لم يبق من إحدى العائلات الذين استقبلهم مركز العزل في مشفى سلقين التخصصي، سوى شخص واحد مصاب بفايروس كورونا بعد أن قتلت الإصابة والدته وأخيه وأخته، إثر تفشي الفايروس في معظم أنحاء المدينة.
يقول عبد الحي كيالي (مشرف العناية ورئيس التمريض في مشفى سلقين) إن أخت المريض كانت أول المصابات بالفايروس من العائلة، وإنها خضعت للعلاج فترة طويلة قبل أن ينقل إلى المركز والدتها وأخويها بعد الهجمة الأخيرة للفايروس، توفيت الأم قبل أيام، ثم السيدة وأحد أخوتها.
ويضيف كيالي إن المشافي المخصصة لعلاج فايروس كورنا ممتلئة، ولا يوجد أسرة لاستقبال مرضى جدد، وفي مشفى سلقين نحو سبعين سريراً لا يكاد يخلو أحدها إلا ليمتلئ من جديد. يؤكد ذلك أبو الوليد (أحد كوادر منظومة الإسعاف) والذي قال إن المشافي العامة والخاصة ممتلئة تماماً، وينتظر المصابون شفاء أو موت أحدهم لتلقي العلاج.
ويقدر أحمد سعدو (طبيب في مشفى كفرتخاريم) أعداد المصابين اليومي بنحو ألف مصاب، وإن النسبة في زيادة مستمرة، وتتركز أعلى الإصابات في مناطق حارم وسلقين وكفرتخاريم بريف إدلب.
ويقسم المرضى في كفرتخاريم إلى مرضى جناح وأخرين في العناية ويحتاجون لتهوية آلية، بحسب الطبيب سعدو الذي أضاف أن هناك نقص في الأدوية داخل المشافي، وإن المشفى يواجه صعوبة في تأمينها للمرضى في قسمي العناية والجناح، وإن هذه الأدوية مرتفعة الثمن وتعجز المشافي عن شرائها بسبب كثرة أعداد المصابين.
وتشهد منطقة إدلب منذ عيد الأضحى، هجمة جديدة للفايروس، خاصةً ما يطلق عليه المتحور الجديد دلتا، والذي ظهر بعد المتحور ألفا، بحسب عصام علي (مدير مركز عزل منظمة وطن في مدينة معرتمصرين)، والذي تحدث عن زيادة نسبة الوفيات للمصابين بالمتحور الجديد، من بينهم الأطفال، وأحياناً دون ظهور أعراض الفايروس عليهم.
وقال الدكتور رامي كلزة (مدير برنامج المعلومات في مديرية الصحة) إن المنطقة دخلت في الموجة الثانية، وإنها تتجه باتجاه ذروة جديدة أشد من الذروة التي حصلت في شهري 11 و12 من عام 2020 الماضي، فقد لوحظ ارتفاع نسبة الإصابات ا بمعدل 50 إصابة يومياً خلال شهري حزيران وتموز، بعد أن انحسرت الإصابات لتصل إلى صفر حالة يومياً أو بما لا يتجاوز 10 حالات يومياً في الفترة بين شباط و حزيران 2021، ثم عاودت الحالات للانخفاض في الأسبوع الأول من شهر آب، قبل أن ترتفع لتصل إلى معدل 75-95 إصابة يومياً، ثم قفزت بشكل حاد لتصل إلى نحو 1000 إصابة يومياً في الأسبوعين الأخيرين، و تتجاوز حد 1500 حالة جديدة في اليوم خلال الأيام العشرة الأخيرة.
وأضاف الدكتور رامي إن نسب الإشغال في مراكز العزل البالغ عددها خمسة عشر مركزاً، ومشافي العزل البالغ عددها عشرة مراكز انشغلت بشكل حاد وواضح سواءً في الأجنحة التي تحوي 360 سريراً بالمجموع، أو في العناية المشددة (وتحوي 155 سريراً مجهزة بـ 140 جهاز تنفس اصطناعي) لتصل نسب الإشغال إلى 100% في معظم المنشآت، مع ملاحظة أن الارتفاع في حالات التهوية الاصطناعية لحد الآن كانت أقل ارتفاعاً مقارنةً بحالات الاستشفاء العادية الخفيفة والمتوسطة.
وأشار الدكتور كلزة إلى أن ذلك تزامن مع انتهاء تمويل العديد من مراكز العزل المجتمعي ما أدى لإغلاق نحو عشرة مراكز خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، ليبقى فقط 14 مركز عزل من أصل 32، بإجمالي عدد أسرة حوالي 780، بالإضافة إلى المشافي العشرة بقدرة استيعابية 360 سرير جناح و 155 سرير عناية مشددة مع 140 جهاز تنفس آلي فقط. تقدم هذه المراكز خدمات الحجر والعزل والعلاج للحالات المشتبهة والمؤكدة التي تظهر عليها أعراض متوسطة وشديدة وحرجة، بالإضافة لخدمة إجراء المسحات.
يقول من تحدثنا معهم إن المتحور دلتا أسرع انتشاراً بأضعاف عن النسخ السابقة للفيروس، ما يعني زيادة العبء على المنشآت الصحية والقطاع الصحي بشكل عام، وأشد قوة من حيث الأعراض السريرية، و أكثر احتمالاً لإحداث الوفيات، و قد يصيب أعماراً أصغر من النسخ السابقة (الشباب و الأطفال)، والأخطر من ذلك كله أنه قادر على تجاوز المناعة الطبيعية الناجمة عن إصابة سابقة وشفاء بنسخة أخرى من الفيروس، أو المناعة المكتسبة باللقاح، أي أن تأثير اللقاح والمناعة الطبيعية عليه أقل من النسخ الأخرى، بحسب مدير برنامج المعلومات في مديرية الصحة الذي أكد أن “المتحور دلتا أقل استجابة تجاه المناعة الطبيعية (إصابة و شفاء) أو المناعة المكتسبة باللقاح (بما فيها لقاح أسترازينيكا)، ما يجعل الحماية منه بالتلقيح أو المناعة الطبيعية أضعف منها ضد النسخ السابقة من الفيروس، ومع ذلك يبقى اللقاح فعالاً بنسبة وصفها بـ “المعتبرة” في الحماية من الإصابة والأعراض الشديدة للمرض.
وبلغ عدد جرعات اللقاح المقدمة للسكان في إدلب نحو 104750 جرعة، تم تلقيح 86018 شخص بها، منهم حوالي 18750 شخصاً تلقوا جرعتين كاملتين، ونحو 67000 تلقوا جرعة واحدة، بحسب مديرية الصحة
وتقدم مراكز العزل خدمات استقبال المرضى وأخذ المسحات والعزل الصحي للمريض الذي يفضل البقاء حتى صدور نتيجة المسحة، وفي حال كانت النتيجة إيجابية يبقى لمدة أسبوعين يقدم له فيهما الطعام والشراب والخدمات الدوائية والاستشارات مع إمكانية التحويل إلى المشافي في حال كانت الحالة شديدة
وذكرت شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة في تقرير ترصد مرض كوفيد 19 الصادر بتاريخ الحادي عشر من أيلول 2021، أنه تم الإبلاغ عن 6 وفيات جديدة خلال ال 24 ساعة الماضية، وإن نسبة الإيجابية في الحالات الممسوحة نحو ٤٩٪، من بين المصابين ثمان حالات من العاملين في القطاع الصحي، منهم طبيب، وطبيب أسنان، وثلاثة ممرضين وقابلة، إضافة لـ ٤٨من النازحين داخل المخيمات.
وبحسب التقرير فإن 430 حالة جديدة أثبتت التحاليل إصابتها بالفايروس، فيما بلغت إجمالي الحالات المصابة 52111، في حين بلغت حالات الشفاء الجديدة 648 حالة شفاء من أصل 28172 إجمالي حالات الشفاء، وبلغ عدد التحاليل الجديدة، 874 تحليلاً من أصل 232431 إجمالي التحاليل في حين بلغ اجمالي عدد الوفيات 871 حالة.
نقلت الفرق المختصة في الدفاع المدني السوري يوم السبت الفائت ثمان وفيات بينهم خمسة نساء من المشافي الخاصة بفايروس كورونا شمال غرب سوريا، كما نقلت الفرق 49 شخصاً مصابين بالفيروس بينهم 20 امرأة إلى مراكز ومشافي العزل، بالتوازي مع استمرار الفرق بعمليات التطهير للمرافق العامة، إضافة لأنشطة التوعية للمدنيين وتذكيرهم بضرورة تلقي اللقاح واتباع إرشادات الوقاية من الإصابة بالفيروس كارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي وتعقيم اليدين باستمرار.
وأصدرت حكومة الإنقاذ في العاشر من الشهر الجاري تعميماً إلى الوزارات والهيئات العامة تطلب إليهم العمل على تأجيل افتتاح المدارس والمعاهد ورياض الأطفال العامة والخاصة، وإغلاق كافة الأسواق الشعبية الأسبوعية (البازارات) وأسواق الطيور والدراجات النارية، وطالبت بإغلاق مدن الألعاب والملاهي وصالات الافراح وأماكن الألعاب الجماعية، والمسابح العامة والملاعب والصالات الرياضية، وأوعزت أن يقتصر عمل المطاعم على الوجبات الخارجية، بالإضافة لتكليف الوزارات لتطبيق بنود التعميم كل حسب اختصاصه.