تحقق حلم أبو عبدو (40 عاماً)، مهجر من ريف حماة الغربي وأب لخمسة أطفال، باستلامه شقة سكنية ضمن تجمع في منطقة جبال سرمدا شمالي إدلب، لكنه لاحظ ملامح الصدمة ظاهرة على وجه زوجته عند دخولها المطبخ في شقته الجديدة، على حد وصفه.
قاست أم عبدو بـ “شبر يدها” المساحة الفارغة بجانب مغسلة تنظيف الأواني (جرن الجلي)، لتعلم إن كان يتسع لفرن الغاز الذي اشترته منذ شهور، احتالت لتجد مكاناً لغسالة الملابس دون جدوى، وقفت وجلست وهي تنظر إلى مطبخها الذي لا يتسع لشخصين معاً داخله.
تقول أم عبدو إنها إنها لاحظت عدم اعتماد المنظمات على مقاس ثابت في مطابخ المنازل المنفذة، فطول المطبخ في بيت أختها يبلغ مترين أما عرضه فمتر واحد، وهو ما يتميز عن مطبخها الذي لا تستطيع أن تجري عليه أي تعديل لأنه مصمم على حائط واحد بعرض مترين ثُبّتت عليه مغسلة لغسل الأواني.
الحل الوحيد الذي استطاعت إيجاده إضافة أرفف لوضع مرطبانات المؤن، لكنه غير كاف لوضع مستلزمات المطبخ الكثيرة، وعليها توفير مساحة للأواني المختلفة فمنها الزجاجية والمعدنية والبلاستيكية، تقول: “إنه من السهل تأمين حمالات للأواني لكن لا أجد مكاناً لتعليقها حتى أضمن عدم تعرضها للماء والأوساخ”.
توزعت كتل سكنية في مناطق مختلفة مثل “عقربات ومشهد روحين، وجبل كللي، وجبل سرمدا وحربنوش وغيرها من المناطق”، وأنشأت المنظمات الإنسانية المنازل وفق معايير شبه موحدة تفرضها الجهة الداعمة من حيث المساحة والمواصفات، في هذه الكتل السكنية يختلف تصميم المطابخ لكنها تتفق في ضيق مساحتها، معظمها لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار مربعة، تتخلله مغسلة للأواني مصنوعة من البلاط وصنبور ماء، ولا يتسع المطبخ لوجود أكثر من شخص داخله.
حلول بديلة
استشارت أم عبدو صديقاتها اللواتي استلمن منازل مشابهة في مناطق مختلفة، أطالت النظر في الصور التي يلتقطنها لتستفيد من تجاربهن، وتنصحها ابنة عمها “خالدية الحسين” تقطن في وحدة سكنية في مشهد روحين بإجراء تعديلات قبل نقل أمتعتها، للاستفادة من كل المساحة، كتثبيت أرفف من ألواح معدنية بجانب مغسلة الجلي لوضع الأواني عليها، كما أيدت فكرة (أم عبدو) بتفصيل رفوف حجرية من (البلاط) على امتداد الحائط الذي لا يتجاوز طوله مترين، فهو الحائط الوحيد في المطبخ، تقول (ختام) إن تركيب رفوف مشابهة كلّفها 25$ لكنها عملية لا غنى عنها مع ضيق المساحة، أما فرن الغاز ذو العيون الخمسة فلا يمكن وضعه في المطبخ، وتفكر (أم عبدو) في إلغاء الحمام الذي يبلغ طوله متراً واحداً وعرضه بذات المساحة و دمجه في المطبخ ليتسع للفرن، “هذا الحل الوحيد وإلا سأضطر لوضع فرن الغاز في إحدى الغرفتين”، تبتسم “أم عبدو” وتقول لأول مرة أفرح لأني لا أملك ثلاجة لحفظ الطعام، وإلا أين سأذهب بها؟
تقول انتصار صالح إن تصميم منزلها، التي حصلت عليه في المخيم الكويتي بحربنوش غربي إدلب، لم يراعِ وجود المطبخ، لكنه يحتوي على فسحة سماوية بمساحة ثمانية أمتار، اقتطعتها وسقفتها لتجهز مطبخها، وبكلفة تزيد عن مئتين وخمسين دولاراً.
المطابخ أيام زمان
المطبخ مملكة المرأة الشرقية، تتباهى النساء بينهن بعرض أصناف المؤونة على الأرفف الكثيرة بشكل مرتب يلفت الانتباه، مثل المربيات بأنواعها، والمخللات، ومرطبانات الزيتون والمكدوس والجبن وزيت الزيتون، وأكياس الملوخية والباذنجان اليابس.
واعتادت ربات المنازل على قضاء معظم يومهن داخل المطبخ، يضفن إليه عاماً بعد عام أدوات جديدة ويخلقن مساحات داخله لاستيعاب المؤن الكثيرة والأدوات الكهربائية التي يشترينها، وصمد أواني الطعام والقدور.
تقول “أم عبدو” إنها لم تعد تضع المؤن بكميات كبيرة مثل السابق، فقد استغنت عن الجبن وكرات اللبن المصفى، واكتفت بالأساسيات الأخرى بكميات قليلة بسبب سوء الأحوال المادية، ومع ذلك فالمطبخ في بيتها الجديد لن يتسع لمستلزمات المطبخ.
ما جبرك عالمرّ غير الأمر
لم يغفل “أبو عبدو” عن هذه المساوئ حين توقيع العقد مع إدارة التجمّع التي سلمته الشقة السكنية إلا أنه وقف أمام خيارَين أحلاهما مرّ، فإما أن يقبل بالاستقرار والتغاضي عن كل المساوئ أو أن يبقى في الخيمة القماشية التي لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء، يعدّد لنا سلبيات الخيمة ويجد السكن تحت سقف إسمنتي، واستناده إلى حائط البلوك فرصة لا تفوّت وهذا ما جعله يوقع على استلام البيت دون تردد.
يقول محمد عبود، معاون شؤون المخيمات، إن وزارة الإسكان تسعى لتوسيع مساحة البناء في التجمعات السكنية، من خلال التواصل بشكل مستمر مع المنظمات ل تحسين الشروط الفنية للبناء وتوسيع مساحة ومواصفات الشقة السكنية، وتتراوح مساحة الشقة بين ٣٥ إلى 40متراً وقد تصل في بعض المشاريع لسبعين متراً.
ويضيف العبود إن المشاريع السكنية اليوم أفضل حالاً، فقد كانت مساحة الشقق السكنية في السابق لا تتجاوز ٢٤ متراً، أما اليوم فقد تضاعفت المساحة، ويراعى عند تسليم الشقق عدد أفراد العائلة، إذ تمنح العائلات التي يزيد أفرادها عن خمسة أشخاص شقتان إن توافرتا.
تجترح سيدات الشقق السكنية الجديدة حلولاً لترتيب مطابخهن، يرتبنه قدر استطاعتهن، يستفدن من كل بوصة متاحة، لكنهن غير سعيدات، بحسب من تحدثنا معهن، يأملن أن تراعى مساحة المطابخ خلال البناء، فصغره يعني توزع أثاث المطبخ على الغرف كافة، إذ لا يمكن الاستغناء عن أساسياته.