فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من منتدى كتاب كافيه الثقافي.

“كتاب كافيه” .. منتدى للقراءة في إدلب بجهود فردية

محمد الأسمر

قبل أن تتجاوز السور المحيط بفندق “كارلتون”، أحد المعالم البارزة في مدينة إدلب، وبين صور الدمار داخله يلفت انتباهك مبنى جديداً في الزاوية الجنوبية من الفندق، رفعت على واجهته لافتة […]

قبل أن تتجاوز السور المحيط بفندق “كارلتون”، أحد المعالم البارزة في مدينة إدلب، وبين صور الدمار داخله يلفت انتباهك مبنى جديداً في الزاوية الجنوبية من الفندق، رفعت على واجهته لافتة “كتاب كافيه”، بعد أن استثمر مجموعة شبان المكان، وحوّلوه على مدار عام كامل إلى منتدى ثقافي، هو الوحيد في المدينة الذي يحمل هذا الطابع، وفتحوا أبوابه أمام محبي القراءة منذ أزيد من شهرين.

يجمع المكان ما بين الحداثة والتراث، إذ تصادفك باحة سماوية واسعة بعد عبورك البوابة الرئيسة، يحيط بها أنواع عديدة من الأشجار والزهور، وتتوزع عنها اثنتا عشرة غرفة تشكل معاً صندوقاً مفتوحاً، لكل منها دور تؤديه، وتتنوع بين غرف قراءة للرجال ومثلها للنساء، وأخرى خاصة بتسويق المطبوعات والكتب، إضافة لغرفة الإدارة، تعلو كل غرفة قبة مزينة بزخارف عربية، وفي الزاوية الشمالية مقهى يقدم أنواعاً مختلفة من المشروبات، كما يحتوي المكان على مرآب خاص لوسائل النقل التي يمتلكها رواد المكان.

يفتح “كتاب كافيه” أبوابه من العاشرة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً، ويمنح رواده وقتاً وخصوصية للمطالعة داخل قاعاته دون رسم للدخول أو الإعارة، بينما يفضل روّاد آخرون الجلوس في المقهى وتناول مشروبهم خلال قراءة الكتب التي اختاروها من رفوف المكتبة أو تلك التي يحملوها معهم، ويدفعون لقاء ذلك ثمن ما يطلبونه من مشروبات.

يهدف المشروع بحسب هادي الإبراهيم، مدير العلاقات العامة، إلى تشجيع الرواد على القراءة، خاصة من الفئة الشابة، ومنحهم مكاناً وقدرة على الوصول لما يحتاجونه من كتب ودراسات.
حين تدخل إحدى قاعات المطالعة تتعشق في أنفك رائحتي الكتب و الخشب الجديد ما يمنح المكان إضافة جميلة، وتتوسط غرف المطالعة طاولة خشبية تتسع لأربعة قراء تفصل بينهم حواجز عمودية تمنح القارئ خصوصية كاملة، إضافة لطاولة مستقلة يستغلها القراء الذين يبحثون عن استقلالية أكبر.

على الجدران تتوزع رفوف خشبية بأشكال مختلفة، تحمل بين دفاتها عناوين كثيرة لكتب متفرقة، تجمع في مواضيعها بين “السياسة والأدب والفلسفة والعقيدة وعلم الاجتماع والتنمية البشرية..”، وبالقرب من قاعة المطالعة غرفتين مستقلتين يعرض داخلهما كتب للبيع، تتراوح أسعارها بين خمسة إلى ثلاثين دولاراً، يقول الإبراهيم إن هامشاً بسيطاً من الثمن يعود لإدارة المشروع، بينما يدفع الباقي كثمن للكتب وتكاليف نقلها إلى المكان، إذ تدخل الكتب من تركيا بعد أت تطلبها الإدارة من دور نشر مختلفة، سواء في تركيا أو لبنان ومصر..

لجأت إدارة المنتدى لطباعة بعض الكتب التي لم تتمكن من إحضارها في مطابع محلية  وطبعت على غلافها اسم المنتدى حرصاً منها على الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية ولمنع تداول النسخة في الأسواق، هذه النسخ معروضة للقراءة فقط، يقول الحسين إنهم أجبروا على هذه الخطوة نتيجة صعوبة العثور على بعض الكتب التي يطلبها القراء في إدلب وخاصة الكتب التي صدرت حديثاً، كما تتابع الإدارة ملاحظات القراء وطلباتهم، وفي حال تكرار طلب أحد الكتب وكان متاحاً يتم تزويد المكتبة به.

في إدلب تلجأ المكتبات الخاصة لتحويل الكتب الإلكترونية إلى نسخ مطبوعة محلياً وتغليفها بأغلفة متطابقة مع غلافها الأساسي قبل بيعها للقراء، مدفوعين بأسباب عدة مثل ارتفاع سعر الكتب الأصلية مقارنة بدخل الفرد، أو صعوبة وصولها إلى إدلب. بينما ترفض بعض المكتبات طباعة كتاب لا يتوافق مع آراء صاحبها الفكرية، الأمر الذي شكل عقبة أمام القراء.

الصورة من منتدى كتاب كافيه الثقافي.
الصورة من منتدى كتاب كافيه الثقافي.

يدخل المنتدى يومياً نحو سبعين قارئاً، وترى الإدارة في هذا العدد رقماً جيداً لانطلاقتها، وقد لعبت الكافيتريا دوراً مهماً في جذب القراء، إذ منحتهم إطلالة جميلة وجلسات مريحة رفقة الكتب التي يهتمون بقراءتها، يقول هادي الإبراهيم إن المنتدى وفر مساحة جيدة للقارئ تمكنه من قضاء ساعات طويلة مع الكتاب وبذلك يمكنه إنجاز أي بحث أو قراءة أي كتاب ضمن ظروف قد تكون أفضل من ظروف المنزل. في الوقت الذي كان يلجأ فيه طلاب الدراسات والقراء إلى المكتبات الخاصة أو مكتبة الجامعة لتصوير بعض الصفحات التي يحتاجونها في أبحاثهم على الموبايل أو عبر نسخها ورقياً لإتمام أبحاثهم.

اعتاد زاهر العمر على زيارة المنتدى عدة مرات اسبوعياً لقضاء وقت مع الكتاب، يقول إنه “تعب من القراءة الإلكترونية ولم يكن لديه القدرة على اقتناء أي كتاب يرغب بمطالعته، فوجد ضالته في هذا المكان وبات من زواره، شجعه على ذلك غياب الإنترنت والذي بات على أهميته يسرق ساعات طويلة منا دون أن نشعر”.

لا تفكر إدارة المنتدى حالياً بتفعيل نظام الإعارة، فالمساحة الجيدة وسعة الوقت التي تم توفيرها للقارئ تغنيه عن الاستعارة، كما شكل عدد النسخ الموجودة ضمن رفوف المنتدى عاملاً سلبياً في مسألة الإعارة، إذ يحتاج الأمر لخمس نسخ من كل كتاب على الأقل، حتى تتمكن الإدارة من فتح هذا الباب وهو ما يعتبر أمراً صعباً حالياً نتيجة الكلفة المرتفعة التي يجب دفعها.

خلال التنقل بين القاعات تشاهد، أيضاً، طلاب الشهادة الثانوية والجامعة يفترشون الطاولة بكتبهم وأوراقهم، “فالدفء الموجود والهدوء وعدم السماح باستعمال الإنترنت شجعهم على الدراسة في هذا المكان”. بحسب حسين الحمزة طالب ثانوية يرتاد المنتدى بشكل يومي لإنجاز ساعتين أو ثلاثة في دراسة إحدى مواده.

على الجهة المقابلة لقاعات الشباب صممت أماكن خاصة بالنساء، تقول حليمة الأحمد طالبة جامعية ” إن الأجواء العامة شجعتها على تكرار زيارتها للمكان، وتتنوع الكتب التي تتناولها الفتيات بحسب اختصاصاتهن الدراسية “تربوية، تنمية ذاتية، كتب علم النفس، إضافة للروايات، الأمر نفسه يتكرر في قاعات الشباب مع ميل أكبر نحو الكتب الأدبية والشعر، إضافة للروايات الحديثة المعاصرة للثورة السورية، مثل رواية بيت خالتي، القوقعة، وغيرها من الروايات، ويمكن للمتجول قبالة رفوف الكتب ملاحظة انثناء صفحات الروايات وكتب الأدب أكثر من غيرها ما يعكس حجم الإقبال على قراءتها، وهو ما أكدته إدارة المنتدى بحسب متابعاتها مع القراء.

شريحة الشباب ما بين سن العشرين إلى الخامسة والثلاثين أكثر الفئات التي ترتاد المنتدى، وتستقبل مقاعده بشكل متكرر زواراً بأعمار تجاوزت الخمسين والستين عاماً، بحسب الإدارة.

خلال السنوات الأخيرة افتتحت عدة مراكز ثقافية في المنطقة، لكن لم يكتب لها النجاح والاستمرار بسبب نقص التمويل، كما أن طبيعة عملها اختلف عن عمل “كتاب كافيه” الذي اختص بالقراءة فقط، بينما اعتمدت غالبية تلك المراكز على دورات التنمية البشرية وكان للكتب والمطالعة جزء من عملهم اليومي.

في بنش أعلن مركز اقرأ الثقافي عن معاودة نشاطاته مطلع سنة 2021، بعد توقفها لفترة نتيجة الحالة الأمنية التي كانت تمر بالمنطقة لكنه عاد مؤخراً ليعلّق أعماله منذ أربعة أشهر نتيجة غياب الدعم وحاجة الإدارة للمصاريف التشغيلية بحسب أحد أعضاء المركز.

يأمل القائمون على منتدى “كتاب كافي” أن تساهم المرافق الاستثمارية الرديفة لقاعات المطالعة “قاعات التسويق، المقهى” في تأمين الكلفة التشغيلية بشكل مستمر، وأن يساهم عملهم في صنع حالة من الحركة الفكرية والثقافية في المدينة و يشجع أعداداً جديدة من الشباب على القراءة من الكتب في زمن أمست فيه وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الأول للمعلومة والثقافة.