراً بتغيير IME الهاتف، وبالتالي يصبح غير معروف على الشبكة، ولا يمكن ملاحقته في حال تم تركيب شريحة جديدة عليه.
عصابات منظمة لسرقة “موتورات المياه”
سرقة أخرى غير مألوفة انتشرت في حلب مؤخراً، هي سرقة “موتورات المياه”، والتي يستخدمها الأهالي لسحب المياه إلى بيوتهم، خصوصاً في المناطق المرتفعة، إذ أن انخفاض ضغط المياه يمنع وصولها إلى الشقق العالية.
يقول أنس قلعجي (اسم مستعار): “سُرق من مدخل بنايتنا ثلاثة أجهزة لسحب المياه، ويبلغ سعر الواحد 100 ألف ليرة. منزلي يقع في محيط قلعة حلب، ومن الصعب أن تصلنا المياه دون تشغيل “موتور” الضخ، كون المنطقة مرتفعة”.
يضيف قلعجي “اضطررت لتركيب “موتور” جديد، ووضعته في قفصٍ حديدي مقفل، لكن بعد أسبوع واحد كسر اللصوص القفص وسرقوا الجهاز. لقد حُرمنا من المياه، وبنفس الوقت لم أعد أجرؤ على تركيب “موتور” ضخ جديد، خوفاً من سرقته مرة ثالثة”.
وتابع قلعجي قائلاً “هذا الأمر يتكرر في كل الأبنية المجاورة لنا، يبدو أن هناك عصابة متخصصة في سرقة تلك الأجهزة”.
إلى جانب سرقة “موتورات المياه”، انتشرت كذلك ظاهرة سرقة عدادات المياه في أحياء حلب، وقال مدير عام مؤسسة مياه حلب، أنس أبو دان، لوسائل إعلام موالية، إنه تم إعلام الوزارة بدمشق بإرسال 50 ألف عداد بلاستيكي، لحل ظاهرة سرقة عدادات المياه، التي تُسرق بغية بيع الغطاء الخارجي المكون من مادة النحاس.
وأضاف “أبو دان” أن رسوم الاشتراك بعداد جديد تقدر بنحو 90 ألف ليرة سورية بعد تقديم ضبط الشرطة في مكان الحادثة، أو الاستعاضة بوضع وصلة لإيصال المياه ريثما يتم إرسال العدادات البلاستيكية.
وسخر قلعجي من تصريح أبو دان قائلاً: “بدلاً من أن تسعى الحكومة لملاحقة السارقين ومعاقبتهم للحد من تلك الظاهرة، وجدت أن الحل هو استبدال عدادات المياه الحديدية بأخرى بلاستيكية، وكأنها تشجع اللصوص على الاستمرار بالسرقة”.
لصوص مبتكرون يلاحقون السيارات
أصحاب السيارات لم يسلموا كذلك من السرقات، وقد تحدثت صفحات إعلامية عن عدة حوادث سرقة طالت سيارات الأهالي في حلب، حيث يقوم السارق بكسر نوافذ السيارة وسرقة ما بداخلها.
من خلال رصد صفحات على “فيسبوك”، تحدث بعض السكان في حلب، عن حالات سرقة طالت السيارات، أو اقتصرت على سرقة العجلات أو البطارية، أو إفراغ السيارة من الوقود. ففي نيسان الماضي، وخلال يوم واحد، شهدت أحياء الفرقان، والحمدانية، وحلب الجديدة، سرقة 17 سيارة، تعرض معظمها لتكسير زجاجها، وسرقة محتوياتها وأي أثاث يمكن تفكيكه منها.
“أبو أسامة”، من سكان حي السبيل ويعمل في التمديدات الصحية، أحد ضحايا سرقة السيارات، فبعدما قضى وقتاً طويلاً في شرفة منزله يراقب سيارته خشية سرقتها، فإنه تعرّض للسرقة في إحدى الليالي وهو نائم.
يقول أبو أسامة: “فوجئت بأن لصاً حطّم شباك سيارتي الخلفي، وسرق حقيبتي التي وضعت فيها كل معدات العمل، ما أدى لتعطّل عملي حينها، كما تكبدت خسارة قدرها 600 ألف ليرة”.
أنس من سكان حي الفردوس، لديه سيارة كذلك، ويشعر بحالة من القلق والتوتر الدائم، خشية أن تتعرض سيارته للسرقة، ففي أيار الماضي سُرقت سيارة جاره في وضَح النهار، ورغم إبلاغه الشرطة فوراً، فلم يتم العثور على السيارة.
يقول أنس: “على الأرجح هناك عصابة منظمة تعمل في سرقة السيارات، وتنقلها فوراً إلى مستودع مخفي من أجل تفكيكها وبيعها كقطع غيار، كي لا يتم التعرّف عليها. لقد أصبحت السيارات مصدر قلق لأصحابها، بدلاً من أن تكون السيارة مصدر رفاهية وراحة”.
باع أنس سيارته واشترى بدلاً منها دراجة نارية، وقام بربطها بقفلٍ حديدي متين، لكنها سُرقت بعد شهرٍ من شرائها، حيث قام اللص بقطع القفل وسرقتها.
أصيب أنس بالذهول ولم يصدق كيف استطاع اللص قطع ذلك القفل المتين، لكن أحد أصدقائه الذين يعملون في محل أقفال، أخبره أن بعض اللصوص لديهم مقص كبير يستطيع قطع أي قفل مهما بلغت متانته.
سرقات عجيبة تجتاح المدينة
السرقات في حلب طالت أشياء لا تخطر على البال، ففي شباط الماضي، أقدم لص على سرقة خافضات حرارة ومضادات للالتهاب في مساكن هنانو.
وفي آذار تمكن قسم شرطة باب النصر في حلب، من توقيف تسعة أشخاص يمتهنون السرقة، والذين اعترفوا بسرقة كتب وقرطاسية ومدافئ وبرجكتور ومازوت وأقلام ولوحات ودفاتر وأكبال كهربائية، من عدة مدارس في حلب.
وتحدث أنس، من سكان حي الفردوس، عن ظاهرة غريبة لاحظها، تمثلت في سرقة أغطية الصرف الصحي بقصد التجارة بها، حيث يبيع السارق الغطاء مع قاعدته بحوالي 400 ألف ليرة، موضحاً أن هذه الظاهرة كان لها آثار سلبية على الأهالي، فمن الممكن أن يسقط أي شخص في فتحة الصرف الصحي، اضافةً إلى الروائح الكريهة”.
ولفت أنس الانتباه أيضاً إلى مسألة أخرى يعاني منها السكان، وهي سرقة الأحذية من الجوامع أو أمام أبواب المنازل، اضافةً إلى سرقة مئات الدراجات الهوائية، والتي يتراوح سعر الواحدة منها بين 500-900 ألف ليرة”.
وقالت وزارة داخلية النظام عبر موقعها الرسمية، إنه تم إلقاء القبض على خمسة أشخاص، قاموا بعدة سرقات، بينها سرقة معدات طبية من مركز عفرين الصحي في حي الأشرفية بحلب.
وتعاني مناطق النظام من أوضاع اقتصادية صعبة، تزامناً مع الارتفاع الكبير في مختلف مستلزمات الحياة وانخفاض مستوى الدخل، ويقف النظام عاجزاً عن تقديم أي حلول تساهم في توفير ظروف معيشية أفضل، والتي ستكون كفيلة بخفض معدلات الجريمة والسرقة بشكلٍ كبير.