من منزلها بمدينة برلين الألمانية، كانت زهراء تنتظر رسالة “عامل توصيل الهدايا”، ليؤكد لها وصول هديتها لوالدتها في مدينة إدلب السورية، وحالما وصلت الهدية، أجرت مكالمة فيديو مع والدتها وهنأتها بمناسبة عيد الأم.
تحلق أطفال زهراء الثلاثة حول شاشة جوالها ليشاركوها معايدة جدتهم والتي لم يخطر في بالها من قبل أنها ستضطر لاقتناء هاتفٍ ذكي، والتعامل مع التكنولوجيا والإنترنت، لتتمكن من رؤية ابنتها وأحفادها.
لم تستطع “أم زهراء” حبس دموعها حين استلمت من عامل توصيل الهدية، كانت ابنتها التي لجأت إلى ألمانيا منذ سنوات، قد أرسلتها عبر صفحة “هديتك واصلة لإدلب” على فيسبوك.
اختارت زهراء صندوقاً خشبياً يحمل صفوفاً متناسقة من الورد الجوري الأحمر هدية لأمها، تقول إنها تعرف حب والدتها لهذا اللون، وصندوقاً آخر صغير الحجم مغلفاً بأوراق هدايا زهرية اللون وشرائط حريرية لم تفلح في إخفاء مضمون الهدية، التي كشفته رائحة التوليب الموضوعة ضمن زجاجة عطر.
على طرف الصندوق وضعت علبة صغيرة في داخلها ساعة يد ذهبية اللون، ذات عقارب ماسية.
تقول زهراء : “قبل ذلك بسنوات كانت معايدتي لأمي افتراضية فقط، لكنني في هذا العام، والعام الماضي، بات باستطاعتي تقديم هدية حقيقية لها”.
“أم زهراء” ليست الوحيدة في إدلب التي وصلتها هدية من ابنتها بمناسبة عيد الأم، فهناك مئات المغتربين الذين لجؤوا للتواصل مع أصحاب هذه التطبيقات والصفحات التي من شأنها ارسال الهدايا إلى بلدهم الأم.
عبر ذات التطبيق، استلمت “أم خالد” من مدينة إدلب، هديتها المرسلة من ابنها خالد المقيم في تركيا، كانت الهدية هاتفاً جوالاً تزيينه فريق التطبيق داخل صندوق صُمِّمَ من أجل ذلك.
يقول “جود” مدير صفحة “هديتك واصلة لإدلب” والمسؤول عن تنسيق الهدايا: “هناك مئات الهدايا التي يتم إيصالها شهرياً عن طريق هذه التطبيقات والتي تقدم خدمة إيصال هدية من اختيار الشخص الذي يريد الإهداء من بلاد المغترب إلى أحد الأشخاص الذي يريده في إدلب”.
وأضاف ” استلمنا ةما يزيد عن 60 طلبية إيصال هدايا مغتربين لأمهاتهم بمناسبة عيد الأم، وتلقينا عشرات الطلبات الأخرى التي نقوم باستلامها، لنلبي فيها مناسبات عديدة”.
لا يقتصر نشاط هذه التطبيقات على تلبية الأعياد الرسمية فقط، بل هي تشمل المناسبات والأعياد الرسمية أو الشخصية كافة، مثل؛ تهنئة خطوبة أو مباركة زواج أو حفل تخرج، أو عيد معلم، أو مباركة مولود جديد أو غيره من المناسبات الأخرى.
يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تلك الدول 5,6 مليون لاجئاً سورياً خلال ال11 عاماً الماضية حسب إحصائيات أجرتها مفوضية الأمم المتحدة لعام 2022. الأمر الذي قد يشكل سوقاً واعداً ومشروعاً رابحاً بالنسبة لأصحاب هذه التطبيقات كتطبيق “هدايا بريد المغتربين” و”تين هدايا المغتربين” و”هدايا المغتربين من وإلى سوريا” و”هديتك واصلة لإدلب” وسواها من التطبيقات التي تقوم بمهام مشابهة.
يوضح مدير تطبيق “هديتك واصلة لإدلب” بأنهم لا يستقبلون طلبات إيصال الهدايا فقط من ألمانيا، إلا أنها الدولة الأكثر استخداماً لهذا التطبيق، إذ تحتل النسبة الأكبر بعدد الطلبيات، مقارنة مع الدول الأخرى والتي ترتيبها من الأكثر للأقل هو “ألمانيا، سورية، تركيا، السويد، النرويج، الإمارات، بريطانيا، هولندا، مصر”.
خدمة التطبيق تشمل أيضاً إيصال هدايا من أشخاص في إدلب إلى أشخاص في بلاد المغترب.
يقول جود “نحن نملك مندوبين لنا في جميع دول العالم، ولدينا فريق كامل تتنوع مهامه ما بين مدير ومنسق علاقات عامة ومسؤول تواصل ومنسقي هدايا وعمال توصيل، إضافة إلى مندوبين ومحاسبين وخبراء في مجال الدعاية والتصميم”.
ويضيف “يقوم الشخص الذي يريد الإهداء بالتواصل معنا عن طريق بريد صفحتنا الالكترونية على الفيس بوك، وإرسال صور ما يريد أن يهديه سواء كان زجاجات عطر، أو إكسسوار، ملابس، حلي ذهبية، جوالات، أو أي شيء آخر يقوم باختياره. على أن تكون الهدية من ذات الدولة التي سيتم تقديمها للمهدى إليه، فأحد أهداف عملنا هي اختصار أجور وتكاليف الشحن، وهو الشيء الذي يختصر علينا وعلى الزبون الوقت، ونقوم نحن بدورنا بشرائه له وتجهيز صندوق هدايا مزين ومخصص ليحمل بداخله الهدية ونقوم بإيصالها حتى باب بيت المهدى إليه”.
احدى الهدايا التي تكررت بعدة منشورات في هذه التطبيقات هي صندوق أو بوكيه يحمل ورداً وعملات نقدية أغلبها يحمل فئة 100 دولار، ما يعادل تقريباُ دخل شهرين بالنسبة لمتوسط دخل الفرد في سوريا.
يقول جود إنه “بعد إتمام إيصال الهدية نقوم بإرسال رسالة إلى صاحب طلبية الهدية نعلمه من خلالها بنجاح عمليه الإيصال، أو فتح بث مباشر له وذلك يعود لرغبته وخياره”.
ويختم حديثه بالقول: “نقوم باستلام حوالة مالية يرسلها إلينا المشترك الذي قام بالإهداء، بعد الاتفاق معه على حساب مادي معين، غالباً ما يتراوح بين 50 إلى 100 دولار، نتقاضى عليها 15٪ كنسبة ربح لنا”.
أعادت هذه التطبيقات لهدايا عيد الأم، وباقي المناسبات، رمزيتها، بعد أن اقتصرت علاقة الأبناء الذين اضطروا إلى مغادرة سوريا، والابتعاد عن أهاليهم، فقط على تحويل المساعدات المالية لهم.