فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

ملف المعتقلين في أقبية الأسد مغلق حتى إشعارٍ آخر

هاني العبدالله

11 سنة مضت على اندلاع الثورة السورية، وهناك أناسٌ لم يروا ضوء الشمس، أشخاصٌ مازلوا في أقبية الأسد لسنوات، يعيشون أسوأ أنواع التعذيب

11 سنة مضت على اندلاع الثورة السورية، وهناك أناسٌ لم يروا ضوء الشمس، أشخاصٌ مازلوا في أقبية الأسد لسنوات، يعيشون أسوأ أنواع التعذيب والظروف غير الإنسانية، منهم من لم يتحمّل جسده شدّة التعذيب وفارق الحياة، آخرون لا يعلم ذويهم إن كانوا أحياءً أم أمواتاً، وهناك من خرج من المعتقل، لكن اللحظات المؤلمة التي عاشها ما تزال محفورةً في ذاكرته.

151462 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري على يد أطراف الصراع في سوريا، منذ آذار 2011 حتى آذار 2022، منهم 132667 (87.59%) في سجون الأسد، بينهم 3658 طفلاً، و8096 امرأة، بحسب ما وثقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

يقول مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني: “نقوم في الشبكة على مدار سنوات، بتوثيق حالات الاعتقال عبر بناء قاعدة بيانات، الى جانب نشر تقارير دورية عن واقع ومصير المعتقلين، دون أن يتخذ المجتمع الدولي أي قرار عمليٍ بخصوص هذا الملف، فالنظام السوري لم يتعرّض لأي ضغوطٍ كافية وجدية لردعه عن الجرائم بحق المعتقلين، وتحمّل العقوبات الناعمة التي فُرضت عليه”.

وشدّد عبد الغني في حديثه لفوكس حلب، على أن “المجتمع الدولي ينتهج سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا الدولية، حيث لاحظنا أنه فور غزو روسيا لأوكرانيا، سارع الغرب لفرض عقوباتٍ صارمة على موسكو، بينما الأسد اعتقل وقتل الآلاف، وبقيت الدول الغربية بلا حراك، مكتفيةً ببعض الإدانات والعقوبات البسيطة”.

هكذا تهرّب النظام من ملف المعتقلين

رغم عشرات التقارير والصور التي توثق اعتقال النظام السوري مئات آلاف السوريين، وقتله الآلاف، إلا أنه مازال ينكر تلك الاعتقالات، وسط صمتٍ من المجتمع الدولي العاجز عن محاسبة النظام، دون أي تقدمٍ ملموس في ملف المعتقلين.

يقول عضو الإئتلاف الوطني السوري، ورئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين والمفقودين، ياسر الفرحان: إن “بشار الأسد يحاول عبثاً إغلاق ملف المعتقلين بثلاث طرق: أولها إرسال أسماء الموتى من المعتقلين الى دوائر الأحوال المدنية لتسليم ذويهم شهادات وفاة مفبركة، بذريعة أنهم ماتوا بشكلٍ طبيعي وليس تحت التعذيب، بعدما أخفاهم وأنكر وجودهم لديه أصلاً”.

وأفادت تقارير حقوقية في الفترة الماضية، أن آلاف العائلات تلقت شهادات وفاة من السجلات المدنية، عن وفاة أبنائها في المعتقلات بحالات وفاةٍ طبيعية.

الأسلوب الثاني للتهرّب من ملف المعتقلين، كان عبر إصدار مراسيم عفو كاذبة ومزيفة، إذ يقوم النظام بالإفراج عن عددٍ محدودٍ جداً من المعتقلين ممن انتهت مدة حكمهم أو شارفت على الانتهاء، بينما يُبقي في سجونه آلاف المعتقلين خاصةً القدامى، ويُنفذ حملات اعتقالٍ جديدة بأعدادٍ مضاعفة.

أما الأسلوب الثالث من خلال تفعيل الأسد أحكام الغائب في قانون الأحوال الشخصية، ليتخلص من ملف المعتقلين الجاثم على صدره، والذي يمنع إعادة تعويمه دولياً.

وأضاف الفرحان لفوكس حلب، أن “هذه الآليات للتهرّب من ملف المعتقلين، تجري بالتوازي مع خطة النظام في إظهار المعتقلين على أنهم أسرى حرب، كي يجعل منهم ورقة تفاوض، ومساعيه لتشويه التوصيف في سوريا، من ثورة شعب يطالب بحقوقه المشروعة، إلى حالة تمرّد وحرب على الإرهاب، مستفيداً من قواعد التعامل الدولي في حالات النزاع الداخلي المسلح، حيث يحاول النظام أن يُخضع ملف المعتقلين لأحكام القانون الدولي الإنساني فقط، وليس القانون الدولي لحقوق الإنسان، والذي من أبرز غاياته حماية الأفراد من سلوك الحكومات المستبدة”.

كذلك كان النظام السوري يلجأ في كل فترة، خاصةً قبيل أي استحقاقٍ أو اجتماع دولي، لشن حملة اعتقالاتٍ واسعة، ثم يصدر مرسوماً بالعفو عنهم، ليدّعي أنه أفرج عن المعتقلين، كنوعٍ من أنواع التحايل على المجتمع الدولي والرأي العام.

مؤشرات لا تدعو للتفاؤل

من المستجدات الايجابية بملف المعتقلين، التحرك الهولندي الكندي لمساءلة النظام، بسبب إخلاله بالتزاماته في اتفاقية مناهضة التعذيب، وأيضاً المحاكمات التي بدأت في أوروبا، كمحاكمة الضابط “أنور رسلان” والطبيب “علاء موسى”، اللذين شاركا في تعذيب وقتل المعتقلين.

ويرى الفرحان أن “هذا التحرّك وإن كان جيداً، لكنه لن يعطي نتيجةً كافية، إلا اذا حصل تضامن من كل الدول الموقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب، للضغط أكثر من أجل تمكين اللجنة المختصة بموجب تلك الإتفاقية من دخول السجون وتفتشيها”.

بدوره رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، قلّل من أهمية أن يكون للمحاكم التي حصلت بحق رسلان وموسى، أهميةً كبيرة في مسار محاسبة الأسد على ملف المعتقلين، حيث قال: “لا علاقة لملف المعتقلين بموضوع المحاكمات المذكورة أبداً، لأن تلك المحاكمات في أوروبا، مجرد جهد حقوقي غير حكومي قامت به عدة منظمات، ولا يُعبّر عن إرادة وسياسات حكومية تريد مساءلة ومحاسبة الأسد”.

وأضاف قرنفل أنه “حتى الآن ليس هناك محكمة دولية خاصة بجرائم الحرب في سوريا، كما أن هناك تعذر في إحالة الأسد الى محكمة الجنايات الدولية، لأن سوريا لم تصادق على ميثاق روما الأساسي، إضافةً الى أن مجلس الأمن بات مشلولاً، بسبب وجود الفيتو الروسي الصيني”.

وأشار قرنفل الى أن “الأسد لن يسمح أن يكون ملف المعتقلين ذو أولوية، قبل إنجاز الصيغة النهائية لحلٍ سياسي يكفل له من وجهة نظره دوام سلطته وحمايته من المساءلة، فهناك عشرات الآلاف من المعتقلين غالباً فقدوا حياتهم تحت التعذيب، لذلك لا يريد النظام كشف ذلك الآن، وهذا ما يُفسّر إرساله إشعارات وفاة المعتقلين للسجلات المدنية على دفعات صغيرة تفصل بينها فترات زمنية متباعدة، حتى لا يثير الرأي العام ضده”.

وتعهدت الولايات المتحدة مطلع الشهر الحالي، بمحاسبة “بشار الأسد” على الجرائم التي ارتكبها منذ بدء الثورة السورية عام 2011، مشيرةً إلى أن “شهر آذار هو شهر المحاسبة”.
وأفاد غزوان قرنفل، أن “الولايات المتحدة لن تقوم بأي خطوةٍ جديّة لمحاسبة الأسد على جرائمه رغم تعهدها بذلك مؤخراً، وتصريحاتها مجرد كلام، فخلال 11 سنة من الثورة، بات واضحاً أن مصالح الدول الغربية تتقاطع عند الأسد، لذلك من الأفضل لها بقاؤه في الحكم، في ظل عدم وجود بديل مناسب يحقق مصالح الغرب”.

وعبّر قرنفل عن استغرابه قائلاً: “رغم إعدام النظام 13 ألف معتقلاً في سجن صيدنايا، ونشر صور قيصر المروعة، إلا أن الغرب لم يتحرك أبداً لمحاسبة النظام”.

“خرجت من المعتقل لكن المعتقل لم يخرج مني”

آلاف القصص التي حصلت في أقبية الأسد، يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان، منها قصة “إسراء حوراني” من أهالي درعا، والتي اعتُقلت مرتين في سجون النظام، وذاقت الويلات تحت التعذيب.

تقول إسراء: “شاركت في الحراك السلمي منذ بداية الثورة، وعملت في مشفى ميداني لعلاج المتظاهرين، فتعرضت للاعتقال للمرة الأولى في 2015 بسبب تقريرٍ أمني، لكن خرجت بعد ثلاثة أشهر، ومع ذلك واصلت مسيرتي في دعم الثورة، وقبيل دخول النظام إلى درعا في 2018، أخبرتنا ما تسمى (لجنة المصالحة) أن نبقى في بيوتنا، وأن مخابرات النظام لن يقتربوا من الأهالي، لكن كانت كلها مجرد أكاذيب، حيث تعرضت للاعتقال رغم أني حامل”.

وتابعت إسراء قائلةً: “دامت فترة اعتقالي الثانية عامين، ذقت خلالها أّقسى أنواع التعذيب، ومن شدة الضرب توفي الجنين داخل أحشائي في المعتقل، مازلت أذكر اللحظة التي حَمَلتُ فيها بين يديّ مولودي الجديد الذي قُتل قبل أن يُطل على الحياة، أشم رائحة الدم حتى الآن، وأسمع أصوات تعذيب الفتيات في الزنزانات المجاورة”.

وأضافت إسراء: “مرّ أكثر من عامين على خروجي من المعتقل، ومازلت أعاني من أزمةٍ نفسية وانهيارٍ عصبي، خرجت من المعتقل لكن المعتقل لم يخرج مني”.

الوجع والألم النفسي لم يقتصر على المعتقلين فحسب، بل على أمهاتهم أيضاً اللواتي لا يعرفن مصير أولادهنّ، أو فُجعنّ بخبر وفاتهم، “أم وليد” من أهالي مدينة ادلب، ما زالت تستذكر تلك اللحظة المؤلمة قبل تسع سنوات، والتي اعتُقل فيها ابنها من قبل قوات النظام عند حاجز القطيفة على طريق حلب -دمشق، خلال ذهابها معه إلى العاصمة لتخطب له الفتاة التي يحبها.

تسع سنوات مضت على اعتقال وليد، ومازالت والدته تنتظر عودته. حاولت السؤال عنه كثيراً ولم تحصل على أي نتيجة، لكن “عزت مبيّض” ابن خالة وليد أخبرنا، أنه قبل عام علمت أم وليد من أحد الشبان الذين خرجوا من المعتقل أن ابنها توفي في “فرع فلسطين”، لكنها ردّت عليه بقوة: “ابني ما مات لسا عايش، ما رح أفقد الأمل إلا اذا شفت جثتو قدامي”.

يقول عزت مبيّض: “قابلت ذلك الشاب الذي كان معتقلاً مع ابن خالتي، فأخبرني أن وليد توفي بين يديه قبل ست سنوات من شدة التعذيب في فرع فلسطين، لكني طلبت منه أن يخبر خالتي مجدداً أن ذلك الشاب الذي شاهده متوفياً في المعتقل ليس وليد بل شبيهٌ له. أعلم حجم الألم الذي ستشعر به خالتي لو تأكدت من وفاة ابنها، لذلك فضّلت أن أجعلها تعيش على أمل لقاء ابنها من جديد”.

مطالب ملحة لبلوغ العدالة

في ظل هذا الواقع الأليم الذي يزيد مأساة المعتقلين وسط الصمت الدولي، يرى المحامي غزوان قرنفل، أن “ملف المعتقلين لم يكن أولوية لدى المعارضة السورية، وظلوا يقولون إنه ملف فوق تفاوضي حتى وُضع على الرف، بينما المطلوب أن يكون ملف المعتقلين أولوية على المسار الدستوري والتفاوضي، ولا يجب السير في أي مسار سياسي دون إنهاء هذا الملف”.

وحول سبل الوصول الى انفراجة في قضية المعتقلين، دعا عضو الائتلاف الوطني السوري، ياسر الفرحان إلى تنفيذ عدة خطوات:
• تضافر كل جهود السوريين وأن لا يكون ملف المعتقلين محل خلاف، فالسياسيون يجب أن يستثمروا كل جولات التفاوض مع النظام، للضغط عليه وفضحه، والضغط على الأطراف الراعية لتلك الجولات من أجل الإفراج عن المعتقلين.
• تحرك الحقوقيين في المعارضة، والبحث عن وثائق وملفات تدين الأسد في المحاكم الدولية.
• يجب على الجاليات السورية في كل دول العالم، حشد مواطني الدول التي لجؤوا إليها، حينها يمكن تشكيل رأي عام شعبي دولي ضاغط على حكومات تلك الدول، للتحرك من أجل محاسبة النظام السوري والافراج عن المعتقلين، وذلك بموجب قرار مجلس الأمن 2254، حيث تضمن البند 12 منه، دعوة أصدقاء سوريا لبذل كامل نفوذهم للإفراج عن المعتقلين خاصةً الأطفال والنساء.
• يجب أن تتوجه الدول والأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية، لمقاضاة الأسد ونزع الشرعية عنه في المحافل الدولية، بسبب إخلاله بكل الالتزامات التي وقع عليها مسبقاً، وارتكابه جرائم ضد الإنسانية بشكلٍ ممنهج.
• زيادة الضغوط الدولية التي يجب أن تكون فاعلة للإفراج عن المعتقلين، وهذا لا يتم إلا من خلال فتح السجون أمام لجان رقابة دولية، في ظل إنكار الأسد وجود معتقلين لديه، إضافةً إلى تفتيش مستشفيات النظام، للتعرّف على سجلات المرضى والموتى وأماكن الدفن الجماعي.

وأوضح الفرحان أن “هذا الأمر ليس مستحيلاً، فكما دخلت البعثات الدولية الى أماكن تصنيع وتخزين النظام السوري للأسلحة الكيماوية مسبقاً، تستطيع أن تضغط بشكلٍ فاعل على الأسد ليفتح السجون أمامها من أجل الكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين“.