نلوذ بـ قشر الفستق واللوزيات في شتاءات الشمال القاسية. يبحث الرجال عن أوفر الطرق لتأمين ما يدفئ صغارهم ويحميهم، وتطالب ربات المنازل في أمنياتها أن تحصل على مدفئة ووقود لا تترك رواسب شحاره بقعاً على الجدران وأقمشة الخيام وفي الصدور.
ليس جديداً أن يصبح قشر الفستق واللوزيات طعام مدافئ الشتاء في الشمال السوري، وإن كان، سابقاً، يقتصر استخدامه في البلدات والقرى الغنية بهذا النوع من الأشجار كأرياف حماه وحلب، وضمت هذه المناطق “كسارات” لـ “اللوزيات والفستق” تسهل من عمل أصحاب الحقول وتخرج لهم قلب مواسمهم، تاركة للشتاء قشراً برائحة زكية وأضرار قليلة.
يقول من تحدثنا معهم إن عقد مقارنة سريعة لأنواع الوقود المتوفرة، يحيلك إلى قشر الفستق، إذ تجاوز سعر طن الحطب مئة وخمسين دولاراً، والمازوت الذي وصفوه بـ “الرديء” نصف دولار للتر الواحد، أما المستورد الأوروبي فوصل إلى نحو دولار للتر.
ليست أسعار قشر الفستق واللوزيات رخيصة، إذ يتراوح سعر الطن منها بين (135 إلى 150) دولاراً، وهو يساوي أو يزيد عن أسعار الأنواع الأخرى من الوقود، لكن ما يمنحه من دفء وبطء في الاحتراق يوفر على جيوب السكان أزيد من ثلثي ما ينفقونه على الأنواع الأخرى.
يقول سكان في إدلب، استخدموا قشر الفستق في شتاءات سابقة، إن طناً واحداً “بيطالعك من الشتا”، في الوقت الذي تحتاج فيه لأزيد من طني حطب أو ثلاثة براميل من المازوت حرقها في أشهر الشتاء الباردة، والتي تنخفض فيها درجات الحرارة عن الصفر في المنطقة.
يقول أبو خالد، أحد سكان دير حسان بريف إدلب، إن احتراق القشر يولد حرارة جيدة ولا تنتج عنه أي روائح حرق كريهة، ما يحمي العائلة خاصة الأطفال من أمراض عديدة تسببها مدافئ الحطب أو استخدام الألبسة البالية أو الفحم.
ولقشر الفستق واللوزيات مدافئ خاصة يصفها من يستخدمها إنها أكثر أماناً من الأنواع الأخرى، والتي تسببت في الأعوام الماضية بعشرات الحرائق وأودت بحياة أشخاص نتيجة حوادث اختناق أو احتراق شهدتها المنطقة، خاصة في المخيمات.
تصنع هذه المدافئ في ورش خاصة، وتقوم الورش ذاتها بتعديل مدافئ كانت مخصصة لأنواع أخرى من الوقود لتصبح صالحة لاستقبال قشر الفستق واللوزيات، يقول أبو يوسف، صاحب واحدة من ورش صناعة مدافئ الفستق على طريق سرمدا -الدانا بريف إدلب، إنه اضطر لزيادة عدد العمال في ورشته إلى عشرة عمال عوضاً عن خمسة اعتمد عليهم في الموسم السابق.
“الشتاء على الأبواب”، يضيف صاحب الورشة وهو يروي لنا قصة هذه المدافئ التي رافقة لسنوات كثيرة، كان ذلك قبل تهجيره من قريته بريف حماه الشمالي، المدينة التي ينسب لها ابتكار صناعة هذا النوع من المدافئ، نقلوه معهم وحملوا صناعته إلى إدلب بعد تهجيرهم وزيادة الطلب عليه من الأشخاص وأصحاب المحلات.
تختلف أشكال وأنواع وأسعار مدافئ القشر عن بعضها البعض، يفرق بينها أبو يوسف بجودة الألمنيوم وتكلفة الزينة، إذ يصل سعر المجهزة بخزان توتياء إلى خمسة وسبعين دولاراً، وصاحبة خزان الألمنيوم إلى مئة دولار، ويصل سعر أنواع منها لنحو مئتي دولار بحسب جودة وكمية الألمنيوم.
تتكون المدفئة من صندوق ألمنيوم أو توتياء في داخله مكان لوضع قشور الفستق الحلبي، إضافة لحلزون يعمل على طاقة مدخرة مرتبطة بمؤقت زمني، يرسل الأوامر إلى الحلزون لدفع القشر وتشغيل مروحة الهواء التي تساعد على سرعة الاشتعال.
يتفنن الصناع في زخرفة الصندوق والهيكل الخارجي للمدفئة بألوان ذهبية أو فضية ورسومات متنوعة تزيدها جمالاً، تقول فاطمة، من سكان مدينة إدلب، إنها تحب مدافئ القشر لشكلها الأنيق، ولكونها لا تحتاج إلى تنظيف أسبوعي مثل مدفئة الحطب والفحم، وتبقى جدران المنزل نظيفة خالية من الشحار، كذلك كمية الرماد بعد الحرق قليلة جداً ولا تحتاج إلى جهد لإفراغها يومياً.
أحمد الأحمد أحد مستخدمي المدافئ المعدلة قال “هذه المدافئ ووقودها يوفران بيئة صحية وآمنة تريحنا من روائح المازوت المكرر الكريهة الذي استخدمناه شتاء الماضي، وتسبب بحصول حريق في المنزل، بسبب وجود نسبة مواد سريعة الاشتعال وإصابة زوجتي بحروق بليغة خرجت منها بعد معاناة”.
يخبرنا وسام العلي أنه طلب من ورشة تعديل مدفأة الحطب خاصة لتصبح صالحة لحرق قشر الفستق، يقول ” هذه المدافئ جذابة ورائحتها لطيفة عند الحرق، إضافة لكونها توفر الدفء الجيد، ولا تترك مخلفات كثيرة عند الحرق”.
ويتنوع وقود مدافئ القشر مثل “اللوز والبندق والمشمش والجوز”، وهو ما يتيح للسكان اختيار النوع المناسب ليكون مصدر للدفء في منزله، يضيف وسام الذي أضاف سبباً أخيراً لاختياره، لخصه بصعوبة تشغيل مدافئ الحطب مقارنة بالقشر، خاصة إن كان الحطب رطباً، كذلك المازوت المكرر بدائياً.
لا يكفِ ما تنتجه إدلب من وقود قشر الفستق واللوزيات حاجة السكان، خاصة مع استيلاء قوات الأسد على المناطق الأوسع زراعة لهذا النوع من الأشجار في أرياف حماه وريف إدلب الجنوبي وحرمان أصحابها منها، ومع إغلاق المعابر أيضاً، وهو ما دفع تجار لاستيراد قشر الفستق والبندق من الدول المجاورة.
يقول تجار تحدثنا معهم، ومنهم أبو حسام يسكن مدينة الدانا، إن القشر يصل من تركيا عبر وسطاء، ويدخل في شاحنات من معبر باب الهوى بأسعار تصل إلى مئة وخمسة وثلاثين دولاراً للفستق، وثلاثة وتسعين دولاراً للبندق، يستلمها التاجر من “الطبون” ويدفع رسم إدخالها إلى إدلب ثلاثة عشر دولاراً عن كل طن.
يؤكد تجار تحدثنا معهم على زيادة الطلب على هذا النوع من الوقود، ويرجعون السبب لغلاء الأنواع الأخرى المعتمد عليها سابقاً، إذ وصل سعر أسطوانة الغاز نحو ثلاثة عشر دولاراً وليتر المازوت من شركة وتد إلى نحو دولار، في الوقت الذي ينقص فيه متوسط دخل العامل في إدلب عن ثلاث دولارات، ما يحول دون قدرته على تدفئة عائلته.