اضطر عدنان، لاجئ من منطقة المطخ بـ ريف حلب الجنوبي ويقيم في تركيا، إلى دفع 900 دولار أمريكي للحصول على موعد متقدم في قنصلية النظام في اسطنبول، للتنازل عن ملكية أرضه لصالح أحد أبناء عمومته، بعد تجديد النظام تهديداته بالاستيلاء على أملاك الغائبين.
مع بداية موسم حصاد ثمار الأشجار، والاستعداد للموسم الزراعي الجديد، عاود النظام تهديداته بالاستيلاء على ماتبقى من أراضي النازحين والمهجرين في ريف حلب الجنوبي والشرقي، مادفع المئات منهم إلى البدء ببيع ممتلكاتهم أو التنازل عنها لأحد أقاربهم المتواجدين في المنطقة.
وفي شهر تشرين الثاني من العام الماضي، أصدرت اللجنة العسكرية والأمنية بحلب أمراً إدارياً رقم (20302)، ينص على طرح الأراضي التي لا يقوم عليها أصحابها للاستثمار، وإلزام مستثمريها بزراعة محصول القمح لموسم 2020-2021. حيث بلغت مساحات الأراضي المشمولة بالقرار نحو 4152 هكتاراً، تمتد من طريق دمشق -حلب الدولي حتى منطقة معامل الدفاع قرب مدينة السفيرة بريف حلب الشرقي.
استئناف المشروع
ينص القرار على طرح الأراضي وفق مزاد علني، ولموسم واحد فقط، بحجة التغلب على النقص في كمية القمح، لكن، وبحسب عدنان الذي أوضح لـ “موقع فوكس حلب”، فإن فرق الكشف والإحصاء بدأت العمل بريف حلب الجنوبي، هذا العام أيضاً، وأمهلت المزارعين حتى منتصف شهر أيلول القادم لتقديم المستندات والأوراق التي تثبت ملكيتهم للأراضي القائمين عليها.
ويقول: إن أقاربه الموجودين في القرية، قد طالبوه بالتنازل عن أرضه أو بيعها لأحدهم، حتى لاتضيع منهم لصالح الغرباء، وذلك، بعد إدراج فرق الكشف التابعة للنظام أرضه، تبلغ مساحتها “45 دونم”، ضمن مشروع الاستثمار.
ويضيف عدنان: أقرب موعد يمكن الحصول عليه داخل القنصلية لنقل وكالة أوبيع العقار والأملاك، كان في العشرين من شهر أيلول، مقابل دفع 100 دولار، في حين أن المهلة المقدمة من قبل مديرية الزراعة للأهالي لتسليم مستندات أراضيهم تنتهي يوم 15 أيلول، وكان الحل الوحيد دفع 900 دولار للحجز الفوري.
الإجراءات الجديدة لاتحمل أي بنود ملزمة للمستثمرين، كما ينص عليه مشروع القرار الرئيسي، في حين ظلت العملية تجري كما في السابق، متمثلة بتقديم عقود ريع الأراضي غير المستثمرة لثلاث سنوات، وتكون الأولوية فيها لشخصيات محسوبة على المليشيات النافذة، مع امتلاكهم حق الاستثمار لثلاث سنوات أخرى.
وأشار مصدر داخل مديرية زراعة حلب، نتجنب ذكر اسمه لأسباب أمنية، إلى أن “التعليمات لاتزال شفهية حتى اللحظة، وتطبق دون كتاب رسمي، حيث تنص على تحديد المساحة التي يستطيع الشخص زراعتها، ومنعه من إدارة الأراضي المجاورة أو التي تعود ملكيتها لأقاربه كما كان في السابق، وهي، في الغالب، مقدمة لخطوة أخرى تثير المخاوف”.
محاولة الحفاظ على الأرض
يقول أبو أحمد، من سكان قرية العثمانية قرب طريق دمشق -حلب الدولي، إنه نقل ملكية أرضه لصالح أحد أقاربه، مقابل تعهد خطي بإعادتها، دون مقابل لمالكها أو أحد ورثته في حال عودتهم إلى سوريا.
ويقول: الموسم الماضي ورغم صدور القرار إلا أن النظام أبدى تساهلاً مع الأهالي هناك، حيث تمكن أقاربي من زراعة جميع الأراضي التي تعود ملكيتها للعائلة، أما هذا العام فقد ازدادت مخاوف خسارتها بشكل نهائي، نتيجة تأكيد لجان الكشف على منع زراعة أراضي النازحين وضرورة إحضار وثائق ملكية للمقيمين، وزيادة انتشار الشبيحة في المنطقة.
وأطلق النظام أول حزمة من المزادات العلنية وقانون مصادرة ملكية الغائب في شهر تشرين الأول 2020، بريفي حماة الشمالي والغربي، بعد أشهر من سيطرته على المنطقة، لتتوالى بعدها الإجراءات مستهدفة مناطق ريفي إدلب الجنوبي وحلب الجنوبي والغربي، بعد الحملة العسكرية العنيفة التي أسفرت عن تهجير أصحاب وقاطني تلك المناطق.
الخوف من ضياع الأرض
مع اصرار النظام على المضي في مشروع مصادرة أملاك المهجرين والنازحين، تتزايد مخاوف السوريين من خسارتهم ملكية مزارعهم في حال تفعيله المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2012، الذي يجرم شريحة واسعة من السوريين، ويتيح له الاستيلاء على أصول وأملاك الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الارهاب لعام 2012.
ويرى عبد الناصر حوشان، عضو هيئة القانونيين السوريين، أن الاستيلاء على الملكيات حتى الآن مستبعد من قبل النظام، لاسيما بعد تقارير حرق و قطع الأشجار و نهب محاصيل الفستق و الزيتون، التي وثقتها الهيئة بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة.
ويقول: لم يصدر النظام، حتى اللحظة، قانوناً أو مشروعاً أو مرسوماً حكومياً يتيح الاستيلاء النهائي على أملاك المدنيين النازحين والمهجرين، وفضل إطلاق يد المليشيات واللجان الأمنية والشبيحة للتعاطي مع هذا الأمر.
وبحسب حوشان، فإن النظام قد أنكر نيته التعرض لأملاك المهجرين والمدنيين السوريين، خلال رده على أسئلة لجنة التحقيق الدولية معتبراً أن “ردود النظام لاقيمة لها من الناحية القانونية”.
يتخوف سكان ريف حلب الجنوبي أن تكون إجراءات النظام الحالية مقدمة لسن قوانين التأميم بحق أملاكهم، وتسليمها للمليشيات المقاتلة إلى جانبه أو شخصيات إيرانية مستقبلاً، خاصة وأن المنطقة كانت تعيش منذ بداية الألفية الثانية حالة صراع مع النظام الذي أنشأ العديد من المشاريع التي ألحقت الضرر بالأراضي الزراعية.