يجتهد العم أبو فادي رفقة عمال المياومة في قطف زيتون شجرة معمّرة، أغصانها البعيدة عن متناول الأيدي تجبرهم على استخدام سلّم أو مشاطة طويلة تُسقط الزيتون على شوادر تفرش بها الأرض تحت الأشجار.
“أيام الزيت أصبحت وأمسيت”، مثل شعبي يربط بين قصر الأيام في التوقيت الشتوي وقطاف الزيتون الذي يبدأ مع ساعات الفجر إلى غروب الشمس.
إلى “وادي القط” يحملنا أبو فادي وعماله، وهو وادٍ غني بأشجار الزيتون بين بلدتي زردنا وشلخ في ريف إدلب الشمالي.
يلتقط أبو فادي حبات الزيتون المتناثرة بين الأغصان، موسمه الفقير هذا العام مقارنة بالعام الماضي، جعله يعتمد على عاملي مياومة فقط لقطاف ما أطلق عليه “عفارة الزيتون”، وهو مصطلح يطلق على جامعي الزيتون بعد قطافه من قبل الأهالي.
“سيل الزيتون من سيل كانون”، مثل آخر يحكيه لنا أبو فادي وهو يتحدث عن وجوب قطاف الزيتون بعد هطول المطر مرة أو مرتين على الأقل، هذا العام تأخر المطر ولا يملك المزارعون رفاهية الانتظار.
يغسل المطر غبار الزيتون ويمنحه رطوبة تؤثر على كمية الزيت في الحبة وجودته، زيتون أبو فادي تحول إلى اللون الأسود قبل أن تمطر السماء، ما زالت الحبات مغبرة!
“المعاومة” هي من تحكم مواسم الزيتون، وهي مصطلح قديم يعرفه مزارعو الزيتون في العالم، تحمل الشجرة عاماً ويقل إنتاجها في العام الذي يليه، يحتال عليه بزيادة الخدمة والأسمدة.
الكلفة العالية في إدلب حدّت من العناية التي يمنحها المزارعون لزيتونهم، تجاور أشجار أبو توفيق أرض أبو فادي، وتشترك جميعها بضعف الموسم في العام الحالي.
أبو توفيق وزوجته هما عمال قطاف الزيتون في أرضهما هذا العام، والقطاف بالحبة.
لا ترتبط المعاومة بسنة معينة، أبو يوسف يجني في العام الحالي ما فقده في العام السابق. رفقة ورشة يتنقل بين أشجاره لقطافها.
ورشات القطاف في زيادة هذا العام، كنا نبحث عن العمال بصعوبة، كل بيت في إدلب يملك أشجاراً لقطافها، وهو ما كان يجبرنا على الانتظار. أما اليوم، ومع حملات التهجير والنزوح قلعت العائلات من جذورها وحولها النزوح إلى ورشات عمل تنتظر من يطلب منها القطاف.
أم نورس، واحدة من العاملات اللواتي فضلن العمل على الجلوس في خيامهن، هي اليوم في ورشة قطاف زيتون.
لاستراحة الشاي على الحطب خصوصية عند قاطفي الزيتون، الشاي الخمير رفيق البرد والتعب، تتبادل مع كؤوسه القصص والحكايات والعتابا.
الفطور “مخلوطة = شوربة العدس” والغداء أرغفة مدهونة بالزيت والزعتر أو دبس البندورة، يجتمع قاطفو الزيتون في دوائر حول طعامهم وكؤوس الشاي، دقائق قبل أن يبدأ القطاف من جديد، في يوم عمل يزيد عن ثماني ساعات.
لا ينته يوم القطاف قبل غروب الشمس، يجمع المزارعون موسمهم لإرساله إلى المعاصر، ويتقاضى العمال ما لا يسد رمقهم بعد يوم عمل طويل، إذ لا يتجاوز أجر العامل نحو عشرين ليرة تركية وهو مبلغ لا يمكن أن يشتري أكثر من نصف كيلو غرام من الزيت.
موسم الزيتون ضعيف هذا العام، فـ “الزيات بيبين من ثيابه”، وثياب مرافقينا لم تحمل بقع الزيت، ودراجاتهم النارية نقلت أكياساَ قليلة لعصرها في انتظار ما يمكن أن يؤمن مؤونتهم.