تناقصت مساحة الأراضي المزروعة ببقول الحمص في مناطق الشمال السوري، وتراجع إنتاجها في العام الحالي مقارنة بالمواسم السابقة، ترافق ذلك مع ارتفاع أسعاره في الأسواق.
يقول المهندس أحمد الكوان، معاون وزير الزراعة والري في حكومة الإنقاذ السورية، إن مساحة الأراضي المزروعة بالحمص بلغت ٧٥٨ هكتاراً في العام الحالي أنتجت نحو ١٩٠٠ طناً من الحمص، وإن هذه المساحة تراجعت عن العام السابق، إذ بلغت مساحة الأراضي المزروعة بهذا المحصول نحو ١١١٦ هكتاراً أنتجت ٢٧٩٠ طناً.
ويرجع الكوان سبب لامتناع فلاحين عن زراعة الحمص لتدني سعره في موسم زراعته العام الماضي، ويتوقع أن يشهد تحسناً في الموسم المقبل لارتفاع السعر حالياً.
وأدى استمرار الجفاف في عدة بلدان منتجة رئيسية إلى خفض توقعات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لإنتاج الحبوب في عام ٢٠٢١ بمقدار ٢٩.٣ مليون طن منذ صدور التقرير السابق في تموز الماضي، وباتت تبلغ الآن ٧٨٨ ٢ مليون طن.
وانخفضت توقعات المنظمة للإنتاج العالمي للحبوب الخشنة في عام ٢٠٢١، بمقدار ١٣.٧ ملايين طن، وباتت تبلغ الآن ٤٩٩ ١ مليون طن.
وتشير التوقعات إلى أن الاستخدام العالمي للحبوب في الفترة ٢٠٢١/٢٠٢٢ سيبلغ ٨٠٩ ٢ ملايين طن، أي بانخفاض قدره ١.٧ ملايين طن منذ تموز الماضي.
تيه المزارع بين الخسارة والربح
بعد خسارة المزارعين في السنوات السابقة مواسمهم انتقلوا لزراعة مواسم بديلة. يقول أبو أحمد، رجل خمسيني من ريف جسر الشغور الغربي، إنه في السنوات الثلاث السابقة زرع ما يقارب خمس هكتارات من محصول الحمص نوع مراكشي (أي حبة متوسطة الحجم) ولكنه خسر، ويرجع سبب خسارته إلى “انخفاض أسعار مبيع الحمص، وانتشار الأمراض الفطرية التي قضت على جزء من المحصول وقلة المردود، إضافة إلى سطو الخنازير البرية المنتشرة على جزء من المحصول”، الأمر الذي دعاه إلى تغيير محصول الحمص إلى محاصيل أخرى مثل حبة البركة أو أنواع أخرى من الخضراوات.
في العام الحالي، باع أبو أحمد طن الحمص بنحو ثمانمائة دولار أمريكي، وهو سعر “جيد”، على حد قوله، بعد أن كان يباع في السنوات السابقة بنحو أربعمائة وخمسين دولاراً للطن الواحد، ويعود سبب تضاعف السعر إلى قلة المساحات المزروعة بالحمص وانتقال المزارعين إلى زراعة محاصيل أخرى تعوض خساراتهم السابقة.
يخطط أبو أحمد لزراعة الحمص في العام القادم، مع أخذ الحيطة من الأمراض الفطرية ورش المحصول بالمبيدات منذ بداية العام، إضافة لاستئجار صيادين لحماية حقله من الخنازير البرية.
يخبرنا المزارع خالد خليل، من ريف جسر الشغور الشرقي، أنه زرع هذا العام نحو خمس دونمات من الحمص، يقول إن الموسم كان “جيد جداً”، وإنه لم يعاني من مشاكل كبيرة، سوى في قلة الأمطار، وإن موسمه لم يتعرض لانتشار الأمراض الفطرية والتعفن، وإنه باع محصوله بسعر ٧٧٠ دولاراً للطن الواحد.
وقال سامر عادل يسوف، مزارع ورئيس الجمعية الفلاحية من قرية زردنا، إنه، مثل أغلب المزارعين، توجه لزراعة المحاصيل العطرية مثل الكمون وحبة البركة بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة بالحمص في السنوات الماضية.
ويضيف اليسوف أن زراعة الحمص لم تكن تسد تكلفتها، إذ بلغ إيجار الدونم من الأرض بين ٥٠ إلى ٨٥ دولاراً في العام الماضي، أما في العام الحالي فيتراوح إيجاره بين ٨٠ إلى ١٢٥ دولاراً، وهو ما دفع المزارعون لتجهيز أراضيهم من أجل موسم الحمص، يقول اليسوف إن المزارعين يعتمدون على تحسن أسعار المواسم لزراعتها وليس على عملية التوازن الزراعي للمحاصيل.
يقدر اليسوف انخفاض نسبة زراعة الحمص في العام الحالي بقريته بنحو ٨٠٪ عنها منذ ثلاثة أعوام، وذلك بسبب غياب التنظيم الزراعي وانتشار العشوائية الزراعية، ما ساهم في زعزعة العمل الزراعي وعدم ثبات الأسعار، وساهم بخسارة قسم كبير من المزارعين لاعتمادهم على أسلوب تقليد المزارعين في مواسمهم.
ويرى يسوف أنه “يجب التقيد باتباع الدورة الزراعية، وأيضا المساهمة بتفعيل دور عملية التوازن الزراعي وتفعيل الاقتصاد الزراعي من خلال أسس وضوابط، لأن المزارع بحاجة ماسة للإرشاد والتوعية، وهما عاملان أساسيان للنجاح وتفادي الخسارة”، كذلك يسهم غياب جهة رسمية تتبنى تسعير المنتجات ووضع خطط للتصدير والاستيراد في إخضاع المزارع لقانون العرض والطلب، ما يؤدي إلى خسارة أو ربح كبير، دون دراسة أو تدخل منه، بل بترك الأمر للمصادفة.
الأمراض الفطرية وعلاجها
للحمص أنواع ومواقيت زراعة خاصة، كذلك تتنوع الأمراض التي تصيبه، يقول المهندس الزراعي مرعي العبد الله: للحمص المحلي نوعان الزراعي أو الشتوي، وتبدأ زراعته من ١٥ كانون الأول، وتحتاج أرض الحمص للفلاحة بالكلفتور (وهو سكة حراثة متعددة الشفرات) ثم فلاحة لتنعيم التربة، يخلط البذار بكيسين سماد سوبر فوسفات معدل البذار بين ١٢٠ و ١٥٠ كغ للهكتار.
يعقم البذار بالفيتافاكس أو بمعقمات البذار الأخرى، وتزرع بالبذارة الآلية، ويكون الري بالرذاذ والحصاد بالحصادة الآلية، والفترة من الزراعة للحصاد نحو ستة أشهر.
وعن أهم الآفات التي يتعرض لها الحمص الشتوي، ونوع العلاج يقول العبد الله: تعالج الإصابة بالدودة الخياطة بالديسيس (٥٠% نصف لتر للهكتار)، والدودة الخضراء أو القارضة (تحتاج لـ ٣٠٠ غرام من الدسيس)، ويعالج المرض الفطري اسكوكيتا الحمص بمبيد كوروس (٥٠٠ غرام/ ل، أو ٧٥٠ غرام/ ل حسب شدة الإصابة).
أما النوع الثاني للحمص، فهو الحمص الربيعي المراكشي أو البلدي، تبدأ زراعته اعتباراً من أول شهر شباط، وأهم الآفات التي يتعرض لها الدودة الخياطة وفي المرتبة الثانية الدودة الخضراء (ثاقبة القرون) واسكوكيتا الحمص.
مونة الحمص وصلت للنصف
تقول السيدة زينب من ريف جسر الشغور الشرقي إنها تحتاج كل عام لنحو ٢٠ كيلو غراماً من الحمص كمؤونة لعائلتها الكبيرة، وتروي زينب: اشتري نحو عشر كيلوغرامات من الحمص الناعم، أطحنه وأضع عليه بعض البهارات اللازمة لتحضير وجبة الفلافل المنزلي، ثم أخزنه ليكون جاهزاً عند إعداد هذه الوجبة، إضافة لتخزين عشر كيلوغرامات أخرى من الحمص الخشن أتركها لباقي الوجبات التي اصنعها مثل الفتة والحمصية …
لكن السيدة زينب خفضت الكمية التي تخزنها كل عام بسبب غلاء سعر مبيع الحمص في الأسواق، ولعدم زراعتها للحمص في العام الحالي.
أنواع الحمص المتوفرة وأسعارها
تباع في الأسواق المحلية في الشمال السوري عدة أنواع من الحمص وبأسعار متفاوتة يذكرها لنا (علي حنتش) بائع محل جملة يقول: “في الأسواق عدة أنواع من الحمص، أملس ناعم بلدي سعر الكيلو 0.9 دولار أمريكي، وحمص تركي سعر الكيلو واحد دولار نفس سعر الحمص الخشن، وهذه الأنواع الأكثر طلباً في السوق سواء للاستهلاك في المنازل أو لمطاعم الفلافل وغيرها”.
وبلغ سعر طن الحمص قياس ٧ مل حوالي ٨٢٥ دولاراً، وسعر الطن قياس ٨ مل ٨٧٥ دولاراً، وذلك حسب آخر نشرة أسعار لشركة النماء التجارية، والتي تعرض يومياً على موقع الشركة على فيس بوك.
يدخل الحمص في طعام سكان الشمال السوري اليومي، فالحمص الناعم عادة ما يكون للطحن وتحضير وجبة الفلافل التي يتراوح سعر الصندويشة الواحدة منها بين ٤ إلى ٦ ليرات تركية، والحمص بطحينة سعر الكيلو غرام الواحد بين ١٥ إلى ٢٠ ليرة، حسب كمية الحمص وجودته، أما فتة الحمص فيصل سعر الكيلو غرام منها نحو ١٠ ليرات، وباقي أنواع الحمص عادة ما تطلبها المحامص لصناعة القضامة وهي (حبات حمص مقرمشة بالملح)، أو الملبس الذي عادة ما يقدم بالمناسبات وهو (سكاكر ملونة محشوة بالحمص)، وأيضا لتحضير الكثير من الوجبات المشهورة والتراثية في المنطقة.