تتوزع أكوام البامية الخضراء داخل غرفة أم معتز في أحد مخيمات دير حسان، الغرفة الصغيرة تحوي ورشة نسائية من شقيقات أم معتز وبناتهن وأحفادهن يعملن في صناعة المونة لتصديرها.
تلقي سيارة أبو عقيل حمولة البامية في الصباح الباكر، بعد شرائها من سوق الهال داخل المدينة لتبدأ أيادي النسوة المنتظرات في الغرفة العمل، يتقاسمن كميات متفاوتة من البامية، الأمهر بينهن من تسبق الأخريات بتحضير حصة كبيرة تضعها أمامها في سلتها، بينما تجعل أم معتز من ثوبها وعاء لوضع حبات البامية بعد نزع الجزء العلوي منها، وهي توصي الصغيرات في الورشة بتوخي الحذر عند نزع رأس الحبة بالسكين.
يطول جلوس سيدات الورشة حول أكوام البامية، يقتلن ملل الساعات الطويلة بالحديث وتذكر القصص الطريفة والمؤلمة أيضاً، تقول أم معتز إن مهنة “تقميع البامية” رافقت عائلتها منذ زمن طويل، قبل النزوح في أيام ريف حلب حيث كان مقامهم، وتتحسر على بركة تلك أيام، تخبرنا أن البامية كانت متوفرة بكثرة وبأسعار رخيصة لا تقارن بأسعار اليوم.
تستغل أم معتز وشقيقتيها موسم الصيف للعمل في تقميع البامية، كمصدر رزق لهن، إذ ينشط عملهن بين شهري حزيران وأيلول، تقول إنها مهنة متوارثة من الجدات لدى العائلة، وحملوها معهن إلى المخيمات.
بعد نزع الرأس القاسي منها “تقليمها”، تنشر البامية في مكان نظيف ومشمس، أو تقلّد في خيوط على شكل دوائر، حتى تجف تماماً، ثم يأخذها أبو وليد الشقيق الأكبر لأم معتز إلى المخازن تمهيداً لتصديرها.
تمر البامية بعدة مراحل قبل أن تصل لمرحلة التصدير، فتشرف النسوة مع عوائلهن على فرزها إلى ثلاثة أنواع، بحسب حجمها، “الزهرة” وهي الحبة الصغيرة جداً، والنوع الثاني للحبات المتوسطة وآخر للحبات الكبيرة، ومن ثم تبدأ عملية التقليم تليها عملية الغرز وتكون بواسطة إبرة وخيط قطني طويل يصل لمترين وأكثر، توضع حبات البامية في الخيط على شكل قلائد مرصوفة، يتقن فتيات العائلة رصفها كما يتقن الحديث عن مرارة قصصهن وفقد أزواجهن وتحملهن مسؤولية الحياة القاسية.
تفضل النساء طريقة الغرز بعد تقليم الرؤوس الكبيرة ليسهل تعريضها لأشعة الشمس على الجدران حتى تجف بشكل أفضل وأسهل في عملية التغليف.
تتولى الأربعينية “أم حسن” مع بناتها جمع قلائد الزهرة (الحبات الصغيرة) وجدلها على شكل جدائل يطلق عليها اسم “المِشَكًّ”، ووضعها في صناديق كرتونية، كجزء من عمل الورشة، وذلك لرغبة بعض التجار بشراء هذا النوع من البامية أكثر من غيره رغم ارتفاع سعره.
يقول التاجر رسلان عقيل إن سعر كيلو البامية المجفف يصل إلى عشر دولارات، قد يرتفع وينخفض قليلاً، ويحتاج لسبع كيلو غرامات من البامية الخضراء لصناعته.
تراجع العمل في صناعة البامية لهذا العام مقارنة بالعام الماضي، فقد كانت حمولة البامية الخضراء -أثناء توزيعها اليومي على النساء أضعاف العام الحالي- من سوق الهال، أما في هذا العام فقد اقتصرت على عائلات قليلة.
يرجع عقيل تراجع العمل في المهنة إلى ارتفاع سعر البامية، إذ وصل في العام الحالي لنحو خمس عشرة ليرة تركية، بزيادة ضعفين عما كان عليه في العام الماضي، كذلك لزيادة الطلب عليها في السوق المحلي بعد تناقص إنتاجها مع سيطرة النظام على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في أرياف حلب وحماة التي كانت مصدر إنتاج وفير للبامية، إضافة لقلة الأمطار واعتماد المزارعين على الري ما تسبب بزيادة كلفة الإنتاج، أخيراً كان لقرار حكومة الإنقاذ بمنع دخول الخضروات من مدينة عفرين دور في ارتفاع الأسعار.
يحضر عقيل كراتين متوسطة الأحجام مع لاصق شفاف لإغلاقها بإحكام بعد تعبئتها، إضافة لوضع قطع من القصدير أو النايلون داخل الكراتين لحفظ البامية من الرطوبة، وتخزن الكراتين في مستودعات معقمة لحفظها من الحشرات.
يخبرنا عقيل بأن المرحلة الأخيرة تكون في جمع الكميات من قبل عدد من التجار وشركائهم لتصديرها إلى لبنان ومن ثم إلى دول أوربا والخليج العربي.
تقول أم حسن إحدى العاملات في الورشة إنها قادرة على تجهيز ثلاثين كيلو غراماً من البامية الخضراء خلال نحو خمس ساعات، تتقاضى ليرة واحدة عن كل كيلوغرام، أي نحو تسعمائة ليرة تركية شهرياً، تراه ام حسن أجراً جيداً مقارنة بالعمل خارج المنزل.
يكثر الطلب على البامية المجففة وذلك لرغبة محبيها في طبخها لما لها من مذاق لذيذ وفوائد عديدة تساعد على الهضم وتعزز صحة جهاز الدوران وتحسن مستويات الطاقة.