قبل الذهاب إلى قطاف الزيتون، تجمعت فتيات ونساء متوسطات العمر في واحد من المخيمات حول بائعات جوالات يزرن المكان، بعضهن ثابتات في المخيم، أخريات يزرن مخيمات عديدة، يفردن حقائب تطلق عليها نساء المخيم “حقائب الإقبال على الحياة”، يوزعنها في الحقيبة الممتلئة ويشرحن بإسهاب عن كل عبوة.
اشترين واقيات شمسية وخلطات لتصفية البشرة، تقلن إن ذلك يشبه “علاج داء السكري”، دواء وليس زينة للحفاظ على وجوههن، ريثما ينتهين من عملهن، لتبدأ حملة تبييض البشرة وإزالة القشب وجفاف البشرة.
تقول أم مصطفى، وهي سيدة أربعينية تعيش في أحد المخيمات، إن سباقاً نحو الحفاظ على الجمال ينتشر في المكان، تدفع النساء مبالغ وصفتها بـ “الكبيرة” في سبيل ذلك، وتخبرنا أن الأمر يتعلق بـ “المبالاة” التي بدأت تدخل حياة النساء، خاصة الفتيات منهم.
تروي أم مصطفى حكاية “دهن القطن”، رفيق قشب نساء في أرياف إدلب، يستخدمنه لأيديهن المشققة من العمل في الأراضي الزراعية، ويغطين به حفراً كانت تتركها الأحذية المطاطية والتراب على كعب أقدامهن. تقول إن منه ما كان برائحة الليمون وأكثره كان بلا لون أو رائحة، يترك طبقة دهنية على وجوه وأيدي وأقدام السيدات “كان لمعان دهن القطن رفيق الرفوف الخشبية في منازل النساء، وعدة الجمال والزينة”.
تيوبات من المراهم والكريمات تحتل زوايا حقائب مندوبات التجميل، في الوسط أنواع كثيرة من العطورات المقلدة والأصلية، في الجيوب خلطات لم يكتب عليها ما تحتويه، والفيصل في استخدامها الإقناع والتجربة.
تقول سيدات تحدثنا معهن إن أزواجهن لا يمانعون شراءهن أدوات الزينة، بل على العكس “باتوا يلاحظون الفرق ويحبونه”، يسهم في ذلك الإنترنت! عند سؤالنا عن دهشة المصطلح كان الجواب حاضراً، نعرف ما يحبونه من الأشياء التي يتعلقون بها على صفحات الإنترنت، يدفعنا ذلك إلى “الغيرة” ومحاولة البحث عن حلول في وقت زادت فيه أعداد النساء وقلت فيه فرصهن بالزواج والاكتفاء بزوجة واحدة، يبتسمن وهن يخبرننا أن الأزواج اليوم عرضة للمشاركة أكبر بكثير منه في أي وقت مضى.
ليس هناك مفقودات في حقائب الإقبال على الحياة، تعتريك الدهشة وأنت تستمع للبائعات يشرحن عن بضائعهن، تقول سيدات في المخيم إن هناك خلطات ومراهم كان الحديث عنها في زمن مضى ممنوعاً، أو على الأقل يتداول في نطاق السر، كريمات وخلطات لتكبير الصدر أو تصغيره، أخرى لتبييض الجسم، تكبير الخدود، إزالة الشعر الزائد..
تبتسم أم مصطفى وهي تروي لنا قصة سيدة ابتاعت من مندوبة علبة من الحبوب زيتية المحتوى لـ “تكبير الخدود”، تطلب منا أن نشارك القصة كطرفة، كان عليها أن تثقب الحبة وتدهت السائل على وجهها، لكنها نسيت فتناولتها كحبوب منتظرة أن تستيقظ بوجه خال من التجاعيد..
النحافة أيضاَ سوق رائجة للبائعات، أنواع مختلفة بين الأدوية الفموية والكريمات الموضعية، قصص كثيرة عن نساء تغيرت علاقتهن بأجسادهن “أصبحن ممشوقات القوام، يمر الخاتم في أجسادهن”، تعبير نقلته لنا أكثر من سيدة تحدثنا معها، يقابل ذلك حديث عن أدوية بلا نفع دفع فيها ثمن باهظ.
“أهم من الطعام”، تقول أم مصطفى وهي تتحدث عن الإقبال الكبير على مواد التجميل، تتحدث عن نساء يدفعن ما يمتلكن وما يجنينه على مواد التجميل عوضاً عن شراء الطعام، معرفتها بحالهن تثير دهشتها، لكنها تراجع عن ذلك، تقول “الدهشة هنا غير مبررة، تلك أشياء لا تدخل في الرفاهية، هي جزء أصيل من حياتنا يشبه الخبز، علينا أن نحتال على الحياة، ومن حقنا أن نعيش أيضاً”.
ليست الغاية إرضاء الأزواج، لا يمكن تضييق العبارة إلى هذا الحد، يقلن، ولكن “ألا تنظر النساء في مراياهن”، نفعل ذلك لإرضاء أنفسنا، وعلينا أن نفعل.
بمئة ليرة تركية، وهو مبلغ تعمل فيه عاملة قطاف الزيتون أسبوعاً كاملاً، اشترت فتاة في المخيم زيتاً وكريماً لتسبيل الشعر، تحدثنا أنها ما تزال تنعم بمفعوله كل يوم، وأن وقع الأمر كان “رائعاً” حين نظرت إلى المرآة وهي تمشط شعرها الأملس للمرة الأولى في حياتها.
تتقاضى البائعات عشرين بالمائة من مبيعاتهن، يتقاسمن البيوت والخيام التي يزرنها، تقول بائعة منهن إنها تبيع يومياً بنحو ألف ليرة تركية، وهو ضعف ما تبيعه صاحبة محل لبيع أدوات الزينة في إدلب، تحدثنا معها، وهي تمتلك محلاً في سوق رئيسي.
تخبرنا البائعة أن عشرات النساء يمتهن بيع أدوات الزينة اليوم، ويعملن مع شركات بنسبة مئوية، قسم منهن يعمل لحسابه الخاص، لكن أكثرهن يبعن المنتجات مقابل نسبة مئوية، وتتحدث عن الإقبال الكبير على هذه المنتجات، تقول إن نساء ينتظرنهن دائماً، إضافة لأرقامهن التي لا تهدأ لفتيات يوصينهن على أنواع محددة رأينها على الإنترنت أو عند نساء أخريات.
تؤكد أم مصطفى أنه لا يمر يوم دون زيارة لبائعة، وأن اليوم الذي لا يطرق بابها إحداهن هو يوم غريب يثير التساؤل بينها وبين بناتها، وأن بعضهن يبعن بالدّين بعد أن تحولت النساء إلى زبائن دائمين.
تقول البائعة إن كريم تبييض البشرة والنحافة يتصدر قائمة المبيعات، وإن أدوات الزينة غير الفاقعة تدخل في قائمة الأكثر مبيعاً، قلم الحمرة البني والزهري هو الأكثر مبيعاً، وبودرة الوجه وأساس المكياج بلونها “البيج”، وكذلك كريم تشقق البطن، وفي مواسم القطاف والصيف تكون واقيات الشمس هي أكثر ما نبيعه.
رتبت سيدة في المخيم داخل حقيبتها التي ستحملها معها إلى عفرين، حيث اتفقت مع ورشة قطاف الزيتون، جوارب سميكة وقبعة لحمايتها، دون أن تنسى أن تضع واقي شمسي من عيار100، وكريم لترطيب البشرة وجورب يحوي كريماً لكعب القدمين، تقول إنها ستشتري بما ستجنيه عند عودتها ثلاجة وسجادة جديدة، دون أن تنسى أن تدفع دينها لبائعة جوالة تقول إنها ستجلب لها مبيضاً لأسنانها وعطراً من ماركة أصلية، إضافة لصندوق زينة رأته في واحدة من صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.