فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من الإنترنت

طلاب الجامعات في ريف حلب.. تحديات بالجملة

هاني العبدالله

شهدت مناطق الشمال السوري المحرر افتتاح الكثير من الجامعات التي جاءت كبديلٍ عن جامعات النظام، وتنوعت تلك الجامعات ما بين خاصة من جهة، أو حكومية تابعة للحكومة السورية المؤقتة أو […]

شهدت مناطق الشمال السوري المحرر افتتاح الكثير من الجامعات التي جاءت كبديلٍ عن جامعات النظام، وتنوعت تلك الجامعات ما بين خاصة من جهة، أو حكومية تابعة للحكومة السورية المؤقتة أو التركية من جهةٍ أخرى، إلا أن الدراسة فيها كانت هاجساً يؤرق معظم الطلاب في ظل التحديات الكثيرة التي تواجههم.

أقساط باهظة تصل لـ 700 دولار سنوياً

يعتبر غلاء الأقساط الجامعية المشكلة الأكبر التي تقف حجر عثرة في وجه الطلاب الراغبين بالدراسة في جامعات الشمال المحرر، في ظل غلاء رسوم التسجيل في تلك الجامعات.

أحمد بيطار من أهالي مدينة الباب بريف حلب، حصل على شهادة البكالوريا هذا العام بمجموع ممتاز، يُخوّله التسجيل في أي فرعٍ جامعي، لذا قرّر الدراسة في “أكاديمية باشاك شھیر للعلوم العربية والإسلامية”، كون لها فرع ضمن الباب، وبنفس الوقت معترف بها عالمياً بإعتبارها وقّعت اتفاقية تعاون مع جامعة “اليرموك” الأردنية.

يقول بيطار لفوكس حلب: “حلمي أن أكون مهندساً في المستقبل، لذا ثابرت في الدراسة وحصلت على مجموعٍ عال، وحين قررت التسجيل في كلية الهندسة والتكنولوجيا ضمن أكاديمية باشاك شھیر، تفاجأت أن رسم التسجيل كل سنة يبلغ 700 دولاراً، أي نحو6500 ليرة تركية، وهو مبلغ ضخم مقارنةً بمستوى دخل معظم العوائل في الشمال السوري”.

يضيف بيطار “الارتفاع الكبير في رسوم التسجيل بكلية الهندسة جعل حلمي يتبخر، وفكرت في دراسة اختصاصٍ آخر أقل تكلفة، لكن الرسوم في باقي الكليات ضمن أكاديمية باشاك شھیر ليست أفضل، حيث يبلغ رسم التسجيل السنوي في كلية الإعلام 600 دولاراً، في حين يبلغ ضمن كليات الآداب والعلوم الإنسانية، الاقتصاد والإدارة، التربية والعلوم الإجتماعية، والرياضيات 500 دولاراً، بينما يصل لـ 400 دولار ضمن كليتيّ العلوم السياسية، والشريعة والعلوم الإسلامية، ما اضطرني للتوجه لدراسة العلوم السياسية كونها الأقل ثمناً، على أمل العثور على فرصة عمل مستقبلاً”.

وتشهد باقي الجامعات بريف حلب أيضاً، والتي تحظى بإقبالٍ من قبل الطلاب، ارتفاعاً في أقساطها السنوية، ففي “جامعة حلب الحرة” تبلغ رسوم التسجيل السنوية في كليات الطب البشري، طب الأسنان، والصيدلة، 300 دولاراً.

كليات العلوم الصحية، الهندسة المعلوماتية، هندسة الميكاترونيك، الهندسة الزراعية، الإعلام، المعهد التقاني الطبي 250 دولاراً، الحقوق، الاقتصاد، التربية (الإرشاد النفسي – التربية الخاصة) 200 دولار، الشريعة، التربية (معلم صف)، والآداب (اللغة العربية – اللغة الإنكليزية – اللغة التركية) 175 دولاراً.

كليات الآداب (التاريخ -الجغرافيا)، العلوم السياسية، العلوم (الرياضيات -الكيمياء التطبيقية -علم الحياة)، إلى جانب المعهد التقاني الطبي، المعهد التقاني للحاسوب، المعهد التقاني لإدارة الأعمال، المعهد التقاني للإعلام، يبلغ رسمها السنوي 150 دولاراً، بينما يبلغ رسم التسجيل في المعهد التقاني الزراعي، والمعهد التقاني البيطري، 125 دولاراً.

كذلك تعتبر أقساط “الجامعة الدولية للعلوم والنهضة” مرتفعة أيضاً، حيث تبلغ رسوم كليات الهندسة (التقانات الحيوية)، هندسة العمارة، الهندسة المعلوماتية، العلوم الصحية، معهد التعويضات السنية، معهد القبالة، معهد التمريض، المعهد الطبي (صيدلة) 500 دولار.

كليات الإدارة والاقتصاد، التربية (معلم صف، علم النفس)، معاهد إدارة الموارد البشرية، المحاسبة والتدقيق المالي، تكنولوجيا الإعلام والصحافة، تكنولوجيا أمن المعلومات والشبكات، نظم المعلومات الإدارية، واللغة الإنكليزية، 300 دولار.

أما “جامعة الشام العالمية” فتعتبر أقساطها السنوية أقل تكلفةً مقارنة بالجامعات السابقة، حيث تبلغ رسوم كليات الهندسة (المعلوماتية، المدنية، الكيميائية، الزراعية، الميكاترونيكس، والاتصالات) 150 دولاراً، بينما كليات التربية (تربية معلم صف، والإرشاد النفسي)، العلوم السياسية، والشريعة والقانون، 100 دولار سنوياً.

وفي جامعة “الزهراء” تبلغ أقساط كليات الشريعة والدراسات الإسلامية، آيات القرآن وعلومه، اللغة العربية، الاقتصاد والعلوم الإدارية، والتربية، 100 دولار للفصل الدراسي الأول، و 65 دولاراً في الفصل الثاني، في حين تقدّر رسوم كلية الهندسة بـ 150 دولاراً للفصل الأول، و 115 دولاراً للفصل الثاني.

ويرى إيهاب نبهان، طالب سنة ثانية في كلية هندسة العمارة التابعة “للجامعة الدولية للعلوم والنهضة”، أن “تأمين أقساط الجامعة يعتبر الهم الأكبر للطلاب في الشمال المحرر، فعند التسجيل يجب دفع مبلغ 50 دولار، عدا الرسم السنوي البالغ 500 دولار، كما أن الرسوب يستدعي دفع ٣٠ دولاراً عن كل مادة راسبة، الى جانب مصاريف التنقل والسكن والكتب، وهي مبالغ من الصعب على معظم الطلاب تأمينها، بسبب انخفاض مستوى الدخل وقلة أو ندرة فرص العمل”.

وأضاف نبهان لفوكس حلب أن “هناك منظمات تطلق منح لطلاب الجامعة، لكن للأسف غير كافية بسبب قلة الأعداد المطلوبة، وحصرهم لتلك المنح في جامعة معينة دون الأخرى، حيث أن أغلب المنظمات تعطي منح لجامعة حلب الحرة، اضافةً الى أن أغلب المنح تكون لفصل دراسي واحد فقط، ما يُسبب عدم أمان دراسي للطالب، الذي سيضطر لتحمّل نفقات التسجيل والدراسة في الفصل الثاني وباقي السنوات، وهو ما دفع كثيراً من الطلاب الذين حصلوا على منح، للتوقف عن الدراسة مع انتهاء المنحة”.

غلاء المواصلات والسكن

تعتبر المواصلات مشكلة أخرى تؤرق الطلاب، حيث يضطر البعض لقطع مسافاتٍ طويلة ودفع مصاريف كبيرة، من أجل الوصول الى جامعاتهم.

تقول ليلى العلي، طالبة سنة ثالثة في كلية العلوم الصحية بجامعة النهضة: “المواصلات عائق كبير أمام الطلاب، فلا يوجد خطوط نقل عام للطلاب، لذلك نضطر للتعاقد مع السيارات الخاصة، فأنا من أهالي مدينة الراعي وجامعتي في إعزاز، لذا أحتاج كل يوم لنحو ساعة للوصول إلى الجامعة”.

وأضافت العلي: “أدفع مبلغ 500 ليرة تركية شهرياً للمواصلات، كما أني مضطرة للذهاب والعودة للجامعة ضمن أوقات محددة متفق عليها مسبقاً مع سائق السيارة، عدا عن حالة القلق التي تنتاب والديّ، كوني فتاة أسافر يومياً من وإلى الجامعة، في ظل ظروفٍ أمنية غير مستقرة”.

وفي كل فترة تطلق بعض الفرق التطوعية مبادرات لنقل الطلاب عبر حافلاتٍ مجانية إلى جامعاتهم، في ظل التكاليف الباهظة التي يتكبدها الطالب للتنقّل من مكان إقامته الى الجامعة، فضلاً عن الوقت الذي يضيع على الطريق والمخاوف الأمنية، لكن سرعان ما تنتهي تلك المبادرات التطوعية بعد فترةٍ وجيزة، بسبب عدم تلقيها أي دعم مادي.

محمود المصطفى طالب في كلية التربية بجامعة المعالي، عبّر عن معاناته الشديدة في الوصول إلى جامعته، لكنه لجأ مؤخراً إلى حلٍ بديل للوصول الى الجامعة بشكلٍ مجاني، عوضاً عن دفع مبالغٍ مالية من أجل التنقّل.

يقول المصطفى: “أنا من سكان جرابلس وجامعتي في مدينة الباب، لذا اختصرت دوامي في الجامعة إلى ثلاثة أيام في الأسبوع، وحين أذهب للجامعة اعتمد طريقة التنقّل بالتقطيع، حيث أقف على الطريق وأصعد في أي سيارة متجهة نحو الجامعة، ومن ثم أنزل وأصعد بسيارةٍ أخرى أو أكثر الى أن أصل إلى الجامعة، ورغم أن تلك الطريقة خطيرة كوني أصعد مع أشخاصٍ غرباء لا أعرف نواياهم، إلا أن وضعي المادي السيء يضطرني لإعتماد ذلك الحل”.

بعض الطلاب يدرسون في جامعاتٍ بعيدة عن مكان إقامتهم، ما يُجبرهم على استئجار غرفة أو منزل مشترك مع مجموعةٍ من الطلاب، في ظل عدم وجود سكن جامعي في كثيرٍ من جامعات الشمال المحرر، وهذا يُكبّدهم مصاريف إضافية هم بغنى عنها، لاسيما أن ايجارات المنازل في ريف حلب باتت مرتفعة جداً، وتتراوح ما بين 100-200 دولار شهرياً.

غياب الاعتراف.. الصداع الأكبر

تسعى جميع الجامعات في الشمال المحرر، للحصول على اعترافٍ بشهاداتها، لكن لم توفّق أي جامعة بالحصول على اعترافٍ حقيقي، وجميعها حصل على اعترافات جزئية من بعض الجامعات، عن طريق علاقات توأمة أو مشاركة أو تعاون علمي، مع وعود بوجود اعترافات في المراحل المقبلة.

والاعتراف بالجامعة هو إقرار بأن الشهادة التي تصدر عن جامعة معيّنة، هي شهادة تتمتع بالمصداقية فيما يتعلّق بمؤهلات حاملها، ومطابقته لمعايير الجودة المعتمدة في مجلس التعليم العالي لدولة ما، أو وزارة التعليم العالي (حسب نظام كل دولة).

وصدور قرار بـ”اعتماد” الجامعة يعني “الاعتراف” بها والتعامل معها، ويجب أن يصدر قرار الاعتماد من الجهة الرسمية المختصة في الدولة بالتعليم العالي (مجلس التعليم العالي أو وزارة التعليم العالي).

وتضع الجامعات التي تحاول جامعات الشمال المحرر التعاون معها، من أجل الحصول على اعتراف بها عدة شروط، تتمثل في أقساطٍ مرتفعة، أو أوراق رسمية مصدّقة من جهة حكومية تعترف بها، أو أن يكون قد مضى خمس سنوات على الأقل على إنشاء الجامعة، وخرّجت عددًا معيّنًا من الطلاب.

يقول عماد الموسى، طالب في هندسة الميكاترونيك بجامعة حلب الحرة: “رغم كل المشاكل التي تواجهنا، إلا أن الخوف الأكبر الذي يُهدّد كل الطلاب، هو عدم الاعتراف بالشهادات التي ستصدر عند التخرج، وقتها سيكون الطالب قد دفع مبالغاً طائلة خلال الدراسة، لينصدم بعدم الاعتراف في الشهادة الحاصل عليها، والتي قضى سنواتٍ من عمره من أجلها، وإلى الآن مصير الاعتراف بالشهادات غامض جداً”.

في المقابل يقول إيهاب نبهان، من طلاب جامعة النهضة: “معظم الطلاب يعلمون قبل التسجيل في أي جامعة، أن شهادتهم غير معترف بها خارجياً، لكن ليس باليد حيلة، فهم يُسجّلون على أمل أن تحصل جامعتهم على اعترافٍ مستقبلاً، وفي حال لم يكن هناك أي اعتراف، يمكنهم العمل بتلك الشهادة ضمن المنظمات والمؤسسات الموجودة في الداخل السوري”.

غياب الاعتراف جعل بعض الطلاب يعزفون عن التسجيل في أي جامعة، ما دفع إدارات الجامعات في ريف حلب للعمل بشكلٍ حثيث على تأمين أي اعتراف خارجي، وهو ما نجحت به أكاديمية “باشاك شهير” في مدينة الباب، من خلال إبرام اتفاقية تعاون مع جامعة “اليرموك” الأردنية لمنح شهادة الأخيرة لطلابها.

بموجب هذه الإتفاقية تقدّم جامعة “باشاك شهير” لطلابها شهادتين، الأولى من الجامعة نفسها مصدّقة من “مجلس التعليم العالي” التابع “للحكومة المؤقتة”، والثانية من الجامعة الشريكة (اليرموك) إن رغب الطلاب في ذلك، علماً أن شهادة جامعة “اليرموك” معترف بها حول العالم، أما شروط التعديل فتختلف من بلد لآخر وحسب نوع التعديل المطلوب.

مشاريع التخرج…العقبة الأخيرة

يتطلب التخرّج من أغلب الجامعات تقديم مشروع تخرج، والذي يعتبر مادة أساسية كباقي المواد والخطوة الأخيرة للتخرّج، ولا يمكن الحصول على الشهادة الجامعية دون إنجاز ذلك المشروع، الذي يعتبر مكلفاً للغاية.

يقول عماد الموسى، طالب في هندسة الميكاترونيك بجامعة حلب الحرة: “هذا العام سأكون على أبواب التخرج، لذا أفكر بتقديم مشروع تخرج يتضمن تصميم سيارة تعمل على الطاقة الشمسية، علماً أن المشروع مكلف بشكلٍ كبير، في ظل غلاء أسعار المواد الأولية التي قد اضطر لجلب بعضها من تركيا، ولا أعلم كيف سأقوم بتأمين تلك التكاليف، حيث أن الجامعة لا تتكفّل بتقديم أي دعم لإنجاز مشروع التخرج، كما أنه ليس هناك أي براءة اختراع لمشاريع التخرج، ما قد يُعرّض جهودنا للسرقة”.

في ظل هذا الواقع قامت “جامعة الشام العالمية” بدعم مشاريع التخرّج “المتميزة”، من خلال تقديم دعم مالي لهذه المشاريع، إذ تُغطي الجامعة 50% من تكلفة المشروع إذا كان متميزًا وفق معاييرٍ معيّنة، كما تغطي الجامعة 100% من تكلفة المشروع، في حال كان ذا صلة بواقع الشمال السوري ومفيدًا له.

عقبات بالجملة

تعاني بعض الجامعات في الشمال المحرر لوجستيًا من عدم وجود الأجهزة التخصصية كأجهزة المخابر والحواسيب العالية الدقة والمراسم، إضافةً إلى نقصٍ في أعداد الكوادر التدريسية، ولاسيما حَمَلة شهادات الدكتوراه والماجستير.

كذلك يشتكي الطلاب في بعض الجامعات من ضعف المنهاج الدراسي، يقول أسامة السقا طالبة سنة رابعة في كلية العلوم الادارية بجامعة باشاك شهير في الباب: “البرنامج الدراسي للجامعة ضعيف، عندما يُنهي الطالب دراسته الجامعية ينصدم بعدم واقعية ما أخذه في الجامعة مع سوق العمل، لأن المنهاج مستمد من كتبٍ نظرية بحتة تفتقر للنشاطات العملية التي تساهم في دمج الشباب بسوق العمل، ما يضطر الشباب للدخول في دوراتٍ تدريبية أكثر فاعلية، ليستطيعوا الحصول على خبرة عملية تساعدهم في تأمين فرصة عمل”.

يضيف السقا: “من المفروض أن تلعب المنظمات دوراً إيجابياً في توظيف الشباب الخريجين ضمن مكاتبها، أو أن يستهدفوهم ببرامج خاصة مجانية لدمجهم في سوق العمل، إلا أن هذا الدور للأسف غير موجود أساساً، فالكثير من المنظمات في الوقت الحالي تنخر عظامها المحسوبيات والواسطات في التعيين والتوظيف”.

من جهتها تقول ليلى العلي: إن “نسبة كبيرة من الطلاب تحتاج للعمل لتأمين مصاريف الجامعة، لكن يعانون من ندرة فرص العمل، كما أن بعض الطالبات متزوجات ولديهنّ مسؤوليات منزلية، إلى جانب مشكلة الأطفال، حيث ليس هناك روضات مجانية ضمن الجامعة، ما يضطرني إلى وضع أطفالي الصغار في حضانة خاصة، وهذا يُكبّدني مصاريف اضافية”.

كما اشتكى مجموعة من الطلاب من نظام الترفع في بعض الجامعات، حيث أضيفت دورة فصلية جديدة، وأصبح هناك ثلاثة امتحانات خلال السنة، ويُمنع تقديم أي مادة إلا بفصلها المحدد، وهذا الشيء سبّب مشكلة كبيرة لدى الطلاب، ما أدى إلى زيادة حالات الرسوب نتيجة تراكم المواد، في ظل عدم قبول الجامعة بإصدار ترفع إداري على ست مواد، وبات الرسوب على أربع مواد.