لا بد من زيارة واحد أو أكثر شهرياً إلى محلات تصليح الدراجات النارية المنتشرة بكثرة في المنطقة، بعد أن باتت وسيلة النقل شبه الوحيدة للتنقل وقضاء الحاجيات، ويدفع أصحاب الدراجات النارية بين 25 إلى 75 ليرة تركية وسطياً لصيانتها الشهرية، يزيد من هذه التكلفة الأنواع السيئة المستوردة للدراجات وقطع التبديل، إضافة لنوعية الوقود الرديئة ووعورة الطرق العامة.
يقصد أنس المحمد وهو مهجر يعيش في مخيم دير حسان بريف إدلب ثانوية عقربات العامة لإكمال دراسته، يقول إنه يزور مصلح الدراجات مرتين شهرياً على الأقل، وتتنوع الأعطال بين البسيطة مثل لصق العجلات أو تزويدها بالهواء، وبين الكبيرة مثل عطل في واحدة من قطع المحرك، ولا تقل سعر أي قطعة تستبدل عن خمسين ليرة تركية وقد تصل أحياناً إلى أزيد من مئتين وخمسين ليرة، بينما تتراوح أجور التصليح والاستبدال بين خمسين إلى مئة ليرة تركية.
ويضيف أنس إن هذه المبالغ كبيرة، لكن الحلول معدومة، إذ يحتاج للوصول إلى ثانويته إلى وسيلة تنقل، وفي ظل الظروف الاقتصادية السيئة وغياب وسائل التنقل العامة، يضطر السكان لشراء أنواع رديئة ومستعملة من الدراجات يقول إنها “تقاسمهم قوت يومهم”.
في الشارع الوسطي لمخيم الغاب بدير حسان يجلس أحمد الحسين القرفصاء أمام محله ساعات طويلة لينهي عمله في تصليح الدراجات النارية، يمسح عرقه بيدين لطختا بالزيت المحترق والشحم، يفك قطعاً لإصلاحها أو استبدالها وتهيئة الدراجات النارية من جديد.
نادراً ما تمر بشارع رئيسي أو فرعي دون أن يقابلك محل لتصليح الدراجات النارية، في الأزقة والأسواق أيضاً، إذ تعتمد محافظة إدلب ومنذ سنوات على وسيلة النقل هذه لقضاء حاجياتهم، ولا يكاد يخلو بيت من دراجة أو أكثر، يقودها مختلف أبناء المنطقة حتى الأطفال بأعمار صغيرة.
ويعود سبب هذا الانتشار، بحسب من تحدثنا معهم، إلى غياب وسائل النقل العامة في القرى، وحاجتهم للدراجة النارية لشراء لوازم البيت وكذلك في المواسم الزراعية والوصول إلى المدارس والدكاكين، يضاف إلى ذلك رخص ثمنها مقابل السيارات وقلة صرفها للوقود، خاصة مع ارتفاع أسعاره في السنوات الأخيرة وندرة وجوده أيضاً.
لا تحتاج محلات تصليح الدراجات النارية إلى ديكورات وأثاث، معظمها، ولطبيعة عمل أصحابها، دكاكين “على العضم”، دون إكساء، وتتراوح إيجاراتها بين 20 إلى 30 دولاراً شهرياً، بحسب أحمد الذي تنقل بين محلات ومناطق مختلفة.
يقضي مصلحو الدراجات يومهم بين دراجة وأخرى، فمن النادر أن تجد صانعاً فيها دون عمل، كما يوجد في كل محل تقريباً عدداً من الصناع أو الراغبين بتعلم المهنة التي تشكل مصدر دخل جيد لكثرة الطلب عليها.
يخبرنا أحمد وهو يمسح يديه ببدلته الفضية التي غاب لونها من آثار الشحم والزيت، إن هذه المهنة موهبة وفن، ويقدّر فيها من يعرفون أعطال الدراجات دون تجريب وتكهنات، وهو ما يفسر الازدحام الحاصل أمام بعد المحلات مقارنة بأخرى، يقول أحمد “تحتاج مهنة تصليح الدراجات إلى مثابرة وإتقان، إضافة للمعرفة”، ويخبرنا “أنه ورث مهنته عن والده الذي عمل بها طيلة حياته، هو وصناع آخرون فتح كل منهم محلاً بعد وفاة والده”.
تبدأ رحلة الأعطال بعد عام من استعمال الدراجة النارية، يقول رائد لسعيد، صاحب ورشة تصليح الدراجات النارية في الدانا، ويعزو السبب لوعورة الطرقات والدراجات الصينية المنتشرة بكثرة، إذ يضطر مستخدموها لصيانتها بشكل دوري، ويزيد الأمر سوء ندرة القطع الأصلية ما يجبر المصلحين على تركيب نوعيات يصفها بـ “الرخيصة” والتي تنتشر في وكالات بيع الجملة.
يفرق أصحاب الدراجات بين النوعين الياباني والصيني، وللأخير نوعيات مختلفة أيضاً، ويتراوح سعر الدراجات النارية اليابانية بين 800 إلى 5000 دولار، وهو ما يعادل ثمن سيارة في إدلب، أما الدراجة الصينية والتي تستورد عبر تركيا فلها مواصفات وأسعار متنوعة.
ويمكن إجمال الدراجات الصينية في المنطقة بنوع صيني أول يندرج تحته أنواع مثل (عقاد النصر، الديكور، لونسون البستاني، لونسون أمينة، عقاد، عقاد الدالي، عقاد الريكورد، عقاد 3000) وتتراوح أسعارها بين 550 إلى 750 دولاراً.
أما النوع الثاني من الدراجات الصينية فيندرج تحته أسماء مثل (تايكر، عيتاني نجوم، هوندا سماقية ، عقاد 6000 ، البدوي 2018) ، وتتراوح أسعارها بين 300 إلى 500 دولاراً.
تزيد نسبة الأعطال في الأنواع الصينية، خاصة النوع الثاني والدراجات المستعملة، وهذه الأنواع هي الأكثر بيعاً واستخداماً في الأسواق بسبب أسعراها المنخفضة بعد الاستعمال والتي تتراوح بين 150 إلى 400 دولاراً.
يقول عدنان الخالد، عامل في نحت الحجارة، إنه اشترى دراجة نارية مستعملة من نوع عقاد بـ 300 دولاراً الشهر الفائت، وإنه اضطر لصيانتها ثلاث مرات، وذلك بسبب وعورة الطرقات التي يسلكها للوصول إلى مكان عمله، دفع فيها نحو ثلاثمائة ليرة تركية وهو ما يعادل ثلث أجره الذي يتقاضاه.
ويقول خالد، أحد زبائن أحمد المعتادين، إن “مصائب قوم عند قوم فوائد ” ويتبعها بابتسامة ساخرة تخفي خلفها مزيداً من القهر وكره لواقع الطرقات في المخيمات التي يسكنها، إذ “لا يمر شهر واحد على تصليح دراجتي النارية أو تبديل قطعة فيها بسبب سوء الطرقات ووعورة أماكن المخيمات، حتى تعود لعطل آخر كحال الكثيرين من مالكي الدراجات النارية”.
ويخبرنا رامز الخلف، أحد ساكني المخيم، إن رداءة المحروقات في بعض الأوقات وعدم جودة بعض قطع الغيار المستوردة يجبرهم على التصليح ودفع كلفة كبيرة للصيانة،
وتتفاوت الأجور، بحسب أحمد، بين خمس ليرات وثلاثين ليرة للقطعة الواحدة، إضافة للمرابح التي يحصل عليها من القطع التي يتم تركيبها للزبون.
يكسب أحمد نحو مئتي ليرة تركية يومياً من عمله ويرى أن مهنة تصليح الدراجات النارية رابحة وتكاليفها قليلة، إذ يحتاج لمعدات بنحو مئتي دولار مع مولدة الهواء إن كانت مستعملة، وأربعمائة دولار إن كانت جديدة، إضافة لإيجار المحل، وقطع التبديل التي يبيعها بعد إضافة ربح عليها.
تزيد ساعات العمل في أشهر الصيف عنها في الشتاء، وذلك لزيادة استخدام الدراجات النارية صيفاً، كذلك يبيع أصحاب المحلات إضافة لقطع التبديل، معدات الزينة واللصاقات والمسجلات، وتشكل هذه الأدوات ربحاً إضافياً.
تنتشر مهنة تصليح الدراجات النارية في مناطق إدلب كافة، ويستفيد أصحابها من مجموعة عوامل تتعلق بوعورة الطرق وأنواع الدراجات الرديئة لزيادة دخلهم، في الوقت الذي يدفع مالكو الدراجات قسماً كبيراً من دخلهم للحصول على وسيلة تنقل بعد غياب وسائل النقل العامة وندرة الأنواع الجيدة من الدراجات وارتفاع ثمنها إن وجدت.