فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الثوم .. يخيب آمال زارعيه

محمد جميل

طوابير طويلة لشاحنات تحمل محصول الثوم لبيعه في أسواق هال مختلف المحافظات السورية، بعد أن تسببت وفرة الإنتاج ومنع التصدير وغياب التخطيط للدورة الزراعية، هذا العام، بكساده وهبوط سعره إلى […]

طوابير طويلة لشاحنات تحمل محصول الثوم لبيعه في أسواق هال مختلف المحافظات السورية، بعد أن تسببت وفرة الإنتاج ومنع التصدير وغياب التخطيط للدورة الزراعية، هذا العام، بكساده وهبوط سعره إلى أسعار قياسية تقل عن تكلفة زراعته ما أدى إلى خسارة كبيرة لزارعيه.

وتذيل الثوم قائمة الأسعار في أسواق الهال أو في محلات وبسطات الخضار، ويقل سعر الكيلو غرام الواحد منه عن سعر كيلو الخس أو باقة البقدونس أو حبة واحدة من البندورة، وهو ما لم تعهده الأسواق السورية.

 

تقول نوال المحمود، سيدة في إدلب، إن البائعين الجوالين يبيعون (ست كيلو غرام من الثوم بعشر ليرات تركية)، بينما انخفض  سعره إلى ليرة تركية واحدة في أسواق الهال في إدلب وأريافها وأرياف حلب.
وتضيف المحمود، إن معظم السكان قاموا بتموين الثوم الذي غاب عن رفوف مؤنهم خلال السنوات السابقة، بعد ارتفاع أسعاره، خاصة في العام ٢٠١٩، إذ تصدر قائمة الأسعار آنذاك، ووصل لنحو دولارين (ما يعادل ٣٠ ليرة تركية)، وفي العام الماضي وصل سعره إلى نحو (خمس ليرات تركية في موسمه).

احد حقول الثوم في ريف مدينة ادلب- فوكس حلب
احد حقول الثوم في ريف مدينة ادلب- فوكس حلب

ووثق سكان مقاطع فيديو من سوق الهال، لعشرات سيارات ثوم في أسواق الهال بانتظار من يشتريها، وتجار الكومسيون يدللون عليها (كيلو الثوم بليرة) بطريقة أشبه بالمناقصة بدل أن يكون البيع بالمزاد.

أسباب الكساد

وفرة الإنتاج هذا العام وضعف سوق التصريف المحلي، أهم أسباب كساد محصول الثوم وانخفاض سعره وخسارة مزارعيه، يقول سامر يسوف، صاحب صيدلية زراعية، ورئيس الجمعية الفلاحية في بلدة زردنا سابقاً وأحد من المتضررين من زراعة المحصول في العام الحالي.

 

ويضيف الوسوف أن مساحة الحقول المزروعة بالثوم أكبر بأضعاف من احتياج السوق والمنطقة التي لم ينقطع عنها الثوم المستورد (المصري، والصيني) المتوفر على مدار العام، ما جعل كثير من السكان يتخلى عن تموينه والاكتفاء بشراء ما يحتاجونه.

توقف تصدير الثوم إلى الدول المجاورة، سبب آخر من أسباب كساده، سواء في إدلب أو في مناطق النظام التي يعيش مزارعو الثوم فيها حالة مشابهة، بعد بيعه بأسعار لا تزيد عن ٣٠٠ ليرة سورية للكيلو غرام الواحد، إثر قرار منع تصدير البصل والثوم، والذي تراجعت عنه رئاسة مجلس الوزراء منذ أيام، بناء على توصية اللجنة الاقتصادية والتي سمحت بتصدير الثوم والبصل ولكن بكميات قليلة، إذ سمحت بتصدير ٥٦٠٠ طناً فقط.

ومع تقطع الطرق وإغلاق المعابر في إدلب يصبح التصدير خياراً غير متاح ما شكّل خسارة للفلاحين نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطنين الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر من جهة، وغلاء أسعار الخضراوات الأساسية التي يعتمد عليها السكان من جهة ثانية، إذ وصل سجل سعر كيلو البندورة اليوم نحو ١٥ ليرة تركية، والفاصولياء ٣٠ ليرة، والكوسا والباذنجان نحو ٥ ليرات تركية..

تقول المحمود، في البداية علينا أن نشتري الخضار الأساسية قبل أن نضع عليها الثوم، الثوم وحده لا يشكل مادة غذائية رغم أهميته، ولكن احتياج العائلة منه لا يتجاوز كيلو غرامات قليلة.

غياب الروزنامة واعتماد التقليد

لا تصنف إدلب ضمن المناطق السورية التي تزيد فيها زراعة الثوم ضمن دورتها الزراعية، إذ تتصدر محافظة حماة وسهل الغاب المساحات المزروعة بالثوم، تليها محافظة ريف دمشق وحمص وحلب ودير الزور، وتنتج هذه المحافظات، بحسب صفحة الإعلام الزراعي في سوريا، نحو ٨٥٪ من الإنتاج الإجمالي الذي زاد في السنوات الأخيرة، وسجل في العام الماضي نحو ٣٥ ألف طناً.

احد حقول الثوم في ريف مدينة ادلب- فوكس حلب
احد حقول الثوم في ريف مدينة ادلب- فوكس حلب

يقول يسوف  إن غياب الروزنامة الزراعية أو ما تسمى الأجندة الزراعية وتعني عدم وجود دراسة من قبل وزارة الزراعة تدرس احتياج السكان من المنتجات، وتبنى عليها خطة زراعية تحدد المساحات اللازم زراعتها من المحاصيل التي تحتاجها المنطقة، وتتضمن تأمين طريق لتصدير الفائض من كل محصول قبل بدء الإنتاج، هو ما يسبب في كل عام كساد محاصيل معينة مقابل ارتفاع ثمن محاصيل أخرى، كذلك يؤدي إلى خسارة المزارعين.

ودعا يسوف المكتب الاقتصادي بوزارة الزراعة إلى دراسة وتخطيط وتقدير احتياجات السوق، وتوجيه الفلاحين لزراعة المحاصيل الأساسية كالقمح والشعير والعدس وغيرها من المواد الضرورية للسكان، وتأمين طريق لتصدير الفائض المقدر قبل بدء الإنتاج في حال كان هناك فائض من المحصول.

وحمّل اليسوف المزارعين جزءً من المسؤولية لاعتمادهم على التقليد بدل التخطيط، إذ يتوجه كثير منهم إلى زراعة المحاصيل التي راجت في العام السابق وارتفعت أثمانها دون النظر إلى احتياجات السوق، ما يؤدي إلى زيادة المحصول في السوق إلى أضعاف الحاجة متسبباً بكساد السلعة وانهيار سعرها في السوق.

ووجه يسوف المزارعين إلى  زراعة المواد الأساسية المستهلكة محلياً كالبطاطا والقمح والخضار، والتنويع بينها لتحقيق اكتفاء في السوق المحلية من مختلف الأصناف.

احد حقول الثوم في ريف مدينة ادلب- فوكس حلب
احد حقول الثوم في ريف مدينة ادلب- فوكس حلب

ارتفاع أسعار المدخلات يزيد حجم الخسارة

ارتفعت أكلاف المدخلات الزراعية، الأسمدة، والأدوية، والذوابات (مخصبات) في السنوات الخمس الأخيرة، ما يزيد من عبء المعادلة الزراعية للفلاحين، الكلفة مقابل السعر. وفي مختلف المواسم يشتكي المزارعون من قلة الأرباح أو الخسارات المتلاحقة.

وبنظرة إلى أسعار هذه المواد نجد أن سعر طن الذواب 3000 دولار، وطن سماد اليوريا من 800-1000 دولار، إضافة لما تحتاجه الحقول من ري وارتفاع أسعار الوقود والفلاحة وعمال الحصاد، كذلك البذار.

يقول فلاحون تحدثنا معهم إن الخسارة مؤكدة هذا العام بسبب تكلفة زراعة الثوم وتكاليف الري خاصةً أن نصف الحقول ما زالت تعتمد على الديزل والكهرباء التركية في الري فيما تشكل مشاريع الري المعتمدة على الطاقة الشمسية نحو نصف المشاريع.

حجم الإنتاج:

وقدر من التقيناهم إنتاج حقل مساحته هكتار ما بين 40 – 60 طن ثوم، بحسب كبر الرأس وخصوبة الأرض، ويفقد من 30-40 % من وزنه بعد التجفيف في حال التخزين، حسب تمنيعه عند جنيه، ما يعني أن كل 10 أطنان تصبح 6 أطنان، وكلما زادت فترة التخزين زاد نقصان الوزن.

تزيد تكلفة الهكتار عن (٤٠٠٠ دولار)، بحسب المهندس الزراعي محمد الموسى، والذي فرق بين مالك للأرض أو مستأجر لها، وفي كلتا الحالتين، فإن السعر الحالي للثوم لن يغطي تكاليف زراعته وحصاده ونقله.

ويخشى الموسى من تلف كميات من محصول الثوم إن لم يتم تخزينها بالشكل المناسب، وهو ما يعني كلفة إضافية لا يملكها كثر من المزارعين الساعين إلى التخلص من محصولهم، خاصة وأن الثوم أيضاً، بحسب فواز الفارس، أحد المزارعين في ريف حلب الشمالي، لا يصلح كعلف للحيوانات، بحسب ما تتداوله بعض المواقع، إذ يقتصر استخدامه كعلاج للمواشي يوضع داخل الماء للعلاج من البكتيريا وبعض الالتهابات.

التخزين للتجار

يقول أبو عادل، صاحب حقل ثوم، “لا يمكن للمزارع تخزين الثوم، فقط الميسورين منهم يمكنه ذلك، لكن حال معظم الفلاحين اليوم تحول دون ذلك، هم مثقلون بالديون ينتظرون الموسم لبيع المحصول وإيفاء التزاماتهم”.

 

احد حقول الثوم في ريف مدينة ادلب- فوكس حلب
احد حقول الثوم في ريف مدينة ادلب- فوكس حلب

أبو فؤاد تاجر من مدينة بنش اعتاد تخزين الثوم كل موسم، قال” إنه خزن العام الماضي 100 طن من الثوم، وينوي هذا العام تخزين 400 طن”، وأضاف: “إن الثوم يباع اليوم بليرة، و لا يعقل أن يبقى حال السوق كذلك فهذا السعر ليس منطقيآ، مؤكداً أن سعره يتحسن في الأيام القادمة” خاصة وأن الغلاء، السمة الأبرز لمعظم الخضار عدا استثناءات قليلة كالثوم ويليها البصل الذي وصل سعر الكيلو غرام منه إلى 1.20 ليرة تركية.

البيع الآجل يزيد من خسارة الفلاح بعد بيع المحصول في سوق الهال، فغالبا لا يكون الدفع مباشرة في ظل عدم ثبات الليرة التركية المعتمدة في أسواق المنطقة. وللثوم المزروع في إدلب أربعة أصناف البلدي والصيني والمصري والكردي، ويقدر فلاحو بلدة زردنا المساحات المزروعة فقط في بلدتهم بنحو 25 هكتار، يقدر متوسط إنتاجها بنحو 1250 طناً، ربما هذه الكمية وحدها كافية لسد حاجة السوق في منطقة إدلب.