يخلق مزارعون في الشمال السوري بيئة مواتية لزراعة الفطر وإنتاجه بأنواع مختلفة وكميات وفيرة طيلة أيام الدورة الزراعية، معتمدين على البذار المحلّي والتبن.
لاقت مشاريع زراعة الفطر إقبالاً كبيراً من مزارعي المنطقة، لتكلفته القليلة وإنتاجه الوفير، إضافة لزيادة الطلب. والفطر مصدر غذائي غني بالعناصر المفيدة، كالبروتينات والفيتامينات والمعادن، يستخدم كبديل للحم لما يملكه من قيمة غذائية عالية، وما يمتاز به من طعم.
ويقول المهندس الزراعي، محمد النعسان، إنه من الممكن خلق الظروف الجيدة لزراعة الفطر، بتهيئة مكان مناسب ذي تهوية ورطوبة وإنارة مناسبة لكل مرحلة من مراحل الإنتاج. مع التركيز على الظروف المناخية المناسبة لسلالات الفطر الصيفية والشتوية.
زراعة الفطر إنتاج وفير وتكلفة قليلة
محمد الحسن، يعمل في هذه زراعة الفطر منذ سنوات، وقبل نزوحه من مدينته كفرزيتا، يخبرنا عن تجربته الماضية والحالية، يقول إن هذه الزراعة من أفضل المشاريع الإنتاجية، وذلك لضيق المساحة التي تحتاجها وقلة التكلفة ووفرة الإنتاج.
ويروي الحسين أنه استغل مساحة لا تزيد عن مئتين وخمسين متراً في قبو منزله لزراعة الفطر المحاري، واستطاع إنتاج نحو ثلاثمائة كيلو غراماً من الفطر ذي النوعية الجيدة.
ينتظر الحسن انخفاض درجات الحرارة، مع بداية شهر تشرين الأول، ليعاود زراعة الفطر، ويقوم حالياً بتجهيز البذار وتحضيره مع مهندس مختص في أحد المختبرات.
يعتبر الفطر المحاري واحداً من أكثر الأنواع التي تزرع في الشمال السوري، ويتميز بلونه الأبيض الرمادي وطعمه المميز، وشكله الذي يشبه المحار، إضافة لسهولة زراعته، بحسب المهندس نور الدين رجب، والذي يعمل على زراعة الفطر وإنتاج البذار وتحضيرها بنفسه، وإجراء التجارب عليها لتطويرها ثم زراعتها وبيعها أيضاً.
يخبرنا رجب عن طريقة زراعة البذار في بيئة حاضنة من مخلفات نباتية رخيصة تحتوي على السلولوز، مثل تبن القمح أو الشعير أو نشارة الخشب، ويجب أن تكون خالية من المواد السامة كالمبيدات أو الفضلات الحيوانية وتحتاج إلى تعقيم جيد قبل الاستخدام.
مراحل زراعة البذار
يعتمد المزارعون على التبن، نظراً لوفرته، كبيئة مناسبة تحتوي على مادة السلولوز، بعد تقيمها، يقول المهندس رجب إن التعقيم يكون عن طريق غليان الماء، ثم إضافة التبن إليه لنحو أربعين دقيقة.
بعد التعقيم يوضع التبن في غرف معقمة لتنشيفه من الماء الزائد، مع مراقبة رطوبته، ويكون ذلك بعصره يدوياً، قبل وضع طبقة منه داخل أكياس من الخام، فوقها ملعقة من بذار الفطر، ثم طبقة أخرى من التبن في عملية دورية حتى امتلاء الأكياس وإغلاقها بإحكام.
تعلق الأكياس بعد قص أطرافها لتسريب المياه الزائدة، وتوضع فوق بعضها البعض في أقبية أو أقفاص بلاستيكية لتوفير مساحة إضافية للزراعة، وبعد ثلاثة أيام تثقب الأكياس من حوافها وقاعدتها ويوضع القطن لامتصاص المياه ومنع دخول المواد الملوثة، إضافة لثقبين من جهات الكيس لتسهيل التبادل الغازي بين الوسط المحيط و”الميسليوم”، وهو الطبقة القطنية التي تمتد داخل الكيس وتسمى “المشيجة”.
ينمو الفطر في درجات حرارة تتراوح بين ٢٢ إلى ٢٥ درجة مئوية، ويراعي المزارعون انخفاض درجات الحرارة بوضع أكياس من المياه الساخنة بين أكياس الفطر للوصول إلى درجة الحرارة المطلوبة.
بعد نحو عشرين يوماً تمتلئ الثقوب بالفطر الذي ينمو بسرعة، وخلال هذه المرحلة يجب تعريض الأكياس للضوء نحو أربع ساعات يومياً، ورشها بالمياه للحفاظ على الرطوبة الملائمة.
تقطف ثمار الفطر مرات عديدة، يقول المهندس رجب إن لتراً واحداً من بذار الفطر ينتج ثلاث كيلوغرامات من الفطر الناضج على ثلاث دفعات، ويتأثر الإنتاج بجودة البذار والبيئة الحاضنة لها، والمكان المناسب والعوامل المرافقة لزراعة الفطر من حرارة ورطوبة وإنارة.
بذار محلي
يحضر رجب البذار بنفسه داخل مختبره في مدينة إدلب، ويجري عليه تجارب عديدة لتطويره وتحسين سلالته، يقول إن أكثر الصعوبات التي يواجهها زارعو الفطر تأمين بذار بجودة عالية.
يؤكد رجب على ضرورة الانتباه إلى تاريخ إنتاج البذار، حتى لا تفقد حيويتها، ويقول إن البذار المتوافر في الصيدليات الزراعية يخسر بمرور الزمن حيويته، ويرجع ذلك لـ “استهلاك البذار كامل غذائه من جهة، وضرورة الاحتفاظ به في أماكن تحدد درجة حرارتها بسبع درجات مئوية”. وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل التبدلات المناخية وغياب الكهرباء.
كذلك يوجه رجب النصح للمزارعين، بضرورة معرفة كيفية التعامل مع ارتفاع وانخفاض الحرارة والرطوبة، والتي تؤدي إلى اصفرار البذار وتكسر حواف الجسم الثمري فيها.
التسويق والبيع
يباع الفطر الجاهز للسكان والمحال التجارية في الأسواق والمطاعم، ويتراوح سعر الكيلو غرام الواحد بين ٨ إلى ١٠ ليرات تركية، ويلجأ بائعون وتجار لحفظه في البرادات وبيعه في الأسواق خلال مراحل العام.
يقول الحسن إن مزارعين يضعون الفطر داخل مرطبانات زجاجية، يضيفون إليها الماء والملح وبعض المواد الحافظة لتبقى جاهزة للاستخدام لفترات طويلة.
المركز الوحيد لإنتاج البذار في شمال سوريا
ينتج مركز نواة للدارسات العلمية في عفرين ويطور سلالات جديدة من بذار الفطر محلياً، لتوفيرها للأهالي بسعر مناسب، كما يقوم بدورات تعليمية على زراعة الفطر، وتزويد المتدربين بالمعلومات والمهارات المناسبة لإنجاز المشروع وتأمين دخل للأسرة المنتجة.
تقول الباحثة رجاء زغلول، مدربة في المركز، “دربنا نحو 600 مستفيد من الرجال والنساء على مدار ثلاث سنوات، تمكن عدد كبير منهم من البدء بمشروعه الخاص والاستفادة منه في عدة مناطق، منها جسر الشغور وسرمدا وحزانو وعفرين واعزاز”. في نهاية كل دورة يوزع المركز على المتدربين البذار وسلة متكاملة من مستلزمات المشروع لمساعدتهم ضمن مشاريعهم الخاصة.
كما يوجد في المركز بنك فطري يحوي 30 نوعاً من بذار الفطر، يتم العمل فيه على تطوير السلالات الفطرية والحفاظ عليها، وإنتاج سلالات نادرة أيضاً، سواء كانت طبية أو صناعية أو الغذائية.
تتراوح أسعار البذار بين دولارين إلى ثلاث دولارات للتر الواحد من الفطر المحاري، تقول زغلول إنه يتم تصنيعه بكوادر مؤهلة ذات خبرة تؤمن حاجة السوق المحلي من البذار وتوفر على مزارعيه استيراده من تركيا.