حُرمت الطالبة نور المحمد من إكمال امتحانها الثاني في كلية الاقتصاد، جامعة إدلب، العام الفائت، بسبب عجزها عن دفع الرسوم الجامعية .
تقول نور إن أحد موظفي الجامعة طلب من الطالبات اللواتي لم يدفعن الرسوم الخروج من قاعة الامتحانات، تطبيقاً لقرار مجلس الكلية والذي ينص على “منع الطلاب المتأخرين عن سداد الرسوم الجامعية من تقديم الامتحانات، بعد المهلة الأخيرة التي تم منحهم إياها”.
ظروف الطلاب المادية السيئة هي التي تحول دون دفع هذه الرسوم، تقول نور إن خروجها بهذه الطريقة أحرجها أمام زملائها، وحرمها من تقديم المادة الامتحانية التي تعبت في التحضير لها.
تكفلت واحدة من المنظمات بدفع رسوم نور وعشرات غيرها من الطلاب في الجامعة، وينتظر آخرون حظهم في ورود أسمائهم في قائمة المكفولين، أو الاتجاه للعمل لتحصيل القسط الجامعي والتكاليف الأخرى، أو الابتعاد عن جامعاتهم.
عقوبات متفاوتة
تفاوتت حدة القرارات التي اتبعتها كليات جامعة إدلب تجاه الطلاب المتأخرين عن تسديد الرسوم خلال الفصل الدراسي الأول، إذ قرر بعضها منع الطلاب من دخول الامتحان في حين قررت أخرى تحديد مدة لتسديد الرسوم، ومنح درجة الصفر في الامتحان لمن لا يتقيد بدفع الرسوم خلال المدة المحددة ثم اقتصرت العقوبة على منح درجة الصفر في مادة واحدة، و قررت كليات أخرى إخراج الطالب من قاعة الامتحان.
فاطمة محمد، طالبة في السنة الثالثة، كلية التربية، عوقبت بمنحها درجة الصفر في واحدة من المواد التي قدمتها لتأخرها عن تسديد الرسوم الجامعية، تقول فاطمة إن الكلية منحت علامة صفر لجميع الطلاب الذين قدموا المادة الأولى من الأسبوع الثاني في الامتحان، ولم يسددوا الرسوم، ولم يتم إعادة العلامة الحقيقية للطالب بعد التسديد، ما أجبرها على تقديم المادة مرة ثانية خلال الدورة التكميلية.
خلال الفصل الدراسي الثاني اتخذت رئاسة جامعة إدلب قراراً موحداً، وطالبت جميع الكليات بتنفيذه، نص القرار على منح علامة صفر لكل مادة يقدمها الطالب دون أن يكون قد سدد رسومه، بحسب أحمد الأشقر إعلامي جامعة إدلب، وقال قبل تنفيذ القرار منحت الجامعة عدة مهل متلاحقة للطلاب المتأخرين عن السداد، كان آخرها بعد بداية امتحان الفصل الثاني بعشرة أيام، وأي طالب استمر بامتحاناته بعد هذه المهلة ولم يسدد الرسوم منح درجة الصفر.
رسوم منطقية
تختلف الرسوم التي تتقاضاها جامعات إدلب من الطلاب، وتتراوح بين مئة وخمسين إلى مئتين وخمسين دولاراً في كليات جامعة إدلب، بما فيها الطب البشري.
ويرى أحمد أبو حجر، رئيس جامعة إدلب، أن الرسوم الجامعية “منطقية” ولا تعتبر مرتفعة، لاسيما أن الجامعة لا تتلقى أي دعم، ويتم تأمين مستلزمات العملية التعليمية كافة من رسوم الطلاب.
يقول من التقيناهم من الطلاب إن الرسوم لا تتناسب أبداً مع الواقع الاقتصادي في إدلب، إذ أن مبلغ مئتي دولار، يساوي أجر موظف لنحو ثلاثة أشهر، ما يعني أن شريحة واسعة من الناس لن تتمكن من إرسال أولادها إلى الجامعات. لا تقتصر التكلفة على الرسوم الجامعية، فهناك مصاريف أخرى ترهق الطالب الجامعي مثل ثمن الملخصات وتصوير المحاضرات والكراسات.
ويقدر من تحدثنا معهم من الطلبة كلفة الجامعة الشهرين بنحو خمسين دولاراً، إن استثنينا اللباس وأجرة السكن.
فراس العمر ، طالب في كلية العلوم، يعمل في أحد مقاهي مدينة إدلب ليتمكن من تأمين نفقاته الجامعية دون الحاجة لأهله، ويتقاضى شهرياً نحو سبعمئة وخمسين ليرة تركية.
يقول فراس إنه من عائلة مهجّرة، ولا تملك عائلته مصدر دخل ثابت ما أجبره على البحث عن عمل لا يتعارض مع أوقات الجامعة ويمكنه من تأمين رسومها.
يقر فراس بصعوبة التوفيق بين العمل والدراسة لكنها أفضل الحلول التي تمكنه من متابعة دراسته رغم تأخره عن رفاقه ورسوبه نتيجة انشغاله بالعمل.
عبد الحميد العلي شاب آخر يدرس في كلية الهندسة الميكانيكية ويستغل خبرته في التصميم والمونتاج ليعمل بها نحو ساعتين يومياً ويؤمن أقساط جامعته السنوية.
يقول إنه تأخر سنتين في دراسته نتيجة عدم تفرغه الكامل للجامعة، وهو ما أثر أيضاً على معدله السنوي، ولو كانت حالته المادية أفضل أو الدراسة مجانية لحقق نتائج مميزة في الفرع الذي يحبه، على حد قوله.
يضيف: “كيف تكون تكاليف الدراسة الجامعية منطقية، وأغلب الطلاب مضطرون للعمل ليتمكنوا من الدراسة، ومن لم يجد عملاً عليه أن يبحث عن المنظمات الإنسانية التي قد تتكفل بدراسته إن طابق المعايير التي تفرضها هذه المنظمات”.
تدخل المنظمات التعليمية
قامت جامعة إدلب بالتواصل مع عدة جهات تدعم العملية التعليمية لمساعدة الطلاب المتعثرين في دفع الرسوم، وتم في العام الماضي كفالة نحو ثلاثة آلاف طالب وطالبة.
كما قامت إدارة الجامعة بتأسيس “المكتب الخدمي”، ومهمته مساعدة الطلاب المتعثرين في الدفع، إذ يسجل الطلاب أسمائهم لدى المكتب، والذي يقوم بدوره برفعها للمنظمات الإنسانية التي تتحرى عن أوضاعهم، و تسديد رسومهم الجامعية، في حال تم التأكد من صحة معلوماتهم المرفقة.
كفل فريق ملهم التطوعي م 438 طالباً خلال العام الدراسي الماضي من جامعة إدلب، وتم تسديد رسومهم الجامعية بعد أن حقق هؤلاء الطلبة المعايير التي وضعها الفريق، مثل حالة ذوي الطالب المادية، وطبيعة المنزل الذي يقيمون به “منزل غير مجهز”، وهل الطالب مهجر أم مقيم، وراعت الشروط تخصصات الطلبة والنتائج التي حققوها في السنوات السابقة، ليتم اختيار الأكثر حاجة وفقاً للفريق.
يعتزم الفريق إطلاق منح دراسية جديدة في العام الدراسي الحالي على أمل مساعدة أكبر عدد من الطلاب في تحمل الأعباء الدراسية. بحسب عبد الله الخطيب مدير المكتب الإعلامي.
معايير الهيئة العامة للزكاة في إدلب، كانت أشمل، إذ قبلت النسبة الأكبر من الطلاب المتقدمين للمنح، وذلك بعد إجراء كشف على منزل الطالب وتقييم حالته المادية من خلال عدة أسئلة مثل “إيجار المنزل، وجود دخل ثابت لرب الأسرة،..” بحسب أحد الطلاب الذين حصلوا على المنحة.
بدورها نفذت الهيئات الطلابية في جامعة إدلب عدة حملات لمساعدة الطلاب المتخلفين عن دفع الرسوم، يقول أحمد دياب مشرف هيئة كلية العلوم، إن الرسوم الجامعية تشكل عبئاً على الأهالي والطلاب نتيجة قلة فرص العمل وانخفاض مستوى الدخل، وقد سعى المكتب لتقديم المساعدة لكثير من الطلاب عبر تنفيذ حملات لجمع التبرعات من الطلاب الميسوري، أو عبر مناشدة المنظمات الإنسانية للتدخل وحل مشكلة هؤلاء الطلاب، كما قام المكتب بمراسلة رئاسة الجامعة في عدة حالات لإجراء استثناء لهم والسماح لهم بالتقدم للامتحانات.
في حالات أخرى وفي كلية التربية تدخل الأستاذ المشرف على المادة ومنع إخراج الطلاب من امتحان مادته، وتكفل بتسديد رسومهم، بحسب طلاب من الكلية.
مبادرات فردية
لم تغب الجهود الفردية عن دعم طلاب الجامعات، فقد بدأ أحد المتبرعين سنة 2018- 2019 بمشروع تعليمي استهدف من خلاله الطلاب الأكثر حاجة، وذلك بالتنسيق مع منظمة مجد الشام الخيرية، إحدى الجمعيات التي تعنى بدعم العملية التعليمية بهدف إعادة الشباب إلى مسارهم العلمي، بعد ابتعاد قسم كبير منهم نتيجة الحرب.
لا تفرض المنظمة أي شروط على الطالب الجامعي، باستثناء كونه عاجز عن تسديد الرسوم، ولا تقتصر المنح التي تقدمها على فرع دراسي محدد،لكن يتم أخذ الجامعة التي يسجل فيها الطالب بعين الاعتبار، تم خلال المشروع كفالة 91 طالباً تخرج منهم 17 طالباً.
يقول من التقيناهم من طلاب جامعة إدلب إن المساعدات التي تقدم للطلاب “جيدة”، لكنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب، لكونها لا تغطي الطلاب كافة، ما دفع بعضهم لتنظيم حملات تبرع تهدف لمساعدة من لم يتمكن من العثور على مساعدة من قبل إحدى المنظمات.
نظمت صفحة ” صراحة- نيوز” على فيسبوك، وهي صفحة تهتم بمتابعة الحياة الجامعية، عدة حملات تبرع للطلاب، وقال أحد إداري الصفحة إنهم من خلال تواجدهم المستمر بين الطلبة لمسوا حاجة بعض الطلاب للمساعدة ما دفعهم لتنظيم مثل هذه الحملات، والتي دفعت طلاباً آخرين للتواصل معهم وطلب المساعدة، حيث كان يتم ربط المتبرع بالطالب ليتلقى المساعدة بشكل مباشر.
أمن فريق الصفحة أقساطاً جامعية لستة طلاب، كما دفع رسوم المواد التكميلية لعشرين طالباً كانوا عاجزين عن تقديم الامتحان نتيجة ضعف حالتهم المادية.
آلية احتساب الرسوم
قيمة الرسوم تأتي بناء على اقتراح من مجلس جامعة إدلب، يحدد التكاليف التي تدفعها الجامعة على كل طالب، ليتم لاحقاً تحديد قيمة الرسوم التي تتناسب مع التكاليف.
لا يتدخل مجلس التعليم العالي بمناقشة الرسوم الجامعية، ويترك لكل جامعة أن تحدد الرسوم الجامعية وفقاً لنظامها المالي الخاص بها، والتي تستند عليه حسب نظامها المعتمد والمقرر في اجتماعاتها الخاصة، كما لم يتخذ أي خطوات لمساعدة الطلاب الذين طالتهم العقوبات نتيجة تأخرهم عن دفع الرسوم.
ترفعت نور للسنة الثالثة في كلية الاقتصاد، لكن الهواجس ما زالت تلاحقها فأوضاع أهلها الاقتصادية لم تتغير وهي لا تضمن حصولها على كفالة إحدى المنظمات هذا العام، ليأخذ تأمين القسط الجامعي حيزاً واسعاً من تفكيرها كحال آلاف الطلاب في جامعة إدلب.