فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من فلم ملكات سوريا - انترنت

الأرامل والمطلقات في مناطق شمال سوريا … ما بين الاضطهاد والتهميش الاجتماعي والعنف اللفظي

ٲسامة الشامي

لم تتوقع روعة (٣٥ عاماً) وأم لولد وبنت فقدا والدهما في الحرب أن تتعرض لتلك المعاملة القاسية من عائلتها وعائلة زوجها. فعائلتها وافقت أن ترحب بها كفرد من أسرتها مرة […]

لم تتوقع روعة (٣٥ عاماً) وأم لولد وبنت فقدا والدهما في الحرب أن تتعرض لتلك المعاملة القاسية من عائلتها وعائلة زوجها.

فعائلتها وافقت أن ترحب بها كفرد من أسرتها مرة أخرى، لكن بشرط التخلي عن أطفالها، ووالدة زوجها طردتها من بيتها وهي تقول لها: “كل مين لأهلو … أولادنا إلنا وأنتِ لأهلك”، حسب ما روته لنا.

كِلا الشرطين وضع روعة أمام خيار التخلي عن أطفالها، ومن ثم لم يكن أمامها إلا اختيار أن تسكن لوحدها معهم، متوجهة لتجربة أكثر صعوبة وقسوة.

روعة واحدة من نساء أرامل ومطلقات، ولدن ويعشن في مدينة حلب، وهناك أيضاً أكثر من 13 ألف امرأة من النساء المُقيمات في منطقة شمال سوريا فقدن أزواجهن في الحرب السورية، بحسب “منسقو استجابة سوريا”. وفي حين لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المطلقات، فإن الظاهرة كثرت في سنوات الحرب الأخيرة.

أرامل

عملت روعة، في أحد المعامل الموجودة في منطقة سكنها، رغم أنها تعاني من مرض “الديسك” والشقيقة، في ظل ظروف مادية ومعيشية قاسية، تقول: “ما كان عندي خيار تاني غير إني اشتغل، لحتى اقدر أبقى مع أطفالي، وأنا على هالحالة من كم سنة. عيلتي مستعدة تساعدني وتدعمني في حال كنت لوحدي، بس مع أطفالي الموضوع بيختلف”.

التقينا أيضاً بسيدة أخرى، رفضت الكشف عن اسمها، عمرها 21 سنة، توفي زوجها منذ ثلاث سنوات، ورغم مساندة عائلتها لها، إلا أنها واجهت مشكلات اجتماعية أخرى جعلتها “تتمنى الموت”، بحسب تعبيرها.

تقول: “النسوان اللي حولي مكرهيني حياتي، إذا طلبت مساعدة أي زوج من أزواجهن ولو كان من أقربائي أو جاري، بيحسسوني إني بدي آخدو منن، ولو حكيت أي كلمة عادية بيحسبوني عم طبقو وبدي إخطفو منها. إحساس مزعج جداً”.

كثيرات يتعرضن لمحاولات استغلال من قبل المحيط الاجتماعي، ويتم التعامل معهن مثل أي سلعة من السهل استباحتها، بسبب حاجتهن للعمل أو للمساعدات الإنسانية.

أما أم عماد التي تعيش في مخيم الكرامة في قرية أطمة بريف إدلب، وهي في الأربعين من عمرها، فلا تستطيع أن ترتدي ثياباً باختيارها، فبعد وفاة زوجها سمعت عمتها تردد على مسامعها عبارة “توب الأرملة للأرض ولباستو قليلة حيا”.

رغم أن هذه العبارة لم تؤثر عليها في البداية، إلا أنها تحولت لاحقاً إلى واقع في حياتها، إذ أنها حتى لو ارتدت ثياباً محتشمة، تتعرض للانتقادات من قبل من حولها، وتُتهم بقلّة الحياء أو بأنها متبرجة، ولا يحق لها ارتداء الألوان المبهجة أو الزينة كباقي النساء.

وافقتها صديقتها أم أحمد، التي واجهت بدورها نفس الانتقادات من قبل أقاربها ومحيطها الاجتماعي بعد وفاة زوجها، بقولها “حتى لو بقينا لابسين الأسود، رح نتعرض للانتقاد، ورح يقولولنا الناس لابقلكن التياب السودا ولهيك عم نضل لابسينو”.

للأرملة أو المطلقة خياران؛ الزواج الجديد أو الإقلاع عنه، وفي الحالتين سيتعرضن للانتقاد، وهذا ما أجمعت عليه نساء كثيرات ممن التقينا بهنّ.

نساء كُثر يتعرضن لمحاولات استغلال من قبل المحيط الاجتماعي، بعد انفصالهن أو وفاة أزواجهن، ويتم التعامل معهن مثل أي سلعة من السهل استباحتها، بسبب حاجتهن للعمل أو للمساعدات الإنسانية. وهذا ما أوضحته لنا أحلام من مدينة دمشق وتقيم في مدينة إدلب، قائلة: “مو المزعج إنو نكون بحاجة مساعدة أو إغاثة، لكن المزعج أنو حاجتنا خلت ضعاف النفوس يشوفونا بلا كرامة ولازم نتخلى عن حيائنا وعفتنا، أو كأننا نسوان من نوع تاني، شو بفرق عن زوجتو أو أختو أو أمو، هن مكرمات ونحنا عبيد للاستغلال؟”.

وقد تتعرض المرأة المنفصلة أو التي فقدت زوجها للـ”حسد” من قبل نساء متزوجات يوجهن لهن عبارات تضمر استخفافًا بواقعهن الموجع، كأن يقال لإحداهن: “مافي مين يقيد حريتها، راحت عالسوق لحالا، مافي مين يتأمر عليها، عايشة عكيفها”.

هناك رجال أيضاً يحاولون التقرب من الأرامل والمطلقات من خلال “خطاب الشفقة”، إذ تحدثت لنا امرأة شابة، من مخيم قاح القديم بريف إدلب، رفضت الكشف عن اسمها أيضاً، عن رفضها لهذه النوعية من الرجال بعد وفاة زوجها والذين يقولون لها أشياء من قبيل: “بدي استر عليك، وجع قلبي حالك”.

كلام يبدأ فيه بعض الرجال لخطبة الأرملة أو المنفصلة، “يعني وكأنو شفقة وضربة منيّة، لهيك أنا برفض فوراً هيك نوعية، بيحسسوك إنك عالة جاي يحملها بنبل منو”، كما تقول.

آباء

يشعر آباء في المنطقة بعبء أو حرج من نظرة المجتمع التقليدية. هذا ما أخبرنا به أبو زهير، توفي زوج ابنته وهي في العشرين من عمرها: “ما رح أكذب وقول أنو الوضع طبيعي، لأنو بمجتمعنا ما بيشوفوا وجود أرملة أو مطلقة شي عادي، وأنا جزء من هالمجتمع، ومحكوم بنظرته شئت أم أبيت. مو منزعج من كون بنتي أرملة، بس حزين ومدايق عليها”.

أما أبو منذر، وهو أيضًا لديه ابنة فقدت زوجها في سنوات الحرب، فيعارض هذه القناعات، معتبراً الأمر عادياً ولا تهم النظرة الخاطئة لبعض الناس. ويرى أيضاً أن نظرة الأهالي لهذه القضايا في الواقع الحالي تعدّلت كثيراً، وذلك يعود لكثرة حالات الطلاق وترمل النساء بسبب الحرب، كما يرى.
يقول أبو منذر: “بعامل بنتي الأرملة متل ما بعامل باقي أخواتها، ما في فرق بينهم، بالعكس، أنا براعي شعورها أكتر بسبب وضعها واللي بينقال عن عدم تقبل الأرملة من قبل الأهل موصحيح، وفي حال وجد فهو موجود بعوائل مفككة من الأساس، مو لكون البنت أرملة”

مطلقات

تختلف نظرة الأهل لوضع المطلقة مقارنة بالأرملة. فالأخيرة لن تلام على موت زوجها، أما المطلقة سيوجه لها اللوم من قبل عائلتها ومحيطها الاجتماعي.

هذا مع حدث مع رامية، 23 عاماً، من ريف حماة، تعيش حالياً في مخيم الجزيرة بالقرب من قرية أطمة بريف إدلب، والتي تطلقت من زوجها، بعد زواج دام تسعة أشهر فقط، لعدم وصولها هي وزوجها لوفاق وتفاهم في علاقتهما.

تقول: “طول الوقت بيوجهلي كلام قاسي وجارح، متل أني لو كنت زوجة منيحة لما انتهى زواجي بالطلاق، وإنو العلة فيني وبشخصيتي، وكأنه كل الرجال بالعالم صالحين للزواج وما عندن مشاكل ولا علل!”.

وكانت رامية قد حكت لنا أنها تعرضت لشتائم كثيرة ومستمرة من أهلها بسبب طلاقها.

رغم أن الجميع، رجالاً ونساءً، يعيشون تحت وطأة ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة في الشمال السوري، لكن النساء يتعرضن لضغط نفسي إضافي، في حال خرجن عن الوظيفة التي حددها لهن مجتمع تقليدي محافظ في طبعه. فما إن تصبح المرأة مطلقة أو أرملة، حتى ينقلب عليها من حولها، وتصبح عرضة للاضطهاد والعنف اللفظي والجسدي.

ترى رهام أن هناك تعميم في نظرة المجتمع للمطلقات، لكن لا أحد يفكر أن كل إنسان له أسبابه وظروفه التي أجبرته أو أوصلته لخيار الانفصال والطلاق.

وقد تتعرض النساء المنفصلات أو اللواتي فقدن أزواجهن، لاضطهاد وتهميش اجتماعي من قبل نساء أخريات متزوجات، خائفات على أزواجهن منهنّ.

عانت رهام، وهي امرأة عشرينية، من مدينة سرمدا شمال مدينة إدلب، من نظرة محيطها العائلي لها بعد انفصالها عن زوجها، والحكم عليها بوصفها امرأة فاشلة، فقط لأنها قررت الانفصال والطلاق من زوج لم تستطع الاستمرار معه. وكان لذلك أثر كبير على صحتها النفسية، واهتزاز ثقتها بنفسها، حسب ما روته لنا.

ترى رهام أنه هناك تعميم في نظرة المجتمع للمطلقات، لكن لا أحد يفكر أن كل إنسان له أسبابه وظروفه التي أجبرته أو أوصلته لخيار الانفصال والطلاق.

وتتساءل رهام: “ليش ما حدا بيفكر من الناس اللي عم تنتقد المطلقات، أنو السبب ممكن يكون الزوج مو الزوجة؟ وليش ما بيخطر ببال حدا أنه ممكن نكون انجبرنا على الزواج غصب من عنا؟” وتنهي رهام حديثها قائلة: “المطلقة مو بشعة ولا فاشلة بحياتها”.

قد يتوقع الناس أن الفقر والعوز المادي هما أكثر أشكال الوجع في حياة الأرامل والمطلقات ، لكننا وجدنا في الواقع صور أخرى كثيرة موجعة تختبئ في نفوسهن، اختصرتها إحداهن بقولها: “عايشين بس من برا، والحياة من جوا واقفة للي ما ترجع تتزوج، صعب كتير تشوف ناس كنت أحسن منن صاروا أحسن منك لظرف مو من اختيارك”.